اخبار السودان

الجمعيات الأدبية في الخرطوم صفحات مجهولة تنتظر الباحثين

معتصم الحارث الضوّي

 

في مقابلة تلفزيونية مع المرحوم بروف عبدالله حمدنا الله في برنامج الوراق (يقدمه الباحث النحرير غسان علي عثمان) أشار إلى وجود جمعية ثقافية في أم درمان أسماها “جمعية أولاد السوق” وكانت تضم الشاعر يوسف مصطفى التني ، والشاعر حسين منصور وآخرين (1).

 

كانت إشارة البروف عبدالله حمدنا الله مذهلة ، إذ كانت المرة الأولى التي أسمعُ عن تلك الجمعية ، ولم تسعفني المراجع أو الدراسات المتوفرة على الإنترنت بما يشفي الغليل ، ولذا استعنتُ ببعض الخُلصاء طالبا المساعدة ، ولكن تمهيدا يجدر التعريف بنشأة الأندية الثقافية في العاصمة.

 

نشأت أولى الجمعيات الأدبية في حي السوق بأم درمان عام 1918م على يد مجموعة من طلاب المعهد العلمي أبرزهم الشيخ مجذوب مدثر ، والشيخ محمد المبارك عبدالله الذي أصبح لاحقا أستاذا في الأزهر الشريف ، ثم تعددت الجمعيات الثقافية في فترة لاحقة وكان أبرزها :

جمعية أبو روف

كتب الأستاذ محجوب عمر باشري أن من أعضائها حسين عثمان الكد وحسن عثمان الكد وخضر حمد وإبراهيم يوسف سليمان وحسن عثمان إسحق ومكاوي سليمان أكرت وأحمد محمد خير وإسماعيل العتباني والهادي أبو بكر إسحق وعبدالله ميرغني . كانت الجمعية معنية بالقراءة والاطلاع ومؤيدة لمصر ضد إنجلترا ، وتأثرت في مداولاتها بالفكر الفابي الاشتراكي (2)

 

جمعية الهاشماب والموردة

من أعضائها عبد الحليم محمد ومحمد أحمد محجوب والدكتور زكي محمد مصطفى وعبدالله عشري الصديق ومحمد عشري الصديق ويوسف مصطفى التني ومرضي محمد خير وعوض الله مرسال (3)

 

جمعية خلوة الكتيابي

كان مقرها خلوة الكتيابي بأم درمان واقتصر جهدها في المدى الزمني القصير الذي عاشته على الجانب الادبي وغالبا الشعر ، وكان قوامها ثلاثة من شباب المعهد العلمي : التجاني يوسف بشير ومحمد عبدالوهاب القاضي اللذين لم يمتد بهما العمر بعد إنشائها إلا قليلا ، ومحمد عبدالقادر كرف. إضافة الى عقيل احمد عقيل ، الدكتور فيما بعد. (4)

 

جمعية الأشقاء

برزت بين طلاب تزاملوا في كلية غوردون التذكارية . كان مقرها في منزل يحيى الفضلي بحي السوق في أم درمان ، وأسسها عدد من الأشقاء هم يحيى الفضلي ومحمود الفضلي وأحمد محمد يس وحسن محمد يس ، ومن هنا اكتسبت اسمها ، والتحق بالجمعية آخرون كان أبرزهم إسماعيل الأزهري ، والذي فاز باسم الجمعية برئاسة نادي الخريجين في أم درمان في دورات متتالية. (5)

(يضيف كاتب هذه السطور من مصدر آخر أسماء : توفيق الماحي وإبراهيم جبريل ويوسف أحمد البشير ومحمد نور حسين والحاج عوض الله وبشير محمود ومحمد السيد حمد واليسع خليفة وخليل محمد إبراهيم وعلي فرح علي) (6)

 

عودة إلى ذي بدء ؛ تواصلتُ مع بعض الأفاضل بخصوص جمعية أولاد السوق ، وكان أكثرهم حماسا أستاذ جليل تواصل مشكورا مع العديد من العلماء والكتّاب ، ووصلت بعض الردود القيمة التي بدأت في إجلاء الصورة ، فأرسل البروف عبدالله علي إبراهيم مشكورا مقالة أوردُها أدناه :

 

(اقتباس حرفي)

اتحاديون فماركسيون: بفوق بحي السوق قمتُ والصديق نور الهدي محمد نور الهدي ، صاحب دار عزة للنشر ، في (2013م) بطوافنا الدوري على بيوت رفاقنا من المرضى ومن العائدين من سفر و”الفاقدنهم”. وانتهينا كالعادة عند دار الرفيق حسن سلامة[1] بآخر حي المسالمة بأم درمان. وهو عضو مركزية الحزب الشيوعي منذ نشأته حتى خرج منه في نحو 1959م. وتقلد فيه مسؤولية العمل في الريف أو هامش اليوم بجبال النوبة.​ وعيني باردة. 88 عاماً من رشاقة الجسد والفكر.

 

ما استرعى انتباهي هذه المرة من حديثة تشديده على وجود حلقة ثقافية بحي السوق بأم درمان لا تقل خطراً عن جماعة أب روف والهاشماب الموردة ممن سارت بذكرهما الركبان. وتكونت منه ويحي الفضلي وعبدالرؤوف الخانجي وربما اقترب منها عفان أحمد عمر ، محرر جريدة الشباب. فقد كان صديقاً لسلامة وجاراً. وقال إن عفان كان يسمي حيهم الذي في آخر المدينة “عواء الذئب” كلما حلا به لدى عودتهم ليلاً من نادي الخريجين. وكان يزكي لسلامة أن يكتب ولكن بغير تقليد الكتابة السائد الصفوي الميت.

 

كانت جماعة السوق “شعبية” المزاج تريد مزج الفكر بالممارسة في حين كانت جماعة أب روف والهاشماب صفوية غارقة في التربية أو التبشير للخاصة. ولذلك خرج من السوق الجيل الاتحادي الشيوعي الأول ومن حزب الأحرار الاتحاديين بالذات الذي كان فيه حسن الطاهر زروق. وساقتهم وطنيتهم الشعبوية إلى الشيوعية لأن الحركات القائمة لم تكن شعبية بكفاية لهم. فقال سلامة إنه التحق بالإخوان المسلمين وتركهم بعد نحو أربعة اجتماعات اقتصرت على الفقه. ثم سمع من الزعيم الأزهري[2] أن ليس بوسع مؤتمر الخريجين عمل شيء كبير لأنه مثل عصاة العز تُلَوح بها ، ولكن لا تضرب.

 

واتفق للجماعة لمزاجها الشعبوي فتح مكتبة وطنية للقراءة بجهة مكتب البوستة بالسوق يغشاها الناس جميعاً. ثم عقدوا ندوات بدارها قال إنها لم تكن تسع الحضور. بل سعى إليهم مكتب الاتصال العام (المخابرات) الاستعماري ليقدموا وزير الإعلام العراقي من على منبرهم ليرد على يونس بحري المذيع العراقي الذي وظف صوته القوي للترويج للنازية الألمانية ضد الإنجليز. واشتهر عنه قوله إن إذاعة أم درمان “حشرة تطن”[3]. وقال سلامة إن الوزير أحسن دحض أقوال يونس ، ولكنه لم يرحم الاستعمار. وقال لهم إدوارد عطية ، موظف المخابرات الاستعمارية من أصول لبنانية ، لاحقاً إن الوزير وطني عراقي كبير.

 

ودخل الشيوعيون على جماعة السوق من منفذ هذه الشعبوية. فكان يلتقي بهم أحمد محمد خير ، من طلائع الشيوعيين ، بنادي الخريجين ، ويعرض الماركسية عليهم. وعرفوا شيوعيين آخرين : محمد أمين حسين وزين العابدين عبد التام ، وأحمد زين العابدين. وقال حسن عن عبد التام كلمات من ذهب في تواضعه ومعرفته. وقال إن عفان وافقه في تحوله إلى الماركسية ، ولكنه قال إنه سيكتفي بتحرير “الشباب”.

من رأي الكثيرين أن الشيوعيين أخطأوا بترك الحركة الاتحادية إلى حزب خاص بهم. ولكن الواضح أن من أول من خرج من الحركة كانوا اتحاديين ضاق حزبهم بشعبويتهم حتى وجدوا ما اتفق معها في الماركسية. اقرأ “تلك الأيام” لكامل محجوب و”تاريخ الحركة العمالية” لعلي محمد بشير[4] وستجد أنه لم يكن من مفر للمناضلين الجذريين من الماركسية وحزب من نوع جديد في ذلك المنعطف من الحركة الوطنية.

__________________

[1] حسن سلامة (1924م 2015م) كان قياديا بالحزب الشيوعي
[2] إسماعيل الأزهري (1900م 1969م)
[3] انظر/ي عبد الله علي إبراهيم، أنس الكتب ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، 1984م ، والباب : “لا هي حشرة تطن ولا هي بلبل يصدح ، ولكنها سنوات خصيبة.
[4] توسعنا في عرض الكتابين في

(نهاية الاقتباس)

 

أما بروفيسور المعتصم أحمد الحاج ، مدير جامعة أم درمان الأهلية ، فأفادني مشكورا بما يلي عن جمعية أولاد السوق :

(اقتباس حرفي)

نعم هذه الجمعية لطلاب المعهد العلمي وكان من عضويتها الشيخ محمد المبارك عبد الله وقد اشار لها في مذكراته وكان الشاعر حسين منصور استاذا في المعهد العلمي اما يوسف مصطفي التني فهو من جماعة الهاشماب وكتب في مجلة الفجر وبعد تقاعده كان عضوا في جمعية المديح النبوي وله ديوان شعر صغير باسم نبويات التني .

وايضا جمعية الاشقاء وكانت في منزل يحي الفضلي بحي السوق .

(نهاية الاقتباس)

 

يُلاحظ أن بروفيسور معتصم ينفي ضمنا انتساب يوسف مصطفى التني إلى جمعية أولاد السوق بخلاف ما قاله بروف عبد الله حمدنا الله، وينسبه إلى جماعة الهاشماب حسب المثبت تاريخيا ، وهذا يطرح تساؤلا ما إذا كان بروف حمدنا الله قد ذكر الاسم هفوة أثناء البرنامج التلفزيوني أم أنه كان يومأ إلى أن التني كان عضوا في الجمعيتين.

 

يُلاحظ أيضا أن البروف معتصم الحاج يشير إلى الشيخ محمد المبارك عبدالله والذي يثبُت تاريخيا انتماؤه إلى أولى الجمعيات الأدبية التي تأسست عام 1918م كان عضوا في جمعية أولاد السوق ، وهذا يثير تساؤلات جوهرية : هل كانت جمعية أولاد السوق التي يشير إليها بروف عبدالله علي إبراهيم “استمرارا” لأولى الجمعيات الأدبية والتي تأسست عام 1918م في ذات المنطقة؟ إذا كانت الإجابة بنعم ، فكيف تحوّلت الجمعية الأولى التي كانت نواتها طلبة في المعهد العلمي مما يجعل منطقيا الافتراض بأنهم بعيدون عن الشيوعية إلى جمعية ساقتها وطنيتها الشعوبية إلى الشيوعية كما يقول بروف عبدالله علي إبراهيم؟ أما إذا كانت الإجابة بلا ، فهل شهدت منطقة حي السوق وجود جمعيتين ، سواء تعاقبتا أم تزامنتا؟ .

هذه الأسئلة مطروحة على أستاذينا الأكرمين عبدالله والمعتصم (مع حفظ الألقاب والمقامات) ، وكل من يحوز إجابة شافية بالطبع.

 

لقد كُتب الكثير عن جميعتيّ أبو روف والهاشماب ، ولكن ثمة نقص مريع في التوثيق لجمعيات أولاد السوق والأشقاء وخلوة الكتيابي ، ولذا فإنني أوجّه دعوة لمعاصريّ تلك الأحداث وأبنائهم وأحفادهم لتدوين إفاداتهم وتوثيق شهاداتهم عن تلك الأندية الثقافية التي ساهمت في صياغة العقل الجمعي في تلك الحقب ، بل وما أعقبها من أزمان ، إذ يستحيل فهم الحاضر دون استيعاب الماضي ، والخطوة الأولى بدهيا الرصد والتوثيق.

 

والله من وراء القصد،،،

 

 

المراجع

(1) من مواليد 1908م ، كان شاعرا ومعلما في المعهد العلمي في أم درمان. صدر له ديوان “الشاطئ الصخري” عام 1939م. المصدر : رواد الفكر السوداني ، محجوب عمر باشري ، صفحة 149

(2) رواد الفكر السوداني ، محجوب عمر باشري ، الصفحتان 61 و157.

(3) رواد الفكر السوداني ، محجوب عمر باشري ، صفحة 194.

(4) مقالة بعنوان “أثر الأندية والجمعيات في نشأة الحركة النقدية بالسودان”، التاريخ الثقافي في السودان (22)

(5) كفاح جيل، أحمد خير المحامي، صفحة 26.

(6) ورقة بحثية منشور على الإنترنت بعنوان:  lدراسات فى الموسيقى السودانية

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *