الثورة لن تموت .. دماؤنا في عروق الأرض وأحلامنا في عنان السماء

زهير عثمان حمد
في هذا الفجر نتذكر ذلك الفجر الدامي، حيث تتنفّس الأرض رماد الذكريات وتتلوّى تحت وطأة الأحزان، نقف على أطلال الماضي لننحت مستقبلنا بإزميل الألم والأمل. الثورة ليست شعارات تُهتف، بل جراحٌ تنزف، وقلوبٌ تحترق، ودماءٌ تسيل في عروق الأرض لتخصب شجرة الحرية.
لقد ظنّ الطغاة أن الرصاص كفيلٌ بقتل الأحلام، أن السجون تستطيع حبس الأفق، أن التعتيم الإعلامي سيخفي شمس الحقيقة، لكنهم لم يعرفوا أن دماء الشهداء أصبحت حروفًا من نور تُكتب بها ملحمة النصر على جدران الزمن.
يا من سقطتم شهداء في ساحة المجد:
لن ننسى كيف حوّلتم الرصاص إلى أكاليل غار، والسجون إلى منابر حرية،
والمشانق إلى بوابات خلاص.
كل رصاصة اخترقت أجسادكم صارت بذرة ثورة، كل دمعة سالت على خدود أمهاتكم صارت نبعًا للعزيمة.
إنهم يقتلوننا واحدًا واحدًا، لكنهم لا يدركون أننا كلما سقطنا شهيدًا،
نهضنا ألف مقاتل من بين الدماء.
إنهم يظنون أن الثورة حدثٌ عابر،
ونحن نعلم أنها كالنهر الجارف،
كلما حاولوا سدّ منابعه، زاد تدفقًا وعنفوانًا.
هذه ليست مجرد كلمات:
إنها عهد نكتبه بدماء العيون،
وقسم نرفعه بأيدٍ مرصعة بندوب المقاومة، وحلم نحمله في قلوبنا كالجمر المتقد.
سنظل نسير على طريق الشهداء،
نعثر فننهض، ننزف فنزداد إصرارًا،
نُجرح فنشتاق إلى المزيد من التضحيات.
لأننا نعلم:
أن كل ظلام الليل يسبق فجرًا مجيدًا،
وكل دقيقة عذاب تقربنا من لحظة الانعتاق، وكل شهيد يسقط يفتح أمامنا بابًا جديدًا من النصر.
الثورة ليست حدثًا .. إنها مصير :
مصيرنا أن نحمل الألم ونصنع منه الأمل، أن نحول الدموع إلى أنهار تحمل سفن الحرية،
أن ننحت من الصخر طريقًا للأجيال القادمة.
لن ننسى .. ولن ننسى .. ولن ننسى ..
لأن الذاكرة هي سلاحنا الأقوى،
والدم هو حبرنا الأبدي،
والأمل هو رفيق دربنا الذي لا يخذلنا.
سننتصر .. ليس لأننا الأقوى، بل لأننا الأكثر إيمانًا:
إيمانًا بعدالة قضيتنا،
إيمانًا بقدسية دماء شهدائنا،
إيمانًا بأن الزمن لا بد أن يدور لصالح الأحرار.
الثورة لن تموت ..
لأنها ليست حدثًا في التاريخ،
بل هي التاريخ نفسه يُصنع بأنفاسنا،
وبنبض قلوبنا،
وبإصرار أرواحنا التي لا تعرف الاستسلام.
بلدي ..
ستظلين في حدقات عيوننا،
وفي أنفاس صدورنا،
وفي ضمائرنا الحية،
حتى يعود الحق لأهله،
ويشرق فجر الحرية على أرضٍ طهرها الشهداء.
في هذا الفجر، حين تتنفس الأرض ذكرى الدم المسفوح على أرصفة القيادة، وحين تعود الأرواح الهائمة لتهمس لنا بأن الثورة لم تكن لحظة عابرة، بل مسارٌ طويلٌ من النضال، نقف، بقلوبنا التي لم تهدأ، وبأحلامنا التي لم تبهت، لنعلن أن الثورة لن تموت.
كم من طاغية ظن أنه، بليل الغدر والرصاص، يستطيع أن يقتل الحلم، أن يمحو أثر الثائرين، أن يغسل الشوارع من دمائهم، لكنه لم يدرك أن الأرض تحفظ أسماء من سقوها بدمهم، وأن الشوارع تحفظ وقع الخطى، وأن الأمهات اللواتي ودّعن أبناءهن بالدموع سينجبن ألف ثائر جديد.
من قال إن الثورة انتهت؟ من قال إن الفكرة تُقتل برصاص الخيانة؟ لقد مضوا ظانّين أن صمت القبور سينسينا، لكننا نسمع همس الشهداء في كل زقاق، في كل ساحة، في كل قلبٍ ينبض بحب هذا الوطن. الثورة ليست نشيدًا يُغنّى في المناسبات، ولا شعارًا يُرفع حين تسمح الظروف، الثورة حياةٌ تُعاش، صبرٌ يُنحت، وعملٌ يُبذل حتى ينبت الفجر من رحم الظلام.
نحن لم نعد نحلم بالحرية، نحن ننتزعها. لم نعد ننتظر العدالة، نحن نصنعها. لم نعد نخاف التضحيات، فقد أدركنا أن الطريق طويل، لكنه الوحيد الذي يقودنا إلى وطنٍ يليق بدماء الشهداء.
في ذكرى مجزرة القيادة، نعيد العهد، نرفع قبضاتنا نحو السماء، ونمضي، نعرف أن الطريق لن يكون سهلًا، لكنه طريقنا، ولأننا أبناء الثورة، سنكمله حتى آخر نبض. الثورة لن تموت، بلدتُنا في حدقات العيون، وحلمنا في القلب، وسننتصر.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة