اخبار السودان

التصعيد في البحر الأحمر يهدد الاستقرار الهش في شرق السودان

أثار التصعيد الحالي في جنوب البحر الأحمر مع استمرار الضربات الأميركية التي تستهدف جماعة الحوثي في اليمن، هواجس سودانية، خوفا من ارتدادات ذلك على منطقة شرق السودان التي تتخذ الحكومة من بورتسودان فيها مقرا لها، وسط أوضاع أمنية هشة ربما تتحول إلى قنبلة موقوتة في وجه الجيش الذي سمح لمجموعات إثنية وقبلية بحمل السلاح دون ضوابط صارمة.

وأكد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم خلال لقائه مع السفير الروسي في السودان أندريه تشيرنوفول أخيرا، دعم بلاده اللامحدود للاستثمارات الروسية بمختلف القطاعات واستعداد الحكومة لدراسة مقترحات استثمارية مقدمة من موسكو، بما يتناسب مع أولويات السودان في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار بعد الحرب.

وتشير هذه النوعية من التحركات إلى رغبة السودان الكامنة في تسريع وتيرة الدعم الاقتصادي والعسكري مع روسيا، في خضم خطر يحيط بإقليم دارفور حال سقط بشكل كامل في يد قوات الدعم السريع التي تسعى نحو استعادة توازنها العسكري.

وترتبط التطورات العسكرية في السودان بالاتجاه نحو تقديم تسهيلات ملموسة تقود إلى تدشين قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، جرى النقاش بشأنها في زيارة قام بها وزير الخارجية المُقال علي يوسف إلى موسكو خلال فبراير الماضي، في وقت زادت فيه الولايات المتحدة حضورها العسكري في المنطقة، وقامت بتثبيت حاملتي طائرات ضمن ترسانتها العسكرية في البحر الأحمر.

ويحمل التنافس الدولي على سواحل البحر الأحمر انعكاسات على أوضاع إقليم شرق السودان، الذي يضم ولايات كسلا والبحر الأحمر والقضارف، ويتقاطع ذلك مع نزاعات إثنية وقبلية تتجدد من حين إلى آخر، ومع وجود مجموعات مسلحة محسوبة على دول متشاطئة، أبرزها إريتريا، ومهما كان موقف السودان الرسمي مما تقوم به الولايات المتحدة ضد الحوثيين، هناك مؤيدون ومعارضون لموقف الحكومة منه.

وقد واجه التفكير في إقامة قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر اعتراضات من قوى مدنية ومكونات سياسية وقبلية في شرق السودان، ورفضا واضحا لتوظيف السودان في صراع أميركي روسي إذا تم منح موسكو قاعدةً أو منح واشنطن تسهيلات.

يرى قادة في الجيش السوداني أن زيادة أطر التعاون مع روسيا تضمن وجود ظهير عسكري يمكن الاعتماد عليه مع استمرار الحرب ضد قوات الدعم السريع، واحتمال تمددها خارج إقليم دارفور مرة أخرى، ناهيك عن أن تدفق المعدات العسكرية الأميركية على البحر الأحمر بحجة مواجهة الحوثيين قد يحدث تحولات في السودان.

وقال المحلل السياسي السوداني نورالدين صلاح الدين إن الاعتماد على روسيا ضرورة للجيش بعد أن فقد جزءا من مخازن الأسلحة، وتدمير جزء من منظومة التصنيع الحربي، حيث كان السودان مصدرا للأسلحة الخفيفة والمدرعات، والتخريب جعل هناك دولة بحاجة إلى أسلحة وإمداد، مع وضع اقتصادي صعب قد يدفع إلى الاتجاه نحو روسيا لتعزيز الشراكة معها عبر الموافقة على إنشاء قاعدة مقابل الحصول على دعم.

وأضاف صلاح الدين في تصريح لـ”العرب” أن الظروف التي قادت للاتجاه إلى روسيا تركت تأثيرها على الوضع الداخلي، في ظل تزايد العسكرة التي يشهدها المجتمع بفعل الحرب، وإن كانت بورتسودان من ضمن الولايات القليلة لم تصلها الحرب لكنها تأثرت بعسكرة المجتمع التي اتسع نطاقها عقب اندلاع الحرب منذ حوالي عامين.

وذكر أن هذا التوجه قاد إلى تكوين تشكيلات عسكرية على أسس جهوية وقبلية، وظهرت تشكيلات مسلحة تتمتع باستقلال عن الجيش، مثل كتائب ولاية الجزيرة، والبراء، وما يسمى بالكتائب الثورية، وعالجت تلك السياسة الخطأ بأخطاء أكبر، ما يجعل الأوضاع في شرق السودان قابلة للانفجار.

يشكل شرق السودان نقطة تماس مع كل من إريتريا ومصر وإثيوبيا، ما يوجد تأثيرا على التفاعلات الداخلية في المنطقة، بسبب تعدد المصالح في البحر الأحمر، خاصة أن هناك معالم تبدو فيها الولايات المتحدة ساعية للسيطرة على المنطقة وإبعاد من تراهم يهددون مصالحها الأمنية والتجارية.

وأكد القيادي بحزب “البجا” محمد أحمد مختار أن التصعيد الأميركي الحالي المرتبط بمواجهة الحوثيين يرمي إلى إضعاف قدراتهم لتعديهم على أحد ممرات التجارة، ويبدو التأثير على السودان مباشرة ضئيلا، لكن على المديين المتوسط والبعيد ليس من المستبعد أن يكون السودان في دائرة التأثير، إذا ظهرت ملامح مواجهة أميركية روسية في منطقة تخطط واشنطن لأن تكون مقرا للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).

وأوضح مختار في تصريح لـ”العرب” أن سياسة الولايات المتحدة القائمة على تحديد مواقف الدول من توجهاتها في البحر الأحمر وتصنيفها بين دول متمردة وداعمة وعلى الحياد، يمكن أن تقود إلى أزمات مع السودان مستقبلا، لأن الحرب المشتعلة في دارفور يصعب أن تكون لها ارتدادات على إقليم الشرق في الوقت الراهن.

ويطل إقليم شرق السودان على البحر الأحمر بمساحة طولها نحو 700 كيلومتر، ويضم مرافئ نفطية تشكل كنزا، في بؤرة الرغبة الأميركية في الهيمنة على البحار.

وذكر الباحث في الشؤون الأفريقية بمركز العرب للدراسات والأبحاث في القاهرة رامي زهدي أن الصراع على التواجد في البحر الأحمر هو الأكثر سخونة لأسباب تجارية وإستراتيجية، ما يغذي الصراعات بين القوى الكبرى، ولذلك فإن الدول والمناطق المتشاطئة ستكون عرضة للتداخل فيها، وهو ما ينطبق على السودان.

وأشار زهدي في تصريحات لـ”العرب” إلى أن من يمتلك قدرات أوسع في البحر الأحمر يمكنه امتلاك زمام المبادرة والتوجه نحو السيطرة على مناطق أخرى، وسوف تكون لديه قدرة أكبر على إدارة أي مفاوضات لصالحه، والولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة لن تكون لديهم رغبة في وجود تهديدات مستمرة لحركة التجارة، وهو ما يسببه أي تواجد روسي عسكري على سواحل السودان.

ولفت إلى أن أحد أسباب اندلاع الحرب في السودان (جانب الصراع الداخلي على السلطة) يتعلق بالصراع على المناطق السودانية المطلة على البحر الأحمر، وأن الوصول إلى مرحلة التقسيم أمر لن يخدم الولايات المتحدة التي ستجد صعوبة في التواصل مع دويلات، وروسيا لن تتنازل بسهولة عن حلم تدشين قاعدة عسكرية في البحر الأحمر.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *