لطالما كانت الرياضة، وخاصة كرة القدم، مرآة تعكس التحولات السياسية والاجتماعية في أي بلد، و في السودان، لم تكن الأندية الكبيرة، كالهلال والمريخ، بمنأى عن هذا التأثير، بل تحولت في فترات طويلة إلى ساحة خلفية للصراعات السياسية، خاصةً خلال فترة حكم نظام الإنقاذ.

الخرطوم ــ التغيير

خلال فترة حكم المؤتمر الوطني «نظام الإنقاذ»، كان هناك حضور واضح ومهيمن لقيادات سياسية واقتصادية مقربة من النظام في المناصب الإدارية للأندية الرياضية الكبرى.
هذا الحضور لم يكن مجرد صدفة، بل كان جزءاً من استراتيجية لتوسيع نفوذ النظام والسيطرة على مؤسسات المجتمع المدني.

نادي الهلال

شهد النادي فترات رئاسة وتعيينات لرموز مرتبطة بالنظام، مثل تعيين اللواء ابراهيم نايل إيدام في مجلس إدارة النادي العريق، والفريق أول ركن عبد الرحمن سر الختم في منصب رئيس النادي. كما تم تعيين هشام السوباط  «الرئيس الحالي للهلال» وقبلها بفترة تبوأ شقيق الرئيس المعزول عمر البشير منصب نائب رئيس الهلال، وهو ما أظهر بوضوح مدى تغلغل النفوذ السياسي داخل النادي.

نادي المريخ

لم يختلف الوضع كثيراً في المريخ، حيث تولى جمال الوالي «القيادي بالمؤتمر الوطني» رئاسة النادي لفترات طويلة.
هذه الفترة، رغم تحقيقها لبعض الألقاب المحلية ، إلا أنها أثارت تساؤلات حول طبيعة الدعم المالي والسياسي الذي كان يحظى به النادي.
وتسببت التدخلات في انقسامات حادة بين جماهير الأندية، فمنهم من أيد الإدارات المدعومة سياسياً لاستفادتها المالية، ومنهم من عارضها خوفاً من تسييس الرياضة، هذا الانقسام على أية أضعف الجبهة الداخلية للأندية وخلق نوعا من التكتلات.

تدخل مباشر

وأصبح الحزب الحاكم يتدخل في شؤون وإدارة كرة القدم في السودان وخاصة ناديي الهلال والمريخ حيث ظل جمال الوالي رئيساً للمريخ لاكثر من 13 عاما منذ ان تم تعيينه كرئيس لجنة  لتسيير النادي منذ ذلك الوقت.

وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم  «فيفا» فقد علق نشاط كرة القدم بالسودان في يونيو 2017 بعد تدخل جهات حكومية في عمل الاتحاد العام لكرة القدم ، الامر الذي ادي الي تضرر الاندية السودانية المشاركة في البطولات الافريقية منها وبالذات فريق المريخ.

من الوالي إلى النمير والباشري

ويمثل نادي المريخ نموذجاً حياً لهذه الظاهرة، خاصة في الآونة الأخيرة، فبعد فترة طويلة من رئاسة جمال الوالي، شهد النادي حالة من عدم الاستقرار الإداري. مؤخراً، عينت الدولة عمر النمير، المقرب من قيادات الجيش مثل البرهان وكباشي وياسر العطا، رئيساً للنادي.
هذه الخطوة، التي اعتبرها البعض استمراراً لتدخلات الدولة في الرياضة، انتهى بها المطاف باستقالة النمير ومجلس إدارته بعد تدهور فريق الكرة وخروجه المتكرر من الأدوار التمهيدية لأبطال افريقيا، وابتعاده عن اللقب المحلي لصالح غريمه الهلال لأربع مواسم، وهو ما يعزى لضعف خبرة الادارة غير المتخصصة في الرياضة بسبب عدم الخبرة.
وفي تطور لافت، وبعد استقالة مجلس النمير، طُرح اسم رجل الأعمال ولاء الدين باشري لرئاسة المريخ، وهي شخصية مقربة من قادة الجيش، ومرتبطة بمصالح اقتصادية مع حكومة بورتسودان حيث يمتلك باشري شركة سوداغاز، علاوة على مشاركته في حملات إعادة السودانيين من مصر عبر العودة الطوعية.
وفشلت الاندية  والمنتخبات القومية السودانية طوال فترة الإنقاذ الحالية بالظفر بأي بطولة أفريقية أو عربية مرموقة بالرغم من كثرة المشاركات. وآخر بطولة مرموقة  فاز بها فريق سوداني هي بطولة كأس الكؤوس الافريقية  «الكونفدرالية الافريقية» التي احرزها المريخ في العام 1989.
كما ظل لقبا  الدوري الممتاز  وكأس السودان حكرا علي ناديي القمة الهلال والمريخ بعد ان هبط الفريق الذي كان يشكل مثلثا كرويا معهما وهو نادي الموردة الي مصاف دوري الدرجة الاولي منذ سنوات ولم يستطع العودة مرة اخري الي صفوة الاندية.

هذه التغيرات المتتالية في رئاسة النادي، والتي ترتبط بشكل أو بآخر بشخصيات ذات نفوذ سياسي، تؤكد أن الأندية السودانية ما زالت تعاني من فخ التدخلات التي تعيق استقرارها وتطورها الحقيقي.
وتنامت الدعوات وسط الرياضيين، لاستعادة الأندية الرياضية لهويتها المستقلة، لضمان «أهلية وديموقراطية الحركة الرياضية» ، بعيداً عن صراعات السياسة وأجندات النفوذ، هو الطريق الوحيد لعودة الكرة السودانية إلى مجدها، وتمكينها من التنافس بفعالية على المستويين الإقليمي والقاري.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.