قلم

يُعد التخطيط الاقتصادي حجر الزاوية لأي مشروع وطني يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بمستويات المعيشة. وفي حالة السودان، فإن أهمية هذا المفهوم تزداد إلحاحًا نظرًا للتحديات المتراكمة التي يواجهها الاقتصاد الوطني من تضخم مزمن، عجز مالي، اختلال في ميزان المدفوعات، واعتماد مفرط على الموارد الأولية غير المعالجة .
ان الظرف الاستثنائي الذي تمر به بلادنا يحتم علي صانعي القرار انتهاج أسس علمية لإدارة الاقتصاد ولا يتأتي ذلك إلا بحشد الخبرات الوطنية في شتي المجلات وصهرها في بوتقة واحدة تصب في خانة رفعة البلاد ومنفعة العباد .
ان التخطيط الاستراتيجي للاقتصاد هو عملية منظمة تعمل علي رسم المستقبل وفقاً لقرارات واجراءات تتخذ في الحاضر وذلك بالمفاضلة بين البدائل المختلفة واختيار أفضلها ووضعها موضع التنفيذ وفق خطة قابلة للتطبيق والتقييم تتسم بالواقعية والمرونة وطول الأمد لتحقيق الآمال والطموحات القومية National Object .
ان التخطيط الاستراتيجي اصبح سمة من سمات العصر الحديث وما من امة تنشد النهوض إلا وتتخذه منهجاً، هناك عدة مفاهيم للتخطيط ومن أهمها ما طرحه المفكر الامريكي توماس شيلينج في كتابه نظام التخطيط ووضع البرامج الصادر 1979 م حيث قال : ان التخطيط هو عملية تحديد الأهداف المنشودة وتحديد الطرق للوصول لتحقيق تلك الأهداف ، وتحديد المراحل لذلك والأساليب التي يجب انتهاجها لتحقيق الأهداف ، والتخطيط يتطلب تحليل نتائج ما سبق تنفيذه واتخاذ القرار لما يجب تنفيذه بناء علي دراسة وتقدير المستقبل .
التخطيط هو الطريق الأقصر والأنجح لتحقيق الأهداف القومية للاقتصاد قال تعالي : (أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِۦٓ أَهْدَىٰٓ أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ) .

ان صياغة رؤية وطنية طويلة الأجل تركز علي الأهداف الكلية مثل النمو ، الاستقرار ، والتشغيل الكامل للموارد ، وتحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب ادوات كمية وكيفية مثل :
1.تحليل الاقتصاد الكلي ( الناتج المحلي الإجمالي ، التضخم، ميزان المدفوعات ).
2.النماذج التنبؤية للتعامل مع المتغيرات الدولية ( اسعار النفط ، اسعار الغذاء، تدفقات رؤوس الأموال ).
تخطيط الموارد وفقاً لأولويات التنمية (الزراعة ، البنية التحتية ، التعليم ، الصحة ).

يمتلك السودان موارد هائلة تؤهله أن يكون من أكثر الاقتصادات تنوعاً في العالم إذا احسن توظيفها مثل :
1.رأس المال الفكري يمتلك السودان علماء وخبراء في شتي المجالات إذا اتيحت لهم الفرصة عبر انشاء مراكز بحوث متطورة تستوعبهم مع توفير المعينات اللازمة يمكن أن يساهموا في وضع خطة استراتيجية شاملة تساهم في التنمية المستدامة .
2.يمتلك السودان اراضي زراعية شاسعة أكثر من 200 مليون فدان صالحة للزراعة بالإضافة للموقع الإستراتيجي الذي يؤهل السودان ليكون سلة غذاء للمنطقتين العربية ولإفريقية .
3.يمتلك السودان نهر النيل العظيم وروافده بالإضافة الي ما تجود به السماء من امطار موسمية مما جعل السودان من اغني الدول الأفريقية بالموارد المائية .
4.يمتلك السودان مخزوناً مقدراً من المعادن الذهب الكروم النحاس وخامات اخري يمكن ان تحدث طفرة في حالة استغلالها بكفاءة وشفافية .
5.يمتلك السودان موقعاً جغرافياً مميزاً يربط بين القرن الأفريقي ، شمال أفريقيا ووسطها مع منفذ استراتيجي علي البحر الأحمر.

[ ] نحو خطة استراتيجية للنهوض بالاقتصاد السوداني :
إن صياغة خطة استراتيجية قومية تتطلب الدمج بين التحليل العلمي والقدرة التنفيذية. ويمكن تلخيص ملامحها في:
1. الاستقرار الكلي
• خفض التضخم عبر سياسة نقدية منضبطة.
• تقليص العجز المالي بالاعتماد على زيادة الإيرادات غير الريعية (الضرائب، الرسوم الجمركية الفعّالة، ومحاربة التهرب).
• تحرير نسبي لسعر الصرف مع وجود آليات حماية اجتماعية.
2. تنويع القاعدة الإنتاجية
• تطوير سلاسل القيمة الزراعية (القطن، الصمغ العربي، الحبوب الزيتية) عبر التصنيع المحلي.
• إنشاء مناطق صناعية بالقرب من الموانئ والسكك الحديدية لتقليل كلفة النقل.
• تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة كرافعة لتشغيل الشباب.
3. البنية التحتية والخدمات
• استثمارات واسعة في الطاقة (المائية، الشمسية، والحرارية).
• إعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية والطرق
• التحول الرقمي في الخدمات الحكومية (الضرائب، الجمارك، الأراضي).
4. رأس المال البشري
• ربط التعليم الفني بالطلب الفعلي لسوق العمل.
• برامج تدريبية قصيرة الأمد للشباب والنساء.
• تحسين خدمات الصحة العامة باعتبارها شرطًا للإنتاجية.
5. حوكمة رشيدة ومكافحة الفساد
• إرساء شفافية في إدارة الموارد (خصوصًا الذهب والنفط).
• استقلالية القضاء وتعزيز المؤسسات الرقابية.
• شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص.

نخلص الي ان إن التخطيط الاقتصادي في السودان ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية لإنقاذ الموارد من الهدر، ولتحويل الإمكانيات الهائلة إلى واقع معاش. ويظل مفتاح النجاح في الإرادة السياسية والاستقرار المؤسسي، إلى جانب الاستفادة من خبرات العلماء السودانيين في الداخل والخارج. فالسودان يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في دائرة الأزمات، أو انتهاج تخطيط استراتيجي رشيد يفتح الباب أمام نهضة اقتصادية حقيقية، ويضع الدولة في مسار التنمية المستدامة.

الإمارات العربية المتحدة

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.