تتصاعد الخلافات داخل معسكر السلطة في السودان بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والإسلاميين الذين ظلوا يشكلون حاضنته السياسية منذ اندلاع الحرب. وبينما يرى خبراء أن العلاقة بين الطرفين دخلت مرحلة دقيقة قد تفضي إلى مفاصلة حقيقية، يحذر آخرون من أن استمرار هذا الصراع سيترك أثره المباشر على جبهات القتال وفي المشهد السياسي بالبلاد..
التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن
وصف أحد المستضافين في قناة طيبة القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان ب”الكاذب” والمتقلب في ارائه، والجدير بالذكر أن القناة مملوكة للإسلامي عبد الحي يوسف الذي تسرب له فيديو نهاية العام الماضي يسيئ فيه بدوره للبرهان.
حملة منظمة
الحديث الذي جاء عن “البرهان” عبر شاشة قناة محسوبة على النظام البائد شمل اتهامات للقائد العام بتحالفه مع الدعم السريع، وتحذير من مصير مشابه لمصير “علي عبد الله صالح” في إشارة للرئيس اليمني الذي مات مقتولاً، الأمر الذي أثار ردود فعل كبيرة في الوسائط الاجتماعية من باب الاستغراب حول ما طرأ على علاقة الطرفين لجهة أن البرهان عمل على إعادة منسوبي النظام السابق للسلطة منذ انقلاب أكتوبر 2021.
لم يأت هذا الحديث معزولاً، بل تزامن مع ما يشبه حملة منظمة ضد القائد العام للجيش شنّها منسوبو النظام البائد عبر منصاتهم الإعلامية. ويرى محللون أن هذه الحملة تعود إلى تباين المواقف بين البرهان والإسلاميين تجاه مبادرة الحل السلمي التي يقودها مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى أفريقيا، مسعد بولس، الذي التقى البرهان في جنيف، أعقبها بيان الرباعية الذي أغلق الباب أمام الإسلاميين ليكونوا جزءاً من المستقبل السياسي للبلاد بعد الحرب.
تلاعب على الحبال
البرهان يلعب لعبة خطيرة”، هكذا وصف عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي المشهد في السودان، خلال لقاء على شاشة الجزيرة مباشر السبت الماضي، مؤكداً أن قائد الجيش يسعى إلى ضرب فصيل علي كرتي بفصيل نافع.
وقطع محمد الفكي بأن هذا الأسلوب من التلاعب يمثل منهجية ثابتة لدى البرهان منذ ما قبل الانقلاب العسكري، كاشفاً أنه كان يستخدم قوات الدعم السريع لتخويف الإسلاميين داخل الجيش، وفي المقابل يوظف لجنة إزالة التمكين لترهيب الإسلاميين، بينما يخوّف اللجنة بهم من جهة أخرى.
وأضاف الفكي أن هذه المعادلة لن تتمكن من الاستمرار وستنهار خاصة مع بروز تحرك دولي وإقليمي جديد.
وحذر الفكي خلال حديثه قائد الجيش من أن الإسلاميين يطبقون على عنقه داعيا اياه بتنظيف الجيش منهم.
تبادل أدوار
من جانبه، يرى الخبير الاستراتيجي محمد إبراهيم كباشي أن ما يجري بين الإسلاميين و”البرهان” أقرب إلى تبادل الأدوار منه إلى الخلافات، واصفاً الأمر بأنه “تذاكي سياسي” يمارسه الطرفان على المجتمع الدولي. وأوضح أن البرهان يحاول إظهار نفسه أمام المجتمع الدولي كراغب في الحل، بينما يصور الإسلاميين باعتبارهم العقبة الرئيسية أمام أي تسوية.
ما يجري بين الإسلاميين و”البرهان” أقرب إلى تبادل الأدوار منه إلى الخلافات
محمد إبراهيم كباشي
وقطع محمد إبراهيم كباشي بأن الإسلاميين يملكون خبرة طويلة في مواجهة المجتمع الدولي تمتد لثلاثة عقود، مؤكداً في الوقت نفسه أنهم لا يملكون خياراً بديلاً عن الحرب. وأضاف أن الإسلاميين، عبر استخدام الآلة الإعلامية التي يمتلكون فيها خبرات واسعة، استطاعوا أن يشغلوا الرأي العام عما يجري فعلياً على الأرض.
وأشار الخبير الاستراتيجي في حديثه لـ«التغيير» إلى أن المتغيرات الاقليمية ستضع الإسلاميين في ورطة لأن الرباعية تشتمل على قوة مساندة للجيش، مصر والسعودية، قاطعاً بعدم امتلاك الإسلاميين لأي بدائل دولية تساندهم.
ولفت إلى أن الإسلاميين لا يمكنهم التخلي عن البرهان في الوقت الحالي وأنه كرت مهم بالنسبة بهم لم تحن لحظة “حرقه” بعد.
واستدرك الخبير الاستراتيجي قائلاً: “ستحدث مفاصلة بين البرهان والإسلاميين في حال تقدم المجتمع الدولي بخطة واضحة وإرادة تنفيذية” ووصف الخبير بيان الرباعية بالمناورة الاستكشافية لاستدراج الأطراف الفاعلة في الحرب.
التأثير على الميدان
“تشارك الكتائب المنسوبة للإسلاميين في الحرب بفاعلية وعلى رأسها كتائب البراء بن مالك، وأي خلافات ستحدث بين البرهان والإسلاميين سيكون لها انعكاسات على ميدان المعركة” وفقاً لأستاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا بنجامين مشار.
وقال مشار لـ«التغيير» إن الإسلاميين يتم حشدهم وتجنيدهم على أساس ديني قاطعا بأن هذا ما يفعله قائد الجيش عبد الفتاح البرهان امتدادا لتاريخ طويل ممتد بين الجيش والإسلاميين يعود للعام 1989.
حلول سياسية
لم يستبعد الناطق الرسمي باسم القوى المدنية الديمقراطية “صمود”، بكري الجاك حدوث مواجهات داخل “معسكر بورتسودان” حال أصر على مواصلة الحرب مؤكداً أن الحرب تمثل الهدف الوحيد الذي يحافظ على استمرار هذا التحالف العسكري.
وقال الجاك لـ«التغيير» إن “البرهان” وحلفائه لا يملكون خيارات عدا الحل السياسي اذا رغبوا في تتجنب الخراب والدمار.
وأكد الناطق الرسمي باسم “صمود” أن الحل السياسي المتفاوض عليه هو الطريق الوحيد لإنهاء الحرب مهما استطالت أو توسعت، مشدداً على عدم وجود أي مؤشرات لحدوث نصر عسكري حاسم يمكن أن يفرض فيه طرف إرادته الكاملة على السودان.
المصدر: صحيفة التغيير