البرهان ومسؤولية تقسيم السودان
خالد فضل
لا يستغرب أحد من السودانيين إذا افضت الحرب الطاحنة إلى وقوع عملية تقسيم للسودان إلى دويلات متنافرة متماسكة الحزز كما يقولون أو كانتونات وجيوب متناثرة (متحامرة) يتربص بعضها ببعض , هذه الفرضية في تقديري واردة بدرجة عالية , فمن المسؤول عمّا يمكن أن يقع ليس في مائة عام بل ربما في مائة يوم القادمة.
عندما تقع الواقعة _ وهي ما لا أتمناه لبلدي وشعبي _ ولكن متى كانت التمنيات تقيم أود من ينشدون تأسيس بلد , سيتبادل السودانيون الإتهامات كالمعتاد , سيقود فلول المؤتمر الوطني المحلول حملاتهم الدعائية التضليلية المعروفة , يرمون اللوم والتجريم والتخوين على (ق.ح. ت) و (تقدّم) , وسيتباكون على الوطن , وينوحون على البلد الذي راح ضحية مؤامرات وعمالة وإرتزاق قحت وتقدم ودويلة الشر , والإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والإيغاد والإتحاد الأوربي والترويكا والرباعية وال18 دولة التي تحارب السودان , وبالطبع على الدعم السريع او المليشيا المتمردة ! . وسيتبعهم في النواح والعويل نفر من السودانيين/ات خاصة في مناطق الوسط والشريط النيلي , حيث بعض الجماهير التي آزرت المرحوم الطيب مصطفى يوم ذبح الثور الأسود (كرامة) إنفصال الجنوب , ويوم هللوا وكبروا مع عمر البشير وهو يخطب ويرقص في القضارف ويتوعد بأن عهد (الدغمسة) والتعددية الدينية والعرقية قد انتهى , وولد سودان الإسلام بلسان عربي مبين هاربا من مسؤوليته بإعتباره رئيس البلد ؛ بالأمر الواقع ولم يك من المؤهلين , شأنه شأن برهان اليوم !وقد طرب البعض لمقولة البشير بأنّ الجنوب كان عبئا على السودان _ ولعله ردد سرا (بلا وانجلا ) لكن في سياق مغاير ! وعندما سألت زميلتنا الصحفية رشا عوض _ في أجراس الحرية يومها _ السيد الطيب مصطفى عن فرضية تداعي أجزاء أخرى من السودان بالإنفصال ؛ مثل دارفور أو كردفان , أجاب بدون مواربة ( بأن أي جزء يريد الذهاب فليذهب غير مأسوف عليه) .
ربما سيقول قائل فال الله ولا فالك , ومثله أدعو الله أن يكضب الشينة , ومما يرويه تاريخ نهاية دولة المهدية , أنّ الخليفة عبدالله عقد مجلس الحرب الأخير وبوارج الجيش الغازي ترسو في شواطئ كرري بأم درمان , سأل مدير استخباراته عن آخر الإستعدادات لصد العدو , فأجابه بكل صدق (الخير فيما يختاره الله إلا نصره مافي) . وحدث ما حدث .
لن تأتي دعاية الفلول وأبواقهم وغرفهم الدعائية أو إنصرافيهم على ذكر للأسباب الحقيقية للتقسيم المحتمل للبلد , لأن ذلك يحملهم المسؤولية مباشرة ودون مواربة , فهم على الأقل يتحملون الجزء الأكبر عن هذا الوزر ومترباته _ إن حدث _ فبماذا سيدفعون ؟ لن يتجاوزوا عتبة رمي الآخرين بالآثام التي يرتكبونها في حق الوطن والشعب , ثم يقفون في موقف الطهر والشهامة و(الكرامة) هذه خطتهم , وقد عشنا على أيام دراستنا في جامعة جوبا فصولا تراجيدية من نوع هذه الممارسات , يشعلون النار ثم يطلبون من الآخرين الإكتواء بها معهم بنفس مبررات اليوم عند اشعالهم لحرب 15أبريل التي أعلنوها صارخة واضحة في إفطارات رمضان المشهورة ولما اشتعلت النار صاروا ينادون على الناس ليحترقوا فيها ويلملموا هم أولادهم وأموالهم صوب شواطئ البسفور وبلاد كمال أتاتورك (العلمانية).
البرهان الآن يتولى بوضع اليد قيادة البلاد نحو التقسيم , يدفعه الفلول دفعا يعلم هذا القاصي والداني , ولهذا وحتى لا تحدث الخرخرة الصبيانية بعدين , على كل من في رأسه ذرة عقل أن يعي ذلك . حتى لا تنطلي الحيل القادمة على الناس خاصة في الوسط والشمال النيلي , فكل يوم يمر على الحرب ورفض الحلول السلمية التفاوضية يعني الإقتراب بأسرع الخطوات نحو منصة التقسيم . ولا يخفى على أحد سيطرة خطاب الكراهية بل ممارسة الكراهية على أساس السحنة واللهجة ؛ بالذات في المناطق التي ما تزال خاضعة لسيطرة جيش البرهان ومليشياته العقائدية الإسلامية والجهوية والقبلية والمناطقية والتي تذاع وتنشر أخبارها يوميا عبر مختلف وسائط الإعلام والتواصل , وسريان المرسوم السري الموسوم ب(قانون الوجوه الغريبة) في الممارسة اليومية في الأسواق والارتكازات العسكرية ومناطثق التعدين بالشمال (وقد صرّح أحد قادة المليشيات في نهر النيل بذلك) ضمن مطالب تمرده على هيمنة الفلول على قيادة تلك المليشيات الجهوية . فهل هناك ما يمنع التقسيم في ظل غرس أسبابه ورعايتها والحض عليه ؟ .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة