اخبار السودان

البرهان و«فش الغبينة» السودانية , اخبار السودان

أمل محمد الحسن

أمل محمد الحسن

لم يحتمل السيد رئيس مجلس السيادة الانقلابي حديث عضو المجلس (آنذاك) محمد الفكي عندما قال إن مشاركته في الحكومة الانتقالية خصمت من رصيده السياسي، فطفق يستغل أي مناسبة يقف فيها أمام مايكروفون ليتحدث عن أمجاده وعدد الرصاصات التي اخترقت جسده، معرباً عن غضبه الشديد من حديث الفكي.
ولم يتوقف عن الرد على حديث الفكي، حجة مقابل حجة، وحديث إعلامي مقابل آخر، ولم يقتصد في استخدام صلاحياته ومن يأتمرون بأمره من القوات النظامية، فأمر بسحب الحراسات ليس من عضو السيادي (المتطاول) عليه فحسب، بل من مبنى لجنة إزالة التمكين، وجميع المباني التي استردتها، في تصرف لا يخلو من العنجهية والإسراف في استخدام القوة والفجور في الخصومة، قبل أن يقاطع اجتماعات المجلس السيادي ويدبر وينفذ انقلاب 25 اكتوبر.
طبق رئيس مجلس السيادة الانقلابي المثل القائل «الفش غبينتو خرب مدينتو» وضيع أحلام الشباب والشعب السوداني أجمع الذي ظن آثماً أنه قد تخلص من عصور الاستبداد بوضعه نهاية لعهد البشير!
وحصدت أرواح الشباب؛ وقتل أكثر من 120 يافعاً وشابة كل ذنبهم محاولاتهم اليائسة للتشبث بأحلامهم في صنع مستقبل أفضل! أما المعاقين والجرحى فقد بلغوا الآلاف؛ صرفت الدولة من خزينتها لعلاجهم ملايين الدولارات، ولقتلهم المثل!
وتوقفت عجلة الحياة وخنق الأمل؛ وعاشت البلاد تردياً لا مثيل له في الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وقتل المئات في ولايات البلاد المختلفة وتوقفت المشاريع الزراعية وعم الكساد الأسواق وتوقف الدعم الدولي وفر من يملكون فرصة حتى بلغت إحصائية السودانيين المهاجرين إلى مصر وحدها 4 ملايين شخص، وعشرات القتلى في مراكب الموت، تحمل أنباءهم الأخبار يومياً، تحدثنا عن فرار من انسداد الأفق إلى الموت!
كل ما يعانيه المواطن السوداني يومياً من سرقات العصابات وجرائم القتل والاختفاء والانتحار وارتفاع الأسعار والمجاعة التي تنهش اللحم والأوبئة مثل حمى الضنك، لا تكفي لتجعل السيد رئيس البلاد، بوضع اليد، يكف الأذى عن المغلوبين على أمرهم، ليبدأ في دق طبول الحرب، لأن فش غبينته أولى من حياة السودانيين، بل من بقاء السودان في خارطة الكرة الأرضية!
لم تعجبه مساندة نائبه في مجلس سيادته الانقلابي؛ قائد قوات الدعم السريع، للاتفاق الإطاري فطفق مرة أخرى يتلقف المايكروفونات في مناسبات الأفراح ليعلن رفضه للاتفاق، ويشترط ضم الدعم السريع للجيش!
إن كان “الفكي” من قبيلة أخرى؛ هي قبيلة السياسيين واستحق أن يعاقب هو والشعب السوداني أجمع بقلب الطاولة على الجميع وتتريس طريق التحول الديمقراطي، ماذا حدث لشريك الأمس؟
ألم يكن حميدتي رفيق دربه في معارك دارفور، وفي تدريب وإرسال القوات لليمن؟
ألم يقم بإلغاء المادة 5 من قانون الدعم السريع للعام 2017 تلك التي تجعل قوات الدعم السريع تحتكم لقانون القوات المسلحة بقراره الذي حمل الرقم 34؟
جرة قلم «سيادية» قامت بمحو مادة من داخل قانون أجازه برلمان!
وبالعودة لذات القانون كانت أعلى رتبة يحصل عليها قائد الدعم السريع هي رتبة فريق؛ لكن كرم البرهان السيادي الفياض جعله يضيف نجمة على كتف قائد قوات الدعم السريع.
ولم يكتف السيد البرهان بذلك، بل أفاض عليه بمنصب نائب رئيس المجلس السيادي؛ وهو منصب لا وجود له في الوثيقة الدستورية، تم التحايل عليها باللوائح الداخلية.
وقبيل كل تلك الهبات والمنح اقتسمت قوات الدعم السريع والجيش ممتلكات النظام السابق، فحصل البعض على مباني هيئة العمليات التابعة لجهاز أمن البشير، وحصل الجيش على العديد من الاستثمارات التي تم تسجيلها باسم العاملين في القوات المسلحة، على سبيل المثال لا الحصر شركة سين للغلال!
ولكن إثارة مخاوف الرجل الثاني بفتح الباب الخلفي لمنسوبي النظام الساقط والسماح لهم بالانقضاض من الخلف على الثورة فرقت جمع المصالح المشتركة! فتحول حبيب الأمس لعدو اليوم!
وبدأ التنصل من «الإطاري» عبر حديث عضو مجلس السيادة الانقلابي، الفريق شمس الدين كباشي الذي قال إن 10 موقعين على الاتفاق لا يجعله يمثل الشعب!
ومعلوم أن الود مقطوع بين الرجلين، فكانت فرصة من ذهب التقطها كباشي ليرسل الإنذار الأول بالقطيعة، وهو يعلم علم اليقين أن حميدتي لن يخيب أمله في الرد!
“الناس الشوية ديل ما وقعتو معاهم انتو” “انا كنت في الجنينة ما حاضر” “وفي وثيقة موقعة في الأدراج” ثم الخطاب الكيزاني نفسه، استخدام الدين وآي القرآن العظيم: (إن العهد كان مسؤولا).
بدأت الأسرار تخرج، ما استفز الرجل الأول، صاحب الوجه الجليدي، فقام يخطب في الناس معلناً بلا مواربة أن ضم الدعم السريع هو الشرط الأول لقبول الإطاري، مفنداً ما تعلل به حميدتي من سيطرة الكيزان على الجيش!
ولا أحد يعلم لماذا مناسبات الزواج الاجتماعي هي المكان الأنسب لبث خطابات الهلع في نفوس من يرددون أن «الدنيا ما زالت بخير اهو ناس تعرس وتنبسط»!
لكن قلبه أقسى من قلب سعاد! فهل يلجأ الأزواج لطرف المدائن للتناسي واحتمال سياط الخطابات؟
مرة أخرى؛ يمضي البرهان في درب فش الغبينة، لكن الأمر مختلف هذه المرة!
ماذا يملك السياسيون سوى أصواتهم؟ لم يكن صعباً جمعهم فجر الـ25 من اكتوبر ورمى بعضهم في سجن كوبر، وكثيراً منهم في مباني جهاز الأمن في حبس منفرد! لكن الغبينة مع «خوة الكاب» أمر جهنمي! إن فتح نيرانه داخل الخرطوم فلن نشبه أي نموذج إقليمي!
خطاب التخويف الذي يحذر من أن تصبح الأوضاع مثل ليبيا مثير للضحك، أخبرتني صديقة كانت تعيش في مدينة سرت تحت الحصار أن حتى سيارة النفايات ما غابت عن موعدها أو تأخرت!
لابد أن يعي الناس تعقيدات المشهد المحلي؛ 5 حركات مسلحة بجيوشها منضمة لاتفاق سلام جوبا، بعضها يميل ناحية البرهان والبعض نحو حميدتي، وحركتان استعصمتا بالبعد عن المشهد حالياً، لكن من يعلم إلى أين ستتحول الموازين!
أقاليم مسلحة، بعض قادة القبائل لم يرف لهم جفن وهم يهددون الشعب بالسلاح في خطابات جماهيرية دون أن تمس منهم شعرة أو تتم مواجهتهم ببلاغ! ناهيك عن المليشيات التي تتبع للنظام البائد وتدعو للقاءات جماهيرية، دون أن يتم اعتقال أحد فيها!
أما دول الجوار، ستقتنص تلك الفرصة للتوغل واحتلال أراضينا تحت ذريعة حماية أمنها القومي، فتتشذب الخريطة مرة أخرى، ولا أحد يعلم حجم «القضمات» بعد!
بالنسبة للدول الكبرى والعظمى سيتم السماح لها بالتدخل؛ أو من سيسمح أو يرفض؟ ستحرك كل قواتها الإقليمية تحت كل الشرائع الخاصة بالأمم المتحدة إلا أن السبب الحقيقي هو إعادة توزيع المسرح وفق خطة استراتيجية للحرب الروسية الأوكرانية في مسرح أفريقي، لطرد فاغنر لصالح فرنسا وأمريكا! وربما يمتد الأمر لاحتلال السواحل والبر والجو!
يا ترى هل يفكر برهان في كل هذه التعقيدات التي تملأ حياتنا البائسة؟ هل يهمه أبداً أن تكون هناك دولة لها علم وسيادة تحمي بنيها وتمنحهم الأمن؟
هل يا ترى يفكر في التاريخ؟ وكيف سيتم ذكر اسمه كمعيق للانتقال الديمقراطي الأول، سيتم تلقيبه ربما باسم الرجل الذي أعاد ساعة الثورة للوراء؟
لكن على أية حال؛ ما الأمر الذي أكثر أهمية من أن ينام الجنرال هادئ البال دون أن يزاحمه سياسي ولا عسكري أمام المايكروفونات؟
يا ترى لو انتهى البرهان من فش غبينته أمام حميدتي؛ فإلى من سيتجه بالانتقام مستقبلاً؟
احضروا برنامج «أفراح أفراح» ففي مناسبات الأعراس يهوى دق طبول الحزن!

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *