اخبار السودان

الاغتصاب والعنف يدفعان نازحات نيالا إلى التخلي عن العودة لمنازلهن

التغيير: كمبالا

“أغمي عليّ من الصدمة بعد أن وضعوا السلاح فوق رأس زوجي، حتى يأتي بالبنات لاغتصابهن، وكان الهدف من ذلك تشريدنا من منزلنا” هكذا تقول إحدى السيدات النازحات بمدينة نيالا التي أصبحت فارغة إلا من القليل من السكان.

العديد من سكان نيالا خاصة النساء كانوا يرغبون في العودة إلى منازلهم بعد حالة الاستقرار النسبي في المدينة عقب انسحاب الجيش من المدينة، ولكن حالات الاغتصاب وجرائم الخطف والسرقة وضرب الطيران أجبر الكثيرين علي البقاء في مناطق النزوح.

وفي أكتوبر2023 سيطرت قوات الدعم السريع علي رئاسة الفرقة “16” بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور بعد معارك طاحنة مع الجيش السوداني استمرت لشهور نزح خلالها الآلاف المواطنين من المدينة التي تعتبر الثانية في السودان من حيث عدد السكان بعد العاصمة الخرطوم حيث يقدر سكانها بـ 6 مليون مواطن نزح منهم أكثر من 4مليون بحسب تقارير محلية.

ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، فإن هناك حوالي 6.7 مليون امرأة في السودان يحتاج إلى الخدمات بسبب العنف القائم على النوع بجانب نزوح 5.8 مليون امرأة داخليا وخارجيا نتيجة لسوء المعاملة.

حالات اغتصاب موثقة

المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أكد أنه وثق 125 حالة اغتصاب في ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور نتج عن بعضها حالات حمل، واتهم جنود من الدعم السريع بارتكابها.

ووثق تقرير للمركز تعرض 14 امرأة و فتاة للاغتصاب في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، منهن 6 حالات حملن؛ بسبب عدم حصولهن على الرعاية الطبية، ثلاث منهن أُجريت لهن عمليات إجهاض.

ويقول المركز، إن عدد ضحايا الاغتصاب اللاتي خضعن لعمليات إجهاض في مدينة نيالا، أكثر مما تم الإبلاغ عنه بسبب وصمة العار.

وتتوقع المنظمات الحقوقية والإنسانية أن أعداد ضحايا العنف الجنسي المرتبط بالنزاع أعلى من المعلن بكثير، نظرًا لطبيعة المجتمع السوداني المحافظ وارتباط هذا النوع الجرائم بمسألة الشرف ووصمة العار.

تهجير قسري

تقول (م. ح) التي تسكن حي الجمهورية بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور في إفادتها لـ”التغيير” منذ بداية الحرب في 15 أبريل تعرضنا للذخائر الطائشة والدانات بالمنزل لكن ما تعرضنا له من قبل قوات الدعم السريع لا يوصف وفوق تصور العقل.

تضيف (م): “في إحدى ليالي الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتحديدًا عقب صلاة العشاء، تسللت مجموعة من أفراد الدعم السريع إلى منزلنا عبر تسلق الحائط. واجههم زوجي عند دخولهما، لكنهم اتهموه بأنه ‘ابلداي’، وهو ما يعني ‘جياشي’. قاموا بضربه بقسوة وسط صرخات ونحيب بناتي. حينها وقفت إحدى بناتي أمامهم محاولة حمايته بنفسها، وطلبت منهم أن يضربوها بدلاً منه. في تلك اللحظة، توقفوا عن الضرب، لكنهم أمروا بإخراج البنات من المنزل”.

تضيف (م): “وقالوا لنا صراحة إنهم يريدون البنات، في إشارة إلى نيتهم اغتصابهن. لم أتحمل الموقف واندفعت بسرعة لحماية ابنتي، لكنهم أوقفوني وطالبوني بإخراج بقية البنات من الداخل فورًا. وضعوا السلاح على رأس زوجي وقالوا لي: ‘إما أن تخرجي البنات أو نقتله’. لم أستطع احتمال هذا التهديد وسقطت مغشيًا عليّ من هول الصدمة”.

تضيف (م): “عندما أفقت، علمت أنهم قد غادروا، لكنهم اشترطوا علينا أن نترك المنزل. أمهلونا حتى الصباح للمغادرة. لم يكن يهمني حينها سوى سلامة بناتي وزوجي. بالفعل، غادرنا منزلنا مكرهين ونزحنا خارج مدينة نيالا، ولم نستطع العودة مرة أخرى. لا يزال السكان الذين بقوا هناك يعانون من الانتهاكات والظروف القاسية.”

بدورها تقول (م، أ) لـ”التغيير”: “أسكن في حي الوادي غرباً بمدينة نيالا، وكنا في مرمى النيران. بعد ازدياد القصف، اضطررنا إلى مغادرة منزلنا والعودة بعد أيام. لكن حدة الاشتباكات تصاعدت، مما دفع أفراداً من الجيش السوداني إلى إخلاء النساء والأطفال جنوباً نحو المدارس لضمان سلامتهم.”

وتضيف (م.أ): “لاحقاً، قامت قوات الدعم السريع بإخراج الرجال من المنازل، وعندما نفد ما لدينا من مؤن وغذاء، عدنا إلى المنزل لأخذ بقية الأغراض والمواد التموينية. لكننا وجدنا أن قوات الدعم السريع قد احتلت منزلنا، وبدأوا يستفسرون منا عن أسباب العودة.”

وتتابع: “كررنا المجيء والذهاب عدة مرات، لكنهم في النهاية رفضوا أن نعود إلى المنزل. فكرت في العودة بأي طريقة لأخذ بقية أغراضي، لكن ما حدث لجارتي جعلني أتراجع عن الفكرة. فقد ذهبت هي وبناتها الثلاث إلى المنزل، ولكن، والله العظيم، اغتصبوهم جميعاً، الأم والبنات. حينها قررنا عدم العودة مرة أخرى. بعد انسحاب الجيش وسقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع، وجدنا البيوت قد نُهبت بالكامل، حتى الأبواب والشبابيك تم خلعها. وإلى الآن، لم نستطع العودة.”

تقول “فع” لـ”التغيير”: “كنا نسمع أن قوات الدعم السريع تغتصب النساء، لكنني لم أصدق، واعتقدت أنها مجرد شماعة يستخدمها البعض لعدم العودة إلى منازلهم القريبة من مناطق الاشتباكات. ولكن ما حدث معي لا يمكن وصفه”.

وتضيف: “بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة وهدوء الأوضاع الأمنية، قررنا العودة إلى منزلنا، رغم تحذيرات الجيران والأهل من خطورة قذائف الطيران وخطر الاغتصاب. كان معنا شقيقي الأصغر، وعند اقترابنا من المنزل، استوقفنا أفراد من قوات الدعم السريع وسألونا عن وجهتنا. أخبرناهم بأننا نريد العودة إلى منزلنا في حي المطار. عندها اعتقلوا شقيقي، واعتدوا علينا، واغتصبوا شقيقتي، موجهين لنا اتهاماً عنصرياً بأننا ‘فلنقايات الجيش’”.

وتتابع: “عاد شقيقي بعد شهرين، ولكنه كان مصاباً في ظهره بسبب كثرة الضرب، وما حدث لنا ترك أثراً لا يُمحى”.

ضد العنف الموجه

أصدرت جهات داخلية وخارجية بيانات عديدة تدين العنف المفرط ضد المدنيين، من بينها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، التي شجبت بشدة المجازر البشعة التي تشهدها مدينة نيالا بين الحين والآخر.

وأشارت التنسيقية إلى أن القصف الجوي المكثف لطيران القوات المسلحة يستهدف الأسواق وعددًا من الأحياء السكنية، بما في ذلك حي الرياض، حي الخرطوم بالليل، وحي الوادي، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى تشريد السكان من منازلهم.

وأكدت التنسيقية أن هذه الممارسات تشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان وتفاقم الأوضاع الإنسانية في المدينة، داعية إلى وقف فوري للعمليات العسكرية وحماية المدنيين.

من جهته اتهم مصطفى محمد إبراهيم، مستشار قوات الدعم السريع، طيران الجيش السوداني بتهجير سكان مدينة نيالا، حيث قال في تصريحات صحفية إن الغارات الجوية المتكررة على المدينة أجبرت السكان على ترك منازلهم بعد أن أسفرت عن مقتل المئات وتدمير العديد من المنازل.

وفي تعليق على الاتهامات المتعلقة بالاغتصاب على الأساس العرقي، سخر إبراهيم من هذه الادعاءات، قائلاً إن هذه الاتهامات تُروّج من قبل إعلام “الكيزان” وصفحات “الفلول”. وأكد قائلاً: “من أراد معرفة الحقيقة عليه أن يأتي إلى دارفور ليستمع إلى روايات أهلها”.

حالات انتحار

كشفت منظمة تطوير المرأة، المعروفة بـ “زينب”، وهي منظمة تطوعية شعبية، عن توثيق 530 حالة انتحار للنساء بسبب الاغتصاب، بالإضافة إلى 1140 حالة اختفاء قسري نتيجة لنفس الجريمة.

وفي تصريح لـ”التغيير”، أكدت رئيسة منظمة تطوير المرأة (زينب)، فاطمة مصطفى أحمد، على ضرورة إطلاق حملات مستمرة لمناهضة العنف ضد المرأة. وشددت على أهمية تسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد النساء في سياق الحرب، مؤكدة على ضرورة اتخاذ جميع التدابير لإيصال أصوات الضحايا. وأضافت فاطمة أن ما تعرضت له المرأة في حرب السودان لم يحدث في أي حرب أخرى.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *