الاستعمار الخديوي المستتر السودانية , اخبار السودان
الاستعمار الخديوي المستتر
الفاضل عباس محمد علي
سمعت من بعض الثقاة بمدينة مروي أن ما ظل يتناقله السابلة عن الاحتلال المخابراتي المصري لنظم وأجهزة اتصال مطار مروي حقيقة ماثلة منذ عامين على أرض وبرج ذلك المطار، أي منذ المناورات المشتركة بين سلاحي الجو المصري والسوداني التي كانت تهدف لتخويف إثيوبيا وتحسيسها بأن العدائيات آتية لا ريب فيها، وأن الجيش السوداني طرف بها حليفاً لصنوه المصري، لو استمر تعبئة سد النهضة حسب الخطة الإثيوبية المعلنة.
ويقول أهل مروي إن كل مهندس سوداني بالمطار تم إردافه باثنين من الجيش المصري، وكل فني أصبح يستصحب اثنين من نفس تلك الجنسية.
ولقد تم تشبيك أجهزة المطار ومخازن بياناته بالسيرفر الرسمي المصري في أسوان أو أسيوط أو شئ من هذا القبيل.
ولقد تزامنت الهيمنة على المطار مؤخراً مع وجود مصري مكثف في مساحة ضخمة (آلاف الأفدنة) شمال شرق مروي يقال بأن المسح الطبقراطي الحديث أشار لوجود مكنونات غير عادية من الآثار المنحدرة من مملكة مروي القديمة، والمنطقة معروفة كذلكً بوجود مخزون خرافي هائل من معدن الذهب، ولقد منع الأهالي (الدهابة) من الاقتراب من تلك المنطقه بحجة أن أجهزتهم الاستكشافية تشوش على رادارات الجيش.
ويبدو أن السلطات المصرية تستعد فعلاً للقيام بعدائيات ما ضد إثيوبيا، وهي غالباً، حسب ما يتواتر في الإعلام الاجتماعي المصري، تدمير سد النهضة قبل الملء القادم الذي تخطط له إثيوبيا.
وبالأمس، أصدر مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية بياناً عدوانياً متهافتاً تنقصه الحصافة ضد إثيوبيا متعلقاً بسد النهضة ومنوهاً بأنه خطر يهدد الأمن القومي المصري، وكذلك العربي. أي أن الجامعة تلوح بعصا الكتلة العربية برمتها ضد دولة إثيوبيا، تماماً مثل الاستنفار العشائري في أيام الجاهلية.
ولا أدري ما دخل الدول العربية بنزاع مائي محدود بين ثلاث دول مصر والسودان وإثيوبيا كان يتم الاقتراب منه بالمحادثات السلمية الهادئة طوال الأربع سنوات المنصرمة، وظلت إثيوبيا تستجيب لاستفسارات ومطلوبات الجهات الفنية المعنية دون تشنج يقود للغليان ودق طبول القبيلة والتصعيد المؤدي لحرب لا مصلحة لشعوب الدول الثلاث فيها.
ويروج الإعلام المصري بهستريا مدوية لحالة الفوضى والتشظي التي يمر بها السودان وللثقب الأسود الذي ينتظره إذا استمر بلا حكومة لكل السنوات الماضية والقادمة؛ ويتحدث بعض الخبراء المعطوبون عن السوابق التاريخية التي تبيح لدولة جارة ذات شوكة ومستقرة أن تتحرك بجيشها لإنقاذ ذلك البلد المستغيث الموشك على الضياع، مثلما فعل جوليوس نايريري رئيس تنزانيا الاشتراكي التقدمي الخالي من الأطماع التوسعية، عندما زحف بجيشه نحو يوغندا عام 1979م ووضع حداً لحكم الدكتاتور عيدي أمين دادا، وسلم البلد لرئيسها الشرعي ملتون أبوتي الذي كان عيدي أمين قد انتزع الحكم منه بانقلاب عسكري، وسرعان ما عاد الجيش التنزاني النبيل لبلاده، تاركاً يوغندا لتصاريف الزمن التي انتهت بها لدكتاتور آخر اسمه يوري موسفيني. ولقد تجاوزت الأسرة الدولية عن ذلك التدخل التنزاني في الساحة اليوغندية. كما يستدل الخبراء التعلمجية بالعديد من الغزوات الحديثة، مثل التدخل الأمريكي في العراق وفي أفغانستان، وما ظلت تفعله تركيا في سوريا وشمال العراق بلا ضابط أو رابط، بل ما ظلت تفعله في ليبيا بلا كوابح.
ولا نريد أن نناقش هذه التهويمات والثرثرات، إذ أن جميع تلك الغزوات لم ولن تنته إلى خير للدول المعتدية أو الدول المعتدى عليها. ولكننا نذكر من يهمهم الأمر أن شعب السودان شئ آخر (المي الحار ما لعب قعونج)، ولقد أثبت عشرات المرات منذ عهد بعانخي وترهاقا ومحمد أحمد المهدي والحركة الوطنية وثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة ابريل 1985 وثورة ديسمبر 2018 أنه شعب صعب المراس وراكب راس وقوي الشكيمة، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أنه من الوعي بمكان، ومدرك تماماً للمخططات الإمبريالية التوسعية المحيطة به، ولن يكون نصيبها إلا الفشل الذريع. (لقد زعم الفرزدق يوماً أن سيقتل مربعا… فابشر بطول سلامة يا مربع)!
حرية. سلام. وعدالة!
سلمية خيار الشعب
والنصر معقود لواؤه لأهل السودان.
المصدر: صحيفة التغيير