منتدى الإعلام السوداني

عبد المنعم مادبو

كمبالا، 23 اغسطس 2025 ، (راديو دبنقا) لم يكن مصطفى الغزالي يتوقع أن تقوده مزحة عابرة أطلقها في دردشة عبر تطبيق “واتساب” مع أحد أصدقائه إلى زنزانة وحكم قضائي بالسجن عشر سنوات. رغم أنه أوضح خلال المحادثة ذاتها أن ما قاله كان مجرد دعابة، نافياً أي صلة له بقوات الدعم السريع، إلا أن توضيحه لم يشفع له.

مصطفى، الطالب بجامعة الزعيم الأزهري، لجأ الى القاهرة مع أسرته بعد اندلاع الحرب ثم عاد منها، للعمل في التنقيب عن الذهب بمنطقة أبو حمد في الولاية الشمالية. لاحقًا، توجه إلى عطبرة لأداء امتحانات فصله الدراسي الأخير في الجامعة. وبعد انتهاء الامتحانات، وفي طريق عودته إلى مناجم الذهب، أوقفته الاستخبارات عند نقطة تفتيش “خليوة”، ليُعتقل ويُحوّل إلى المحكمة التي أصدرت في حقه الحكم بالسجن لعشر سنوات.

في قضية مماثلة أصدرت محكمة بحري حكماً بالإعدام بحق شابة تدعى (يواء)، من سكان حي المزاد. ظلت يواء منذ اندلاع الحرب تعمل في خدمة من تبقى من الجيران، وبحسب سكان الحي: كانت تجلب الماء، تعد الطعام، توزعه على الجيران وكبار السن، وتدير روضة صغيرة للأطفال.

لكن هذه السيرة النقية انقلبت رأسًا على عقب، عندما وجدت نفسها في قفص الاتهام بتهمة “التعاون مع الدعم السريع” قبل أن يصدر بحقها حكم بالإعدام. رغم تأكيد براءتها من قبل سكان الحي، الذين يرون ان القضية تصفية حسابات.  تقول روايات الأهالي إن يواء كشفت بعد تحرير بحري عن تورط أسرة معروفة بسرقة المنازل المهجورة، وانضمام أبنائها لصفوف الدعم السريع . هذه الأسرة بحسب السكان استخدمت نفوذها لتلفيق اتهامات ضد يواء، وقدّمت شهود زور لإدانتها .

هذان حكمان من مئات الاحكام القضائية التي صدرت بعد اندلاع حرب 15 ابريل 2023 ، وأثارت انتقادات واسعة للقضاء السوداني. وهي تؤشر الى أن هناك آلاف المواطنين يقبعون في السجون لاسباب مشابهة، كما تؤشر الحادثتان إلى أن الآثار الكارثية للحرب لم تقف عند حد قتل الآلاف وتشريد الملايين من الشعب السوداني وتدمير البنية التحتية، بل تعدت ذلك الى أروقة العدالة في البلاد . فبعد مرور أشهر قليلة من اندلاع الحرب؛ بدأت المحاكم السودانية تصدر أحكاما بالإعدام والسجن المشدد لسنوات بحق مواطنين بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع. وتُقدَّم هذه الأحكام على أنها عقاب على جرائم (تقويض النظام الدستوري، إثارة الحرب ضد الدولة، والجرائم ضد الإنسانية) لكنها في نظر كثيرين ليست سوى محاكم استخدمت كأدوات للترهيب والقمع وتصفية الحسابات، أكثر من كونها منصات للعدالة.

سيف على الرقاب

خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت وتيرة إصدار أحكام الإعدام بحق مدنيين بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، ولا يكاد يمر يوم أو يومان دون أن تُصدر المحاكم قرارات تقضي بإعدام مواطنين في محاكمات تفتقر إلى أدنى معايير العدالة بحسب حقوقيين  ويقول قانونيون ان القضاء السوداني في ظل الحرب المشتعلة لم يعد سلطةً مستقلة، بل بات سيفًا مُسلّطًا على رقاب المدنيين، يُستخدم لتصفية الحسابات السياسية وقمع المواطنين. ويؤكد عضو مجموعة محامي الطوارئ المحامي محمد صلاح في مقابلة مع راديو دبنقا أن الجهاز القضائي في السودان تحوّل إلى أداة سياسية بيد الجيش، تُستخدم لإرهاب المدنيين، ودعم توجهاته في الصراع، وخلق حالة من الخوف والتوجس داخل المجتمع.

ويرى أن المحاكمات الجارية تفتقر لأبسط معايير النزاهة القانونية، وأن التهم الموجهة، خاصة تهمة “التعاون مع الدعم السريع”، لا تستند إلى أساس قانوني أو دستوري، وأن المحاكمات الآن تتم باجراءات قانونية غير سليمة . وأكد على أن ما يجري هو تسييس كامل للجهاز القضائي، وتحويله إلى ذراع أمنية للجيش، عبر تهم زائفة وإجراءات غير قانونية، هدفها إذلال المدنيين، ودفعهم لاتهام بعضهم بعضًا، في سياق يخدم مصالح الأجهزة الأمنية، خاصة في بورتسودان ومناطق أخرى.

ففي الفترة من الأول من يونيو الى 31 يوليو 2025 رصد راديو دبنقا 82 حكماً بالاعدام و 51 حكماً بالسجن لفترات متفاوتة تتراوح بين المؤبد والخمس سنوات، أصدرتها المحاكم في الولايات التي تسيطر عليها القوات المسلحة وتم نشرها في الموقع الرسمي لوكالة السودان للانباء. كما يظهر في الشكل البياني ادناه…

سياسيًا، يرى المحامي محمد عبد المنعم (السليمي) ان هذه الأحكام تعكس توجه الجيش لاستخدام السلطة القضائية كأداة في معركته ضد خصومه، وتحديدًا لإضفاء شرعية على ممارسات قمعية تتعارض مع القانون الدولي الإنساني. ويقول : “هذه الأحكام، تهدف إلى بث الرعب في المجتمعات، وإرسال رسائل سياسية للمعارضة مفادها أن كلفة التعاون مع الدعم السريع ستكون الموت ” . ويؤكد السليمي في مقابلة مع راديو دبنقا أن غالبية المحاكمات تجري بعيدًا عن أعين الإعلام والمراقبة الحقوقية، ولا تغطيها وسائل الإعلام، ولا ترصدها المنظمات التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان. ونتيجة لذلك، لا تصل أخبار المحاكمات إلا عندما يكون المتهم شخصية معروفة، أو حين تمتلك أسرته القدرة على إيصال القضية إلى الرأي العام. هذا التعتيم يجعل أي محاولات لإحصاء القضايا أو توثيق الانتهاكات مجرد تخمينات. ومن خلال الرصد القانوني المستمر، يقول السليمي إن نسبة الإدانة في القضايا المعلنة تصل إلى 99.9%، ما يثير شكوكًا جدية حول مدى توفر شروط العدالة ونزاهة الإجراءات.

وذكر أن الغالبية العظمى من المتهمين ينتمون إلى تيارات سياسية محددة أو خلفيات إثنية معينة. ويضيف “هناك نمطًا واضحًا في الاستهداف” ، فإما أن يكون المتهم سياسيًا مرتبطًا بأحزاب قوى الحرية والتغيير، أو مواطنًا من غرب السودان ينتمي إلى إثنيات يُنظر إليها كحاضنة اجتماعية لقوات الدعم السريع. وتابع: “هناك قائمة بثّها تلفزيون السودان لعدد 35 شخصاً من مدينة نيالا كمطلوبين بتهم غسل أموال والتعاون مع الدعم السريع، بعضهم توفي قبل أكثر من عشر سنوات، وآخرون شيوخ طاعنون في السن غادروا السودان منذ زمن بعيد… ولك أن تتخيل حجم المفارقة “.

قائمة الأشخاص الهاربون من العدالة بتهمة التعاون مع الدعم السريع التي أصدرتها النيابة العامة في مايو 2025 وبثها التلفزيون السودان القومي

الإجراءات القضائية

بحسب القانون الدولي الانساني فان المحاكمات في مناطق النزاعات عموماً يجب ان تخضع لشروط المحاكمة العادلة، وذلك بتوفر ضمانات اجرائية للمتهم او المدعى عليه، او لاطراف الدعوة، بحيث تكون هناك اجراءات قانونية في عمليات (القبض، التحري أو التحقيق، والإحالة للمحكمة)، كما يفترض ان تكون هناك ضمانات من حيث التشريع والقانون بأن يخضع المتهم للمحاكمة بالقانون الطبيعي ولا يخضع لأي اجراءات تعسفية، أو أي اجراءات تهضم حقه في ان يُقدم لمحاكمة عادلة، ولا يحق ان يحاكم شخص مدني امام قاضي عسكري او محكمة عسكرية. ولابد أن تتوفر ضمانات مؤسسية بأن تكون هناك مؤسسات تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة من (محكمة موضوع، لمحكمة استئناف، لمحكمة عليا، الى المحكمة الدستورية) وفي حال عدم توفر هذه المحاكم تصبح المحاكمة غير عادلة وتمثل انتهاكاً للقانون الدولي الانساني.

الأساس القانوني

عضو محامي الطوارئ محمد صلاح يرى أن التهمة التي توجه للمتهمين بالتعاون مع الدعم السريع ليس لها اساس قانوني، وأضاف “حتى تهمة التعاون مع الدعم السريع، ليست لها اساس قانوني او دستوري، باعتبار ان قوات الدعم السريع بموجب قرارات انشائها في عهد نظام الانقاذ انها قوة نظامية، اضافة الى قرارات البرهان نفسه تؤكد انها ضمن القوات المسلحة” وتابع “اضف الى ذلك بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 اصبح الوضع غير دستوري وتم تمزيق الوثيقة الدستورية التي تبنى عليها القرارات الدستورية بالتالي تهمة تقويض النظام الدستوري نفسها غير قانونية ” .

يؤكد المحامي محمد صلاح لراديو دبنقا أن الجهاز القضائي في السودان تحوّل إلى أداة سياسية بيد الجيش، تُستخدم لإرهاب المدنيين، ودعم توجهاته في الصراع، وخلق حالة من الخوف والتوجس داخل المجتمع. ويرى أن المحاكمات الجارية تفتقر لأبسط معايير النزاهة القانونية، وأن التهم الموجهة، خاصة تهمة “التعاون مع الدعم السريع”، لا تستند إلى أساس قانوني أو دستوري.

وحاول راديو دبنقا التواصل مع النائب العام السوداني الفاتح طيفور للرد على تساؤلاته لكنه لم يرد .

بينما قال وكيل النيابة العامة بولاية جنوب دارفور عبد الله عيسى جبير التي تخضع لسيطرة الدعم السريع، حول ما اذا كانت هناك محاكمات تتم في نيالا بتهم تتعلق بالتعاون مع القوات المسلحة بقوله لرديو دبنقا ” لا توجد مادة قانونية تمنع التعامل مع القوات المسلحة، وأن المحاكم بنيالا تعمل بالقانون الجنائي السوداني، ولم تصدر حكماً بالاعدام ” .

محاكمات غيابية وانتقائية

في سياق المحاكمات المرتبطة بالانتهاكات التي شهدتها البلاد خلال الحرب، وجّهت محكمة بورتسودان برئاسة القاضي المأمون الخواض اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية إلى 16 من قادة قوات الدعم السريع، أبرزهم قائد القوات محمد حمدان دقلو. في المقابل، يواجه القضاء انتقادات حادة من مراقبين بشأن ما وصفوه بـ “انتقائية العدالة”، بعد تغاضيه عن ملاحقة عدد من القادة العسكريين والسياسيين والمقاتلين السابقين في صفوف الدعم السريع، من بينهم قائد درع السودان أبوعاقلة كيكل، إضافة إلى شخصيات ظهرت في مؤتمرات صحفية ببورتسودان اعلنوا فيها عودتهم من صفوف الدعم السريع كمستشارين للقائد حميدتي. وفي الوقت ذاته، تُوجَّه تهم التعاون مع الدعم السريع لمدنيين عُزّل لم يتمكنوا من مغادرة المناطق التي دخلتها تلك القوات، ليواجه بعضهم أحكامًا بالإعدام أو السجن المؤبد.

محامون تحت الضغط… ومحاكمات بلا ضمانات

يطرح هذا الواقع تساؤلات مشروعة في ظل عدم وجود ضمانات لمحاكمة عادلة : هل يحصل المتهمون على حقوقهم القانونية الكاملة؟ هل يُستخدم القضاء كغطاء للانتقام السياسي والتمييز العنصري ؟ هنا، يقول أحد المحامين ترافع في احدي القضايا اُتهم فيها موكله بالتعاون مع الدعم السريع ان المحاكمة التي جرت لم تستغرق سوى جلستين، ولم يُمنح الوقت الكافي للدفاع” وذكر المحامي الذي فضل حجب إسمه في مقابلة مع راديو دبنقا بأن موكله لم يُسمح له حتى بمقابلة عائلته . ورغم سماح بعض المحاكم بظهور محامين للدفاع عن المتهمين، إلا إن المحامي السليمي يشير إلى مضايقات مستمرة من الأجهزة الأمنية. أحدثها اعتقال المحامي منتصر عبد الله في بورتسودان، الذي كان يتولى الدفاع عن معتقلين سياسيين . وأوضح أن كثيرًا من المحاكمات تتم بصورة إيجازية، وهناك حالات لمحاكمات ميدانية تفتقر إلى الحد الأدنى إلى معايير العدالة . ويضيف أن بعض المتهمين يظلون في الحبس لفترات طويلة قبل تقديمهم للمحاكمة، مما يجعل فترة الحبس عقوبة قائمة بذاتها، حتى إن برأتهم المحكمة لاحقًا. كما أن دوائر الاستئناف تتأخر بشكل كبير في إصدار قراراتها، ما يُبقي مصير المدانين معلقًا لفترات طويلة.

بينما كشف عضو محامي الطوارئ محمد صلاح أن الإجراءات القضائية تتسم بالخلل؛ إذ تُعقد المحاكمات غالبًا بدون حضور محامين، على غرار محاكم النظام العام في عهد البشير، وتتحول التهمة إلى أداة لتصفية الحسابات الشخصية، سواء من قبل السلطات أو حتى مدنيين آخرين. كما أن المدنيين الذين عاشوا في مناطق سيطرة الدعم السريع، واضطروا للتعامل معه بحكم الأمر الواقع، يجدون أنفسهم متهمين بالتعاون معه، رغم أن ذلك لا يرقى لمستوى جريمة. وأشار المحامي محمد صلاح الى وجود مئات المدنيين في السجون ببورتسودان والقضارف والخرطوم، بينهم نساء حُكم عليهن بالإعدام أو السجن المؤبد. ورغم نجاح بعض المحامين في تبرئة متهمين، إلا أن المحاكمات مستمرة يوميًا، خاصة في محكمة كرري بأمدرمان، في قضايا يصفها صلاح بأنها “محاولة لإخضاع المدنيين وكسر إرادتهم”.

الخلية الأمنية

من خلال تتبع راديو دبنقا اجراءات القبض على المتهمين، ظهرت في بعض الولايات ما أطلق عليه اسم “الخلية الأمنية” التي بدأ تكوينها في مايو 2024م، بعد موافقة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وهي تضم عناصر من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن والشرطة والمقاومة الشعبية، وأوكلت للخلية الأمنية مهام العمل كجهاز انذار مبكر، ورصد الخلايا النائمة، التحري ومراقبة الأشخاص والأماكن والأنشطة التي يشتبه فيها، وتفتيش ومداهمة المواقع التي تأكد وجود نشاط عدائي بها، والإستجواب المشترك للمقبوض عليهم، وإحالة القضايا التي تحتاج إلى عمل أمني تقليدي (طويل المدى) إلى الأجهزة النظامية، مثال (حركة الحواضن المجتمعية من مناطق وجود العدو الي مناطق سيطرة القوات المسلحة). وعبر الفقرة الاخيرة من المهام، أصبحت الخلية الأمنية تستهدف القادمين من مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وهي التي تنفذ عملية القبض ورفع الدعوى في مواجهة المتهم والتحرى معه . ويصف المحامي السليمي هذه الخلية الأمنية بأنها عبارة عن محكمة عسكرية فورية، تصدر الأحكام وتنفذها مباشرة، وأضاف “هي نموذج مشابه للمحاكم العسكرية، الفرق أن الخلية الأمنية ليس جميع افرادها عساكر جيش .. فيها جهاز أمن وبراؤون ودرع السودان ” .

وتواصل راديو دبنقا مع ستة من أسر المعتقلين رفضوا جميعا الحديث عن ظروف اعتقال ابنائهم ما عدا اسرة الطالب مصطفى. وبررت الأسر رفضها بان الحديث لوسائل الاعلام قد يعرضهم لمضايقات من قبل اجهزة الأمن، بينما قال مصدر مقرب من إحدي الاسرة التي اعتقل ابنها قبل اكثر من 7 اشهر في احدي ولايات الوسط، وأن ابنهم لم يقدم لمحاكمة ولم يسمح لهم بزيارته وتم تهديدهم بأنه في حال تحدثوا لوسائل الاعلام فإن مصير ابنهم سيكون الموت.

وحمّل صلاح الخلية الأمنية التابعة للجيش المسؤولية عن اعتقال المدنيين في مراكز احتجاز غير قانونية، حيث يتعرضون للتعذيب والضرب والتجويع قبل تسليمهم للشرطة وتوجيه اتهامات جاهزة لهم . بعض المعتقلين يُحتجزون لفترات طويلة تصل إلى عام كامل، في أماكن مثل معتقل جبل سوركاب، بينما يظل آخرون مفقودين لفترات غير معروفة، دون أن يعرف ذويهم ما إذا كانوا أحياء أو أموات.

ويلفت النظر إلى أن بعض المعتقلين يُلقى بهم في الشوارع بعد التعذيب، خاصة إذا تدهورت حالتهم العقلية، بينما يظل آخرون قيد الاحتجاز السري. هذا الواقع القاسي دفع بعض الأسر لتفضيل تقديم ذويهم للمحاكم على إبقائهم في دائرة الاختفاء القسري، على الأقل لمعرفة مصيرهم.

الآلاف في السجون

في ظل غياب أي بيانات حكومية أو قضائية شفافة، تبقى أعداد المعتقلين بتهم تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع أو إثارة الحرب ضد الدولة غير معلومة بدقة. لكن وسائل اعلام محلية نقلت عن لجنة التحقيق حول الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الدعم السريع والتي شكلها رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح االبرهان في اغسطس 2024م قولها “انها دونت أكثر من 15 ألف اتهام في مواجهة متعاونين مع قوات الدعم السريع، أو متخابرين ومشاركين معها”، بينما ذكرت النيابة العامة في مارس 2025م انها بدأت في محاكمة اكثر من 950 متهماً بالتعاون مع قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة.

ووفقًا للمحامي محمد عبد المنعم (السليمي)، فان بعض التقديرات تشير إلى وجود أكثر من خمسة آلاف معتقل في سجون ولاية الجزيرة وحدها، منذ سيطرة القوات المسلحة على الولاية. ويعلق قائلًا: “وعلى ذلك قِسْ”، في إشارة إلى أن الأعداد الكلية قد تكون أعلى بكثير على امتداد البلاد. وتعزز هذه التفديرات مجموعة محامي الطوارئ التي تشير الى ان هناك آلاف المعقتلين في الزنازين بمدينتي الخرطوم وود مدني يواجهون تهماً تصل عقوبتها الى الاعدام دون أن تتوفر لهم ضمانات المحاكمة العادلة. وقال عضو المكتب التنيفيذي لمحامي الطوارئ ان ما تبقى من الجهاز القضائي بالبلاد اصبح جهاز مسيس بالكامل ينفذ اجندة القوات المسلحة، واضاف ” هذا وضع انساني حقوقي كارثي يعيشه المدنيون في السودان ” .

قلق منظمات حقوق الانسان

أصبح توظيف القضاء في سياق الحرب التي تدور في البلاد يثير قلقًا واسعًا لدى منظمات حقوق الإنسان، التي ترى في إصدار أحكام بالإعدام في ظل الحرب، وغياب الحد الأدنى من الشروط القانونية، انتهاكًا واضحًا للمواثيق الدولية، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يُلزم الدول بضمان المحاكمة العادلة حتى في حالات الطوارئ، وقال خبير الأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر في بيان أثناء زيارته الى بورتسودان إن ارتفاع أعداد الاعتقالات التعسفية والأحكام القاسية، بما في ذلك أحكام الإعدام، على خلفية اتهامات بالتعاون مع الدعم السريع، يثير مخاوف كبيرة بشأن ضمان المحاكمات العادلة، مشيرًا إلى أنه دعا السلطات لمراجعة هذه الأحكام ووقف تنفيذ أوامر الإعدام. لكن حديث نويصر أثار امتعاض وزير العدل عبد الله درف ورد قائلاً : “الحديث عن انتهاكات أو محاكمات غير عادلة دون معلومات تفصيلية أمر لا تقبله الحكومة السودانية ” بل ذهب الوزير الى أكثر من ذلك بأن أبلغ الخبير الاممي برغبة الحكومة في انهاء مهمة البعثة في السودان.

* ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (راديو دبنقا)  لكشف استغلال القضاء السوداني كأداة سياسية وأمنية في سياق الحرب وتسليط الضوء على غياب معايير المحاكمة العادلة وانتشار الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاحتجاز غير القانوني.
كما يوضح الطابع الانتقائي للقضاء في ملاحقة المدنيين العُزّل.

منتدى الاعلام السوداني

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.