اخبار السودان

الإلحاد بعالَم الشهادة وخطره على الحياة عندما يصبح الالتواء ديناً!

ابوبكر حسن خليفة

من المفارقات أن تجد أحدهم يعتقد في عالم الغيب والحياة بعد الموت ، ولكنه يكفر بهذه الحياة ويتنكر لوجوده فيها ويعمل جاهدا على أن يمحو أثره من ذاكرة الوجود .
هذه حالة كامنة غير أن جرثومتها نشطة سرعان ما تستبد بصاحبها مع تلك التهويمات ، فينفصل عن العالم الماثل رويدا رويدا ، وتستولي عليه التخيلات الماورائية ، فيقع في مكيدة الإنكار.
وحالة الأنكار هذه ثمنها فادح وطريقها مميت! .
لأنها متعلقة بمصادمة البديهيات الأولية لمقررات العقل وطرائق التفكير وإشارات الجسد الغريزية.
فالوجود الماثل الذي أنت جزء منه لا يمكن إنكاره ، إلا بإنكار أسس التحاكم إلى المعقولات وإن فعلنا ذلك تبعثرت لغة الخطاب وبطل مراده ، فلا مبنى أقمنا ولا معنى وصلنا.
وحالة التلاشي هذه ؛ حالة متحررة في عمومها من القيود والأنساق الثقافية والاجتماعية. وهنا يكمن الخطر! حيث تصدر الأفعال بلا جوامح أو مسوغات عقلية.
فتحدث الاضطرابات ويسقط النظام التطوري الصاعد..
الذي عن طريقه بنيت الحضارة وشيّد العمران وفق تشكلات ثقافة الإنسان العاقل.
كل ذلك من ناحية صناعة المغُيّب الذي سلبت إرادته وعقله وتفكيره بعد أن أصبح أداة طيعة في يد صانعيه ، الذين يمثلون أودية الشر وقلاع الشياطين.
فأنا على يقين أن هذه الدوائر لا تؤمن بالرحمن الرحيم ولا بيوم الدين ولا بالمثل ولا بالقيم الإنسانية ، لأن الإيمان بالشيء يلزم عنه أثره. فما لا أثر له لا وجود له. فإن البحث عن أثر الإيمان عند هؤلاء هو بحث عن “اللاوجود” بمعنى إذا كنت تبحث عن شيء غير موجود فلن تجده أبداً.
كل ما في الأمر إنهم قوم يتشبثون بمصالحهم الذاتية ، وإن أدى ذلك إلى امتصاص الدماء الذكية. فالقرابين الشيطانية لا تكون إلا بهذه الصورة المأساوية ، أنظر إلى “موقف العقل” تجد معظمهم يستبطن الإلحاد كما جاء على لسان صبري (معظم علماء الشرق يستبطنون الإلحاد)! .
وحينما أذكر ذلك لا أستدل بما يستبطنونه ، وإنما أستدل بأفعالهم وأقوالهم التي تصدر عنهم صباح مساء، وقد قيل ما زال المرء في سعة من أمره ما لم يقل أو يفعل (تحدثوا تعرفوا) فقد قالوا وكان قولهم مر المذاق وقد فعلوا وكان فعلهم سوء وعذاب.
والواقع يشهد إن هذه الأفعال لا تصدر إلا من شخص متيبس الضمير ميت القلب.
تجدهم يعتلون أفواه المنابر وهي أخطر أدوات السلطة المجرمة ورأس الاعلام الفاسد.
فيقومون بدورهم المرسوم لهم في تغييب العقل فيحدثون الناس عن تفاهة الحياة وأنها لا تساوي جناح بعوضة وأنها دار زائلة محكوم عليها بالفناء … الخ.
حتى تمتلئ العقول وتنتفخ بالفراغ الماورائي وتنشغل بإرضاء أهل السماء بدلا عن السعي الجاد لرفع البؤس عن الإنسان المنهك الغلبان في مسيرته الشاقة الموحشة بوجود أمثال هؤلاء في طريقه.
وفي ذات الوقت نراهم لا يتنازلون عن ـ متع الدار الزائلة ـ حسناواتها ، وفارهاتها ، ومبانيها الشوامخ! .
ولكنه زيف النفوس الملتوية ، المتشربة نفاق وكهنوت معابد إبليس في مملكة الظلام وحاضرتها (أسفل سافلين).
فبدلا عن إنشاد طريق التنمية والتعمير والسير في مصالح الإنسان وتأسيس الدولة الفتية وتحقيق الرفاهية.
يأتونك دعاة التضليل والتغبيش ، ويحدثونك عن الواقع بلسان الغائب الممتنع عن الحضور! .
حتى يخرجوك من الحياة صفر اليدين، بعد أن قضيت وقتك هدرا وعمرك سدى.
مُستخدم في مآرب ومشاريع نفوس شريرة وأهداف دنيئة.
وبعد..
لعله يتضح لك جلياً أن الانطلاق من نقطة العدم الصفرية يستحيل معها تشيد العالم المكتنز بالجمال والكمال في الواقع المعاش اليوم أو في المستقبل.
فمثل هذا التصور يمكن أن يسعه الذهن ويقدره كذلك كما يقدر سائر الممتنعات.
أما أن يكون له وجود في الخارج .. فلا وربك.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *