حسن عبد الرضي الشيخ
لم تكن خيباتنا من الإسلام السياسي مجرد تقلبات سياسية، بل هي جراح غائرة في الوعي الجمعي، وخذلان يتكرر تحت أقنعة الدين والوصاية على الإيمان. لقد تهاوت الشعارات، وتآكلت الأقنعة، حتى سقطت “حماس” على عتبة الخبز، بينما انكشفت جماعة “الإخوان” في السودان وهم يلوكون وحدة وطنٍ كانوا أول من تآمر على تقطيعه.فـ”حماس” انحسر جهادها المزعوم من تحرير القدس إلى توفير “السردين”. أليست هي “حماس” التي صدّعت آذاننا عقودًا بشعار: “تحرير فلسطين من البحر إلى النهر” ورمي إسرائيل في البحر؟! أين ذهبت رايات الجهاد الكبرى، حين رأينا الناطقين باسمها يتوسّلون الغذاء عبر المعابر، ويقايضون قضية القدس بصفائح التونة وطرود الأرز القادمة من قطر وتركيا وإيران؟!لقد تقزّمت القضية الفلسطينية في خطابهم إلى مستوى المعونات، وتحوّلت “المقاومة” إلى حفنة من السلاح المهرّب، والدماء المستباحة في صراع عبثي لا ينتهي. أين الدولة الفلسطينية التي نُقتل باسمها كل يوم؟ أين القدس التي ادّعوا أنها القبلة الأولى والغاية الكبرى؟ لقد طُويت الراية، وعلت راية الغنيمة بدلًا عنها. فالعار كل العار لحركة جعلت من غزة ساحةً لبيع الكرامة، بدل أن تكون منارةً لتحرير الأرض.وها هم “الكيزان” عليهم من الله ما يستحقون “يشرتمون” السودان من وطن “حدادي مدادي” إلى أشلاء وطن. وفي السودان، تتكرر الملهاة في وجهٍ آخر. جاء الإخوان المسلمون إلى الحكم على ظهر دبابة، لا على جناح ثورة. فماذا فعلوا بالسودان الـ”حدادي مدادي”، المتسع بالأنهار والجبال والنفوس الطيبة؟ جزّأوه بأحقادهم، وفصلوا الجنوب في العام ٢٠١١ بعد أن جعلوه يحترق بالحرب والتمييز، ثم ما لبثوا أن رموا بقية البلاد في أتون الحرب الأهلية والانقسام الدموي، حتى باتوا اليوم يحرّرون شهادة انقسام جديد، بعد إعلان حكومتهم في “بورتوكيزان” التي قابلتها حكومة تأسيس في غرب السودان.واليوم، بعد أن خسرنا الجنوب، يتباكون على وحدة السودان التي مزقوها بأيديهم، ويعرضون “نصف الوطن” للمزاد السياسي، كأنهم لم يتعلموا شيئًا، ولم ينسوا شيئًا. فهم يتشبثون بـ”وحدة الوطن” حين تكون شعارًا للمزايدة، ويخونونها حين تكون التزامًا ومسؤولية. يصرخون بـ”هي لله” في حين هي لهم: لبطونهم، لجيوبهم، لمناصبهم. فيا لها من خيانةٍ باسم الله.كم من الجرائم ارتُكبت باسم الله، على أيدي من ادّعوا أنهم “أولياؤه”؟! لقد أصبح الإسلام السياسي عبئًا على الدين، لا مدافعًا عنه، ووسيلةً للقهر لا وسيلةً للعدل، ومطيةً للوصول إلى الحكم لا وسيلةً لإقامة قيم الحق والرحمة.وفي خاتمة الأمر، فلنعلم أن لعنات الشعوب لا تخطئ. لقد لفظت الشعوب أكذوبة “المشروع الإسلامي” حين افتضح أمره. لم يعد الناس ينظرون إلى منابرهم إلا بوصفها أدوات تضليل، ولا إلى راياتهم إلا كلون الخديعة. أما “حماس” التي باعت قضية القدس من أجل فتات الطعام، و”الإخوان” الذين باعوا وحدة السودان على مذبح الجشع السياسي، فإن لعنات الشعوب تلاحقهم، وسيسقطون كما سقط من قبلهم الطغاة والمحتالون.ألا لعنة الله على الكاذبين. ألا لعنة الله على من خذلوا فلسطين، وخانوا السودان، واستحلوا دماء الأبرياء باسم الله.
المصدر: صحيفة الراكوبة