
التقي البشير الماحي
جلب الإنجليز لعبة كرة القدم للسودان خلال فترة حكمهم، وقد حكى لي الوالد أنهم عند بداية تعليمهم للعبة كانوا يركضون خلفها جميعًا وعند بلوغهم لها لم يكن أحد يعرف ماذا يفعل بها.
حكى لي هذه البدايات بطريقة ساخرة، فوجدت أن هذه الحكاية تشابه ركض الإسلاميين نحو السلطة وامتطائهم للحرب كغاية وليست وسيلة، وذلك بإصرارهم على استمرارها دون أي عمل سياسي مصاحب.
فلم نسمع لهم نشاطًا سياسيًا أو تواصلًا حتى مع القوى المدنية التي تعتبر أقرب لهم من واقع تحالفات الحرب.
هب أن الجيش حقق انتصارات كاسحة، وأصبح مسيطرًا على كل أجزاء السودان، أين مشروع الإسلاميين بعد ذلك؟ وما هي رؤيتهم التي من خلالها يمكن أن يطرحوا مشروعهم لمواصلة حكمهم مع الكم الكبير من التغييرات التي حدثت وانتظمت العالم مع حالة الرفض العامة لوجودهم كتنظيم من قبل معظم دول الإقليم؟ دعك من أن يكونوا على رأس الحكم في ظل واقع إقليمي يرفض ذلك. أين مراجعاتهم لتجربتهم السابقة وما صاحبها من إخفاقات؟ وما هي رؤيتهم للحكم المدني في ظل وضع إذا ذكر فيه كلمة حكم مدني تحسس الإسلامي سلاحه؟
عمل الإخوان وحالة التخفي والتستر خلف الجيش سوف يدفعون ثمنها أضعافًا مضاعفة فالجيش كمؤسسة سعت قبلهم تنظيمات للاستفادة منه واستغلاله أفلحت بعض الوقت، وفشلت في معظمه. الإسلاميون بموقفهم المتماهي تمامًا مع الجيش كمؤسسة ظل يدفع ثمنه الجيش، وهو ثمن كلفه الكثير، ولا يمكن أن يظل متواصلًا، فقط هي حمولة سوف يسعى للتخلص منها إذا حانت ساعة المفاصلة.
لذلك يجب أن يُترجم صوت الإسلاميين وحراكهم المستقل لعمل سياسي مدني مستقل وفق رؤيتهم هم ومع من يشابهونهم في المواقف حتى لا يكون حالهم كحال من يركض خلف الكرة وعند بلوغها لا يعرف ماذا يفعل بها.
مقال الجنرال البرهان لصحيفة وول ستريت جورنال يحمل الكثير من ملامح سعيه للحكم وفق تصور براغماتي يمكنه من الحكم منفردًا وهو تصور لم يخرج صوتا واحدا من الإسلاميين مناقضًا أو مفندًا له وهو بعيد كل البعد عن موقفهم الظاهر للشعب المنحاز للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة الإسلامية.
البرهان في مقاله حمل لهم السودان التوراتي على هودج الاتفاقية الإبراهيمية فهل تنوي الحركة الإسلامية الإمساك بلجام الناقة التي تحمل ذلك الهودج؟
المصدر: صحيفة التغيير
