الإسلاميون السودانيون وقطر: تفاهمات جديدة تعيد تشكيل قيادة الجيش
(تقرير: SPT ترجمة الراكوبة)
يصف مقربون من قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بأنه مهووس بالسلطة هوسًا مرضيًا، وأنه لا يمانع انهيار السودان على رؤوس شعبه إذا كان ذلك يوصله إلى كرسي الرئاسة. لهذا السبب، تعتمد تحالفاته على قبول أي جهة به رئيسًا، بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية. ولكنه يناصب العداء للقوى الديمقراطية المؤمنة بالتداول السلمي للسلطة، ولا يكاد يخلو خطاب له مؤخرًا من الهجوم والسباب ضد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم).
في المقابل، يرتمي في أحضان أعدائهم وأعداء التحول الديمقراطي، وهم الحركة الإسلامية السودانية (النظام القديم)، ظنًا أنها ستخلصه نهائياً من القوى الديمقراطية التي تقف عقبة في طريق تحقيق حلمه السلطوي. وربما كان ذلك صحيحًا بالنظر إلى ماضيها الدموي، لكنه بذلك لا يطيح بخصومه فحسب، بل يقوّض مستقبله ويقدّم رأسه للذبح أيضًا، دون وعي منه.
يرى مراقب سياسي أن حلم السلطة أعمى البرهان وجعله غير متزن التفكير. فالحركة الإسلامية، التي أشعلت الحرب في 15 أبريل 2023 مستغلة نفوذها وعناصرها داخل الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، لم تفعل ذلك من أجل أن يصل هو إلى الحكم، بل لاستعادة حكمها الذي أسقطته الثورة الشعبية في أبريل 2019. وهي تعتبره مجرد أداة لتنفيذ أوامرها، لا أكثر.
البرهان، الذي خدع العالم بتقديم نفسه بعد ثورة الشعب السوداني كمناصر للتحول المدني الديمقراطي وشريك للمدنيين في إدارة المرحلة الانتقالية، قادته أطماعه السلطوية إلى الوقوع في فخ “الحصان الميت”. فقد تورّط في أزمات ضخمة حاليًا ومستقبلاً لحل مشكلات بسيطة كان يمكن تجاوزها بتنازلات محدودة. وفي اندفاعه للتحالف مع الإسلاميين ضد القوى الديمقراطية السودانية، بات أشبه بكلب بري يحاول افتراس فريسته وسط قطيع من الضباع المتوحشة.
🔺صراع مؤجل:
البرهان، الذي يستقوي بالحركة الإسلامية السودانية ويتحالف معها، يظنّ أنه يستطيع استغلالها كجسر لوصوله إلى الحكم. فهو يسعى لحكم السودان تحت مظلتها، لكن الحركة الإسلامية نفسها تضمر له أكثر مما يضمر لها، إذ تعتبره مجرد انتهازي ودخيل على مشروعها. مع ذلك، تؤجل معركتها معه إلى حين إنهاء حربها ضد قوات الدعم السريع. فهي لا ترغب في خوض معارك جانبية صغيرة مع جزء من الجيش في الوقت الراهن، بل تخطط لاستبداله بأحد عناصرها الأكثر موثوقية وتنظيمًا من ضباطها داخل الجيش، عبر عملية تخلّص سلسة لا تثير أي ضوضاء أو مشاكل داخل المؤسسة العسكرية.
🔺تسريب مقلق:
في 29 نوفمبر من العام الماضي، انتشر مقطع فيديو مسرب من ندوة أقامها فصيل سوري من فصائل جماعة الإخوان المسلمين في تركيا. تحدث في الندوة عبد الحي يوسف، وهو شيخ إسلامي يُعتبر أحد أئمة السلفية الحربية السودانية. عبد الحي، الذي يعيش في تركيا منذ سقوط النظام السابق في 2019، يُعد من أبرز قادة الحركة الإسلامية السودانية. في حديثه، أشار إلى أن الحركة الإسلامية لا تثق بعبد الفتاح البرهان، وسخر منه ومن شخصيته، واصفًا إياه بأنه صاحب شخصية غير محترمة. وأضاف مؤكدًا: “البرهان لا يستطيع القضاء على الإسلاميين لأنهم موجودون داخل مكتبه.”
أثار حديث عبد الحي يوسف، الذي نُشر في مواقع إسلامية سورية، قلقًا وتوترًا كبيرًا داخل الحركة الإسلامية، إذ كشف عن نواياها ورأيها الحقيقي في البرهان.
تحت وقع هذا الحرج الكبير، اضطرت الحركة الإسلامية السودانية إلى إصدار بيان خجول مساء اليوم نفسه، قالت فيه إنها تُقدّر الجيش وقائده، ونفت أن يكون عبد الحي يوسف عضوًا في الحركة الإسلامية. وأضاف البيان أن عبد الحي هو وفق تعبيرهم “داعية إسلامي تقدّر وتحترم أعماله الجليلة للإسلام.”
هذا النفي أثار موجة سخرية واسعة بين السودانيين، حيث تساءل كثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسخرية: “إن لم يكن عبد الحي يوسف إسلاميًا، فمن هو الإسلامي؟”
من جهته، استغل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان زيارته إلى إحدى الوحدات العسكرية في اليوم التالي، وتحدث أمام الجنود، واصفًا عبد الحي يوسف بـ”التكفيري.”
بالطبع، كانت الحركة الإسلامية السودانية تكذب في نفيها، إذ لم يكن لديها أي خيار سوى إنكار انتماء عبد الحي يوسف لها. فقد وضعها في موقف حرج عندما كشف رؤيتها الحقيقية حول مستقبل البرهان.
ننشر هنا مستندًا مؤرخًا بتاريخ 14 نوفمبر من العام الماضي أي قبل أسبوعين من حديث عبد الحي يثبت أن عبد الحي يوسف لا يزال عضوًا قياديًا في الحركة الإسلامية السودانية. المستند عبارة عن قائمة حضور قيادات مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية، الذي انعقد في 14 نوفمبر في إسطنبول. يظهر اسم عبد الحي يوسف في قائمة الحضور، المُرتّبة وفق الترتيب الأبجدي، تحت الرقم 114.
🔺قطر تحدد بديل البرهان:
بحسب مصادر موثوقة مقربة من مراكز القرار داخل الإسلاميين، فإن عبد الحي يوسف ليس عضوًا عاديًا، بل أحد قيادات مجلس الشورى في الحركة الإسلامية. وأشارت المصادر إلى أن حديثه المسرب يعكس رأي القيادات العليا في الحركة، التي ترى التحالف مع البرهان تحالفًا مرحليًا ينتهي بانتهاء الحرب، حيث تُعد الحركة العدة لاستبداله بضابط أكثر موثوقية وتنظيمًا من عناصرها داخل الجيش.
وأكدت المصادر أن البديل هو اللواء نصر الدين عبد الفتاح، قائد سلاح المدرعات الحالي وأحد العناصر الملتزمة داخل الحركة الإسلامية. وتم اختياره بالتنسيق مع دولة قطر، التي ترى في البرهان شخصية غير جديرة بالثقة، وقد رتبت لنصر الدين زيارة إلى الدوحة في نوفمبر الماضي شهدت لقاءات له مع مسؤولين أمنيين قطريين، تم خلالها الموافقة عليه كبديل للبرهان. كما منحته قطر سكنًا ومخصصات واستقدمت أسرته للإقامة هناك.
وكشفت المصادر عن تصاعد النفوذ القطري داخل الجيش بشكل غير مسبوق، حيث تكفلت قطر منذ أكثر من عام بدفع رواتب الجيش والمليشيات الإسلامية المتحالفة معه، إضافة إلى تمويل صفقات السلاح، بما في ذلك شراء الطائرات المسيرة.
🔺من هو الجنرال نصر الدين عبد الفتاح:
اللواء نصر الدين عبد الفتاح، ضابط في الجيش السوداني تخرّج في الكلية الحربية (الدفعة 36). قضى معظم فترة خدمته في سلاح المدرعات، حيث تقلّد عدة مناصب إلى أن أصبح قائدًا لمعهد المدرعات، ثم قائدًا لسلاح المدرعات. انضم إلى الحركة الإسلامية السودانية أثناء خدمته برتبة نقيب، وتم فصله من الجيش بعد اتهامه بالتورط في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2019، التي قادها رئيس أركان الجيش آنذاك، هاشم عبد المطلب، المعروف بانتمائه إلى الحركة الإسلامية.
أُعيد إلى الخدمة في يوم اندلاع الحرب، 15 أبريل 2023.
اضغط لقراءة التقرير باللغة الإنجليزية
https://ybit.in/JPKqM6
المصدر: صحيفة الراكوبة