عبدالحافظ سعد الطيب
الملحق الثاني
“كوز”: من توصيف سياسي إلى إدانة أخلاقية وتاريخية محكمة الشعب ضد الحركة الإسلامية السودانية
تمهيد: ثاني
ليست كل الكلمات في المعجم متساوية، فبعضها يحمل أثقال التاريخ، ويختزن في حروفه جراحًا وأحكامًا وثورات. في السودان، كلمة “كوز” خرجت من عباءة الانتماء التنظيمي لتصبح إشارة بليغة إلى الخيانة، والدم، والفساد، والاستبداد. هي ليست توصيفًا فكريًا لحركة الإسلاميين، بل حكم شعبي صادر من عمق المعاناة والذاكرة الدامية، وهو ما يجعلنا نبدأ هذه الوثيقة من هذه الكلمة بالتحديد.
: الجذر السياسي والتنظيمي لكلمة “كوز”
من حيث الأصل، “كوز” كلمة محلية سودانية تعني إناءً صغيرًا للماء، لكنها تحوّلت إلى مصطلح ساخر ثم ازدرائي في أوساط الجامعات، لتوصيف طلاب “الاتجاه الإسلامي” و”الجبهة الإسلامية القومية”. سرعان ما انتقل المصطلح إلى الفضاء السياسي الأوسع بعد انقلاب 30 يونيو 1989، وصار مرادفًا لكل من شارك أو دعم أو استفاد من مشروع “التمكين الإسلامي”.
لكن في سياق الدولة، تحوّل المصطلح إلى ما هو أكثر من توصيف، بل صار علامة على الانحطاط الأخلاقي والفساد الممنهج باسم الدين، وأداة لتجريم منظومة فكرية بأكملها استخدمت العقيدة لتبرير الاستبداد والنهب وتكميم الأفواه.
ثانيًا: لماذا تُعتبر “كوز” إهانة؟ أبعاد الانهيار الأخلاقي للحركة الإسلامية
وصف أحدهم بـ”كوز” اليوم ليس إشارة إلى عضوية تنظيمية فقط، بل هو اختزال لحقبة سياسية دموية اتسمت بـ:
1. الخيانة العقدية:
رفع الكيزان شعار “هي لله”، ثم حوّلوه إلى “هي لنا”، فخانوا مقاصد الشريعة، وألبسوا الفساد لباس الورع، وشوّهوا الدين في نفوس أجيال بأكملها. فمن قرّب اللصوص باسم الدين، ومن غطى جرائم القتل بفتاوى الجهاد، لا يستحق إلا أن يُدان.
2. الدم والمجازر:
لا يمكن فصل الكلمة عن الدم السوداني المراق في بيوت الأشباح، ومجازر دارفور، ومآسي الجنوب، وجرائم فض الاعتصام. كل شهيد هو شاهد على المعنى الحقيقي لـ”كوز”.
3. نهب الدولة وتمكين الطغمة:الفاسدة
خلال ثلاثين عامًا، أُفرغت مؤسسات الدولة من كفاءاتها، وزُرعت خلايا الولاء الأعمى باسم المشروع الحضاري. نهبوا البنوك، احتكروا التجارة، جففوا التعليم، وسحقوا الخدمات. “كوز” تعني لصاً يحمل مصحفًا ويقطع يد الفقير.
4. صناعة الأكاذيب والانقلاب على القيم:
هم من شيطنوا الثوار، وكذّبوا الأحرار، وصنعوا أدوات دعاية هزيلة لتشويه كل ما هو حر ومستقل. جعلوا من الإعلام بوقًا، ومن القضاء سوطًا، ومن المساجد منصات للخطابة السياسية.
🚩 “كوز” كمحاكمة ثورية لا تسقط بالتقادم
حين يهتف الشعب “كوز ندوسك دوس”، فهو لا يعبّر عن كراهية، بل عن وعي تاريخي بأن هذا التيار:
لم يخطئ فقط، بل أجرم.
لم يُخالف فقط، بل خان.
لم يُخدع فقط، بل خَدع.
والمحاكمة هنا ليست لحزب سياسي فشل في الحكم، بل لمنظومة فكرية وأمنية واقتصادية اغتصبت الوطن باسم الدين. هذه المحاكمة لا تحتاج لمحكمة جنايات فقط، بل لمحكمة ضمير، ومحكمة ذاكرة، ومحكمة شعب.
: سقوط التوبة التنظيمية دون اعتراف أو محاسبة
محاولات التوبة السياسية التي يروج لها بعض الكيزان اليوم ما هي إلا مراوغة لتأجيل الحساب. فالثورة لم تطلب التوبة، بل المحاكمة. لن تُغفر خطيئة الحرب والخراب و فض الاعتصام وغيرها بدمعة تمسحها في الإعلام، ولن يُنسى نهب الأموال العامة بآية تتلوها في منبر الجمعة.
لا تسامح دون كشف.
لا كشف دون اعتراف.
ولا اعتراف دون عقوبة.
🚩: الكوزنة كعقيدة ضد الوطن
أخطر ما في تجربة الحركة الإسلامية السودانية ليس فسادها فقط، بل أنها بنت عقيدة استئصالية تقوم على:
إقصاء الآخر.
شيطنة المختلف.
واغتيال الخصوم وحتى اخوانهم
احتكار الحقيقة.
وتحويل الدولة إلى آلة ولاء.
وهنا، تصبح “الكوزنة” تيارًا فكريًا لا بد من تفكيكه، لا فقط إسقاطه. فالثورات لا تقف عند تغيير الوجوه، بل تطهّر العقول.
🚩: من الكلمة إلى المعركة الفكرية
“كوز” ليست مجرد شتيمة، بل عنوان معركة وجودية بين شعبٍ يريد الحياة، وتنظيمٍ يهوى الاستعباد.
وإذا كان وصف أحدهم بكوز يُغضبه اليوم، فذلك لأنه يعلم أن هذه الكلمة تحمل في جوفها كل جرائمهم، وخياناتهم، وأوهامهم، وهي تذكرة حية بأن الشعب لم ينسَ، ولن يسامح، ولن يصالح على حساب دم الشهداء.
🛑 شهادة “الشيخ المؤسس”
مراجعات الترابي كإدانة فكرية من الداخل
ليس من باب التنكّب أن نبدأ بتذكير بسيط: حسن عبد الله الترابي لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل هو الأب الروحي والفكري لتنظيم “الحركة الإسلامية” السودانية، ومهندس انقلاب 30 يونيو 1989. لكنه أيضًا، وبنهاية تجربته، قدّم سلسلة من الاعترافات والمراجعات التي تصلح اليوم كحجج إدانة فكرية موثقة من داخل قلب الكارثة.
1. اعترافه بانقلابهم العسكري كمشروع لاهوتي سلطوي
في لقاءاته الأخيرة، قال الترابي بوضوح إنهم اختاروا طريق الانقلاب على الديمقراطية لأنهم رأوا أن السلطة هي طريق الدعوة، وهذا اعتراف صريح بأنهم:
«قلبوا الأولويات، وقدّموا التمكين السياسي على الإصلاح الديني.»
🚩هم من انتخب الاغتصاب وادخله كسلاح اذلال عنصري بغيض لم نصفهم بالأبرتهايد
بلسان شيخهم الترابي
واحد كبير من اللجنة قال لي بعد أن ادينا القسم جلسنا هكذا مع الذي ادينا القسم بين يدية فقال لنا يعني الغرباوية دي لامن واحداً جعلي ركبه ده شرف ولا اغتصاب (سيكون هذا موضوع مفصل وليس منفصل في ملحق)
لقد اختاروا السلاح بدل الحوار، والمكر بدل التدرج، والقوة بدل الإقناع. وهو ما يُدينهم كمشروع استبدادي منذ لحظته الأولى.
2. إقراره بموت الديمقراطية داخل التنظيم
في إحدى مراجعاته، قال الترابي:
«لم أعد أملك شيئًا، التنظيم لم يعد يستشير، ولم تعد هناك شورى، لقد صعدت فئة لا علاقة لها بالفكر أو القيم.»
بكلماته هذه، يعترف الترابي أن التنظيم الذي بناه تحوّل إلى ماكينة استبداد منغلقة تحكمها الغنائم والولاء الأعمى. لم يكن مشروعًا لإحياء الأمة، بل لتوزيع المناصب والثروات.
3. شهادته عن جرائم الحرب والمجاهدين
في مراجعة مروعة، قال إن كثيرًا ممن ذهبوا إلى الجنوب “للجهاد” لم يعودوا رجال دين ولا شهداء، بل عادوا:
«وقد تشبعوا بدماء القتال، وأفسدتهم الحروب وأصابتهم أمراض السلطة.»
بهذا الاعتراف، الترابي نفسه يُقر بأن مشروع “الدعوة بالجهاد” لم يُنتج مجاهدين ولا شهداء، بل قتلة مأجورين في خدمة سلطة دنيوية.
4. شهادته على مذبحة دارفور ووصمه للمشروع بأنه عنصري
قال الترابي:
«ما حدث في دارفور ليس فتنة، بل جريمة. وهناك من استخدم جهاز الدولة لتصفية الخصوم العرقيين.»
بكلماته، نقف أمام اعتراف خطير بأن الدولة الإسلامية التي بشروا بها، انتهت إلى دولة عنصرية موجهة لتطهير الداخل بدل تحرير الأمة.
5. توصيفه للكيزان أنفسهم بعد انشقاقه
في إحدى خطاباته في السنوات الأخيرة وصف القيادات التي واصلت حكم السودان بعد إبعاده بالقول:
«هؤلاء ليسوا إسلاميين، هؤلاء مفسدون في الأرض.»
بل ذهب لأبعد من ذلك في إحدى جلسات “ندوة الإصلاح والتوبة”، حين قال:
«أنا أخطأت، وخدعت الناس بشعارات لم تُنفذ، وأصبنا الدين في مقتل.»
هكذا، وبكل وضوح، يُعلن الشيخ المؤسس أن “الكوزنة” لم تكن انحرافًا عن المشروع الإسلامي فقط، بل كانت اغتيالًا له.
سابعًا: ضرورة إدراج مراجعات الترابي ضمن وثائق محاكمة الحركة فكريًا
ما قاله الترابي يجب ألا يُقرأ بوصفه ندم شيخ كهل، بل إفادة شاهد ملك على جريمة مكتملة الأركان:
جريمة فكرية انتهت بالاستبداد.
جريمة دينية شجّعت الكذب باسم الله.
جريمة أخلاقية سرقت الثورة ثم ثروات البلد.
جريمة سياسية دمّرت النسيج الاجتماعي والثقافي للسودان.
إننا ندعو هنا إلى جمع هذه الشهادات، وتأطيرها في وثيقة تُلحق بـ”وثيقة الإدانة الفكرية للحركة الإسلامية السودانية”، وتُقدَّم كمرجعية للتفكيك الشامل:
تفكيك الخطاب، لا فقط التنظيم.
إسقاط المشروع، لا فقط الحكومة.
محاكمة العقيدة التمكينية، لا فقط أتباعها.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة