عبدالحافظ سعد الطيب
الفصل الأول
: تمهيد من الكلمة إلى المعنى الثوري
في سجل الكلمات التي تكتسب معناها من دماء الشعوب، تحتل كلمة “كوز” في السودان موقعًا فريدًا، إذ لم تعد مجرد لقب حزبي أو اصطلاح دعائي. لقد صارت، بمرور العقود، اتهامًا شعبيًا مشحونًا بكل ما هو فاسد، وقمعي، ومخادع، وخائن.
ليست “كوز” شتيمة كما يتوهم البعض، بل هي اختزال ناطق لحقبة كاملة من الطغيان المنظم باسم الله، وهي محكمة أخلاقية مفتوحة في ضمير الشعب السوداني، لا تسقط بالتقادم، ولا تُغلق أبوابها بالصلح أو النسيان.
الفصل الثاني: من الإنتماء إلى الإدانة كيف تحوّل “كوز” من توصيف إلى تهمة؟
في الأصل، ظهرت كلمة “كوز” في الجامعات السودانية في السبعينيات والثمانينيات، لتصف أعضاء الاتجاه الإسلامي، وتحولت مع الزمن إلى اختزال شعبي لكل من ينتمي للحركة الإسلامية أو يدافع عنها.
لكن بعد انقلاب 1989، وبعد ثلاثين عامًا من التمكين الدموي والفساد الفكري والمؤسسي، تحوّلت الكلمة إلى شهادة إدانة سياسية وأخلاقية ودينية.
فحين يُقال اليوم إنك “كوز”، فهذا يعني أنك:
خائن للوطن باسم الدين.
قاتل تحت راية الجهاد الزائف.
مشارك في سحق الثورة وسرقة دم الشهداء.
منتفع من الخراب، تبرّرت له كل الوسائل.
مزيّف للوعي، وعبدٌ لمشروع الهيمنة والتمكين.
الفصل الثالث: سجل الجرائم حيث يتجلى معنى الكوزنة
لا يمكن وصف الحركة الإسلامية السودانية دون الوقوف عند سجلها الدموي والمعنوي، الذي يبرر تمامًا أن يتحوّل الانتماء لها إلى عار أبدي.
1. المذابح السياسية والدينية
بيوت الأشباح.
الحرب في الجنوب باسم الجهاد.
مجازر دارفور.
فض اعتصام القيادة العامة.
2. النهب المنظم للدولة
تفكيك الخدمة المدنية لصالح التمكين.
سرقة المال العام وتوظيفه للحزب.
خصخصة المؤسسات العامة لصالح قيادات الحركة.
3. احتكار الدين واستخدامه كأداة قمع
4. قمع الحرية وكراهية العقل
تدمير التعليم العام والجامعات.
قمع الصحافة والفكر.
شيطنة كل معارض باسم “عداء الإسلام”.
الفصل الرابع: الكلمة كحكم “كوز” كمحكمة شعب لا تستأنف
“كوز” ليست وصفًا بل حكمًا ناطقًا باسم الملايين.
وحين يهتف الشعب في الشوارع: “أي كوز ندوسو دوس”، فإن ذلك لا يُقصد به الفرد، بل ما يحمله هذا الفرد من رمزية استبداد وسرقة وعداء لقيم الثورة.
الكلمة باتت:
سلاحًا لغويًا يرد الاعتبار للضحايا.
شهادة ثورية توثّق الذاكرة الجمعية.
أداة تفكيك للخطاب الكاذب باسم الدين.
الفصل الخامس: مراجعات حسن الترابي شهادة الشاهد على الجريمة
من داخل البيت الإسلامي نفسه، أتى الشيخ حسن الترابي المؤسس والمفكر ليعترف بكارثية المشروع الذي قاده بنفسه. مراجعاته الأخيرة تمثّل وثيقة اتهام دامغة ضد التنظيم الذي بناه.
1. الانقلاب على الديمقراطية
“نحن اخترنا السلطة على الدعوة، وارتكبنا خطأً قاتلًا.”
2. نهاية الشورى وبداية الفساد
“التنظيم تحوّل إلى عصبة تحكم بالولاء لا بالفكر.”
3. جريمة دارفور
“ما حدث في دارفور ليس فتنة، بل تطهير باستخدام مؤسسات الدولة.”
4. فساد المجاهدين
“أفسدتهم الحروب، لم يعودوا شهداء بل قتلة في عباءة الجهاد.”من اعترافات الترابي
5. إدانة صريحة للتمكين
“كنا نظن أننا سننصر الإسلام، فخذلناه، وكنّا السبب في أزمته.”
هذه الاعترافات لا تنقذ الترابي من المحاكمة، لكنها تؤسس لاعتراف داخلي بأن المشروع كان شيطانياً من جذوره.
الفصل السادس: لا مصالحة قبل المحاسبة لا توبة دون تفكيك
لن يقبل الشعب السوداني المصالحة مع رموز الكيزان أو خطابهم قبل:
الاعتراف العلني.
التفكيك التنظيمي والفكري.
المحاسبة أمام القضاء والناس.
رد الأموال، ورد الاعتبار.
أما دعوات “التوبة السياسية” فهي محض محاولات ناعمة لإعادة إنتاج التمكين بأسماء جديدة.
ملخص : لا بد من إسقاط الكوزنة لا فقط الكيزان
الثورة السودانية لم تقم لإسقاط أفراد، بل مشروع.
ومعركتنا ليست فقط مع من قتلوا الثوار في القيادة وغيرها ، بل مع من غسلوا عقول الناس لثلاثين عامًا باسم الإسلام وهم يقيمون مملكة شيطانية.
الكوزنة ليست حزبًا… بل مرض في العقل والدين والسياسة.
وعلينا أن نُبرئ الثورة من هذا الداء، لا بالمصالحة، بل بالمواجهة.
الفصل الثامن: لا كهنوت في الإسلام تفكيك وهم “رجل الدين” و”موظف الفتوى”
الإسلام لا يعرف الكهنوت… لكن الكيزان صنعوه كما صنعوا الجنجويد الدعم السريع لايمكن فصل النتيجة عن السبب
من أخطر ما زرعته الحركة الإسلامية السودانية في الوعي العام أنها أسست لما يُشبه الطبقة الدينية، التي لا أصل لها في الإسلام، وهي طبقة:
تعتقد أنها تملك وحدها حق النطق باسم الله.
تتقاضى راتبًا من الدولة نظير فتواها.
تُسخَّر لخدمة النظام القائم، لا لخدمة الحق.
وهذا يخالف جذريًا ما جاء به الإسلام، دين الحرية الفردية في الإيمان، والمساواة في التكليف، والغياب الكامل لأي طبقة “روحانية” تتوسط بين الإنسان وربه.
لا يوجد في الإسلام ما يُسمى بـ”رجل دين”… بل يوجد عالم، ومجتهد، ومفسر، وكلهم بشر، يصيبون ويخطئون.
الدولة الإسلامية في عهد النبوة لم يكن فيها وزارة أوقاف
لم تكن هناك وظيفة “مفتي الدولة” ولا “موظف ديني”.
لم تكن هناك ميزانية تُصرف على “علماء السلطة”.
لم تكن الفتوى مرتبطة براتب، بل كانت اجتهادًا تطوعيًا.
نعم، هذا تأكيد مهم وجوهري ضمن مشروع تصفية “الك
وهنا يجب أن نسأل:
من أين جاء الكيزان بـ”دار الإفتاء”، و”إدارة التوجيه الديني”، و”أئمة الدولة” الذين يُعيِّنهم الأمن ويُفصلون بقرار سياسي؟
جعلوا من الإسلام جهازًا بيروقراطيًا تابعًا للنظام، لا عقيدة تحرر الناس من الاستبداد.
مؤسسة الفتوى المدفوعة = فتوى مأجورة
حين يتقاضى المفتي أو الخطيب راتبًا من الدولة التي تحكم، فإن استقلاليته تُصبح وهماً. وهنا تصبح الفتوى أداة سياسية، لا اجتهادًا حرًا.
في عهد الكيزان، تحوّلت الخطبة إلى منشور سياسي.
ودار الإفتاء إلى أداة شرعنة للقتل والسحل والتمكين.
وتم إعدام أصوات معارضة للدولة باسم “الردة” أو “الفساد في الأرض”.
وهكذا، صار الدين موظفًا لدى السلطان، بدلًا من أن يكون سلطة عليا على كل سلطان.
الثورة تُعيد الدين إلى موضعه الصحيح: خارج قبضة السلطة
من أهم نتائج الوعي الثوري اليوم أنه يُعيد التأكيد على:
أن الإسلام ليس دولة، بل دين.
وأن الدولة ليست راعية للإيمان، بل راعية للحقوق.
وأن العالم الديني لا يجب أن يُعيَّن، بل يُحترم بجهده، لا بمرسوم جمهوري.
والفتوى ليست وظيفة لها راتب ، بل اجتهاد حر.
والخطبة ليست إعلامًا رسميًا، بل خطاب ضمير.بدون راتب
ولا يجوز أن يُمنح رجل دين قوة قانونية أو أمنية.
نعم، كلامك يحمل جوهرًا مهمًا من أصول العقيدة الإسلامية، ويمكن صياغته بدقة على النحو التالي:
✅ في الإسلام:
> لا يوجد تحريم جديد ولا تحليل جديد بعد اكتمال الدين، لأن التحليل والتحريم من حق الله وحده، وقد تم بيانه في كتابه وسنة نبيه ﷺ.
📖 الدليل من القرآن:
> ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾
(الشورى: 21)
أي أن من يحلل أو يحرّم من دون الله، كأنما اتخذ شريكًا مع الله.
وَقوله تعالى:
> ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ (البقرة: 140)
في توبيخ من يحاول أن يضع أحكامًا تناقض ما أنزل الله.
🛑 لا يحق لأحد أن:
يُحرّم ما أحلّه الله (كالنعم، والطيبات، والعمل).
يُحلّل ما حرّمه الله (كال
ما العمل؟
لابد من اقتلاع هذا التشويه من الجذور، عبر:
حل كل المؤسسات الدينية الرسمية المرتبطة بالسلطة.
مجلس الافتاء الشئون الدينية والأوقاف فك ارتباطها من الكيزان
إلغاء وظيفة المفتي العام أو إخضاعها للاستقلال المجتمعي الكامل.
تحرير المساجد من قبضة وزارة الأوقاف، وفتحها لكل أصوات الأمة.
حظر صرف رواتب على الفتاوى والخطب الدينية من خزينة الدولة.
إن الدين في قلب الإنسان، وليس في درج الرواتب.
ولا قداسة لموظف ديني، ولا عصمة لفتوى تصدر من مكاتب مكيفة تابعة للدولة القاتلة.
خاتمة الفصل:
بغياب الكهنوت، يعود الإسلام ليكون دين الناس لا دين الدولة.
وبتفكيك المؤسسات الدينية الرسمية، نستعيد الدين المحرر من سلطة الطغاة.
فالإسلام الذي دافع عنه الحسين وثار باسمه الثوار، ليس هو الإسلام الذي سوّقه الكيزان عبر ميزانيات الحكومة وسياط الأجهزة الأمنية.
الفصل التاسع: التوصيات الثورية والفكرية لتصفية الكوزنة من السودان
هذه التوصيات لا تتعامل مع “الكوزنة” كأشخاص فقط، بل كعقلية، وكمنهج، وكشبكة سلطوية متداخلة في الدولة والمجتمع والدين والتعليم والإعلام.
أولًا: على المستوى السياسي والقانوني
1. سنّ قانون لـ”تجريم تنظيم ال”
تعريف الكوزنة كجريمة سياسية وأخلاقية تتعلق بالانتماء لتنظيم مسؤول عن جرائم حرب وفساد.
منع منسوبي التنظيم من تقلّد المناصب السيادية لعقدين على الأقل.
2. إنشاء لجنة “الحقيقة والمحاسبة”
تجمع شهادات الضحايا وتوثق الجرائم.
تقود إلى محاكمات جنائية داخلية ودولية.
3. تصفية جهاز الدولة من تمكين الكيزان
مراجعة كل التعيينات الإدارية التي تمت منذ 1989.
محاسبة كل من استغل موقعه لتصفية الخصوم أو نهب المال العام.
ثانيًا: على المستوى الديني والفكري
1. إلغاء المؤسسات الدينية الرسمية التابعة للدولة
حل دار الإفتاء، ومجالس العلماء، والإدارات الدينية الحكومية.
منع رواتب رجال الدين من خزينة الدولة.
2. إطلاق “منصة إسلام الثورة”
تضم علماء ومفكرين ثوريين يقدّمون تأصيلًا إسلاميًا للحرية والعدالة.
مواجهة فكر الكيزان باسم إسلام بديل: إسلام الشعب، لا إسلام السلطة.
3. مراجعة مناهج التعليم الدين
المصدر: صحيفة الراكوبة