اخبار السودان

الأولويات المقلوبة للمرة الثالثة السودانية , اخبار السودان

الأولويات المقلوبة للمرة الثالثة

صديق الزيلعي

أثار حواري مع الصديق أحمد عثمان عمر، ردود فعل واسعة. أغلب ما وصلني كان يشيد بروح الحوار، بعضهم يتفق مع رأيي، ومجموعة أخرى لا تتفق، تطرح اختلافها بروح موقرة تحترم الرأي والرأي الآخر. لكن هناك مجموعة، هي موضوع هذا المقال، مصرة على اتهامي بالانتماء لتيار الهبوط الناعم. ولم تنقطع رسائلهم وتعليقاتهم، حتى اليوم. بعضهم أصدقاء، اعتز بصداقتهم، يخاطبوني بروح يغلب عليها الشفقة. آخرون، أعرفهم، لا يعجبهم طرحي لذلك يستخدمون أسلوب التجريح العدائي. لا اريد الدفاع عن مواقفي، لكن أريد للحقيقة ان تكون واضحة امام الجميع. العم قوقل ” راجل خدوم ويحضر في الوقت المناسب، فقد ذكرني اليوم بمقال كتبته قبل سنوات، وللمصادفة جاء في نفس وقت هذا النقاش حول الهبوط الناعم. سأعيد هنا مقال كتبته كرد على نفس الاتهام.

الأولويات المقلوبة مرة أخرى

صديق الزيلعي

هناك اتهام لا يريد ان يزول، جوهره انني من أنصار الهبوط الناعم.

اتهمني الزملاء صديق عمر التوم ونضال رفاق وآخرون بأنني من أتباع الهبوط الناعم وأنني ضمن من حالوا جر الحزب لانتخابات 2020 وانني تأثرت بأفكار اليسار الأوربي العميل للإمبريالية. تجاهلت هذه الاتهامات الفطيرة، ولكن عندما تكررت رأيت الرد عليها حتى لا يتم البناء عليها للوصول لاستنتاجات خاطئة. ومن أصعب الأشياء تزوير المواقف المكتوبة والموثقة. أعيد هنا المقال، وهو الأول من سلسلة مقالات كتبتها في مايو 2018 للرد على دعاة الهبوط الناعم، والداعين للمشاركة في انتخابات 2020. وتم نشرها بالراكوبة وسودانايل والميدان. وكتبت في تلك المقالات ان الأولوية هي لحشد الجماهير والتحضير للانتفاضة. تم ذلك قبل 7 أشهر من انطلاق انتفاضة ديسمبر العظيمة.

الحوار حول الانتخابات والأولويات المقلوبة

صديق الزيلعي

تهدف هذه المساهمة لطرح رؤية مغايرة وبديلة للحوار السائد حاليا حول انتخابات 2020، وتستند على ضرورة معرفة مهام وواجبات واولويات المرحلة الراهنة من صراع شعبنا من اجل التغيير. النقطة المركزية، والأطروحة الأساسية، هي ان الحوار الحالي، رغم ضرورته وجديته وأهميته، طرح أولويات معكوسة، حيث قفز لانتخابات 2020، وتعامى عن نقاش المهام الآنية، والتحديات الماثلة امام قضية التغيير الديمقراطي، وواقع القوى السياسية، والمستوى الذي وصلت اليه حركة الجماهير السودانية، إيجابا وسلبا. إضافة لأن توقيت النقاش، في هذا الوقت المبكر، يصب، رغم جدية ومسئولية ووطنية من طرحوه، من طرفي الحوار، فيما تريده السلطة، وخططت له مبكرا، في إطار مسعاها المحموم، للقبول من المجتمع الدولي، حتى يساعدها في الخروج من ازماتها المستحكمة. وهذا المسعى يرتكز على تسويق نفسها، كقيادة مجتمع يخطو خطوات جادة في إقامة نظام ديمقراطي، تعددي، تتداول فيه السلطة، سلميا وعبر صناديق الاقتراع. وهذا الصورة الخادعة للإنقاذ تعتمد على، عدة محاور، منها إعلانها انها سمحت للأحزاب المعارضة بالعمل، وانشاء دورها، وإصدار صحفها. وأنها اجرت حوارا وطنيا، مسئولا ومطولا، بمشاركة أكثر من مائة تنظيم، توصل لحلول أساسية ومستدامة لمشاكل الحكم في السودان، وتم تشكيل حكومة بموجب قراراته وتوصياته، وهي التي تقود السودان حاليا، وليس حزب المؤتمر الوطني بمفرده. وكذلك انها حكومة تعمل جادة لإنهاء الحرب، وتوصيل الإغاثة للمحاصرين والمتضررين من اهوال الصراع المسلح، وتسعى بجدية لإعادة توطين النازحين في مناطقهم.

تتكون هذه المساهمة من مقدمة عامة، تمس اطروحاتها الأساسية، ثم يعقبها مقال لمناقشة الآراء الداعية للمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. وسيتم تكريس مقال منفرد للإجابة على السؤال: هل كما يقال ” انتهت “النقابات، و”ماتت وشبعت موتا”، وهل ستعلب أي دور في عملية التغيير القادم؟ ومقال آخر يناقش قضية مركزية في عملية التغيير وهي ضعف احزابنا السياسية المعارضة، الضعف أصبحت شماعة لمن يأسوا عن عملية التغيير. وسنجتهد وبموضوعية لمناقشة الأسباب الذاتية والموضوعية التي أدت لذلك الضعف، ثم نطرح تصورنا لكيفية معالجته وتخطيه، لتلعب احزابنا دورها الضروري والهام في حياتنا السياسية. ويأتي بعد ذلك مقال يناقش ويطرح المهام والواجبات العاجلة امام شعبنا وقواه الحية وتنظيماته السياسية والنقابية ومنظمات مجتمعه المدني والمتمثلة في مواجهة الآثار الكارثية لميزانية 2018، والتصدي للقضايا الاقتصادية والمعيشية، والحق المشروع في توفير الخدمات الأساسية على امتداد القطر، والرفض الإيجابي لممارسات دولة الجبايات. كما تشمل توحيد قوى المعارضة على برنامج الحد الأدنى، المجمع عليه، وانشاء مركزها الواحد الذي يقود وبوجه مجمل الأنشطة العامة، وتوحيد خطابها السياسي، وتمتين علاقاتها بالجماهير، والانتباه للنقد الذي توجهه الجماهير والعمل على معالجته بوضوح وشفافية، وتنويع نشاطاتها ومعاركها وتصديها الواعي لكل ما يمس حياة شعبنا، بكل تنوعها وزخمها. وان يتم اعداد البدائل لنظام ما بعد الإنقاذ، وعرضها للجماهير للالتفاف حولها.

(1) ابتدر الأستاذ السر سيد أحمد الحوار، حول انتخابات 2020، وهو مثقف جاد ومهموم بقضايا الوطن، وله اسهامات صحفية مميزة، منذ أيام تحريره لمجلة سوداناو الإنجليزية، أواخر عهد نظام مايو. ثم تصدت للمناقشة العديد من الأقلام الجادة التي انقسمت بين مؤيدي المشاركة ودعاة المقاطعة. وكل فريق يحمل ذخيرة حية من الحجج والاسانيد لدعم الرأي الذي يتبناه. أعلن سعادتي وترحيبي بهذا النقاش الحيوي وبالجدية في مناقشة قضايا الوطن وبالحوار الموضوعي حولها. ولا أؤيد عمليات التخوين بوصف من تصدوا للدفاع عن الدخول للانتخابات، بأنهم ينفذون اجندة اجنبية، وفي نفس الوقت، لا اتفق مع اتهام من يدعون للمقاطعة بأنهم اغلقوا عقولهم على تجارب الماضي، وانهم أسري للشعارات الجامدة.

(2) نقطة أساسية، يمكنها ان تساعد في فهم طرحي، هي ان التغيير القادم لا يتم بضربة واحدة، انتخابات أو غيرها. وانما هو عملية أو صيرورة مستمرة يتم فيها التراكم، البطيء أحيانا والسريع في أحيان أخرى، حتى يتوج بالنقطة الحاسمة للتغيير التي تحددها الجماهير وقواها المنظمة. هذا الفهم، يستدعي فهم الانتخابات وغيرها، في إطار هذه الصيرورة. ولن يحدث التغيير بمعركة واحدة، أو بضربة خاطفة، وانما بعدة معارك تتنوع بتنوع القضايا التي يعاني منها شعبنا، وأي مواجهة، مهما صغرت هي إضافة لهذه الصيرورة، وتعطي شعبنا ثقة إضافية حول قدراته وامكانياته في مواجهة النظام وغل يده، والاستعداد لهزيمته. كما ان دعوات البعض، والحالمين بتحريك الجماهير بالريموت كونترول، ودعوتها من علٍ، للقيام بعصيان مدني، أو اضراب سياسي عام، أو التظاهر، او المشاركة، او عدم المشاركة في الانتخابات، لن يجد الاستجابة ان لم يكن تتويج حقيقي لعمل قاعدي، صبور ومتواصل وملموس، يحس نبض الشارع، ويتطور مع تطور حركة الجماهير، ويفهم توازن القوى في اللحظة المحددة، لا يتعجل النتائج، ولا يتخلف عن المقاومة المتصاعدة.

(3) ضروري لمعركة شعبنا من اجل الديمقراطية ان نقتنع، بل نؤمن، انه لا ديمقراطية بدون أحزاب، وهي حقيقة اثبتتها تجارب شعوب العالم. وان واقع احزابنا الحالي هو تعبير دقيق وملموس عن واقع بلادنا بعد تحكم الإنقاذ لثلاث عقود من الزمن. الأحزاب السودانية، كلها، كبيرها وصغيرها، هي نتاج جهود مئات الألوف من السودانيين، الذين قدموا كافة أنواع التضحيات، وبذلوا جهود جبارة، على مر العصور، لتأسيس وبناء والحفاظ على سلامة تلك الأحزاب. إقامة نظام ديمقراطي مستقر يتطلب تقوية احزابنا، وجعلها أكثر ديمقراطية، وان نواجه بشجاعة سلبياتها بمنظور يهدف لتطويرها. لا يمكن لنظام دكتاتوري، او مجموعة شبابية، او تنظيم إسفيري، او مجموعة مثقفين، ان يلغي وجود الأحزاب او يتخطاها ليكون بديلا عنها. ونرى ضرورة حرية التنظيم للجميع، ان تتعايش كافة الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني المتنوعة، وتعمل معا في تناغم، وان نطبق الحكمة الصينية القديمة: دع مائة زهرة تتفتح.

(4) خطط نظام الإنقاذ، بخبث تام، وعمل بنشاط محموم، وإصرار مهووس، على إعادة تشكيل كل جوانب حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، على صورة فهمه الحزبي الضيق، وافقه القاصر عن استيعاب التغييرات التي عمت اركان العالم. ونجح في دمار كافة مؤسساتنا وعلاقاتنا وموروثاتنا. فهم وتحليل واستيعاب آثار هذه التغييرات الهيكلية والعميقة ضروري في أي حوار حول التغيير القادم وأهدافه ومناهجه واساليبه والقوى الاجتماعية التي ستنفذه.

(5) تعبير المجتمع الدولي تعبير فضفاض، فالدول الغربية والولايات المتحدة هي الأكثر نفوذا، والاقوى تأثيرا على السياسات الدولية. وهذه الدول لها استراتيجيات تنبع من مصالحها. والاعتماد أو المراهنة عليها مسألة لها ما بعدها. وأعتقد ان هناك حقيقة مُرة يجب التعامل معها، وهي ان السودان لا يشكل أهمية استراتيجية لتلك الدول الغربية (قارن مع كينيا مثلا). وكانت الدول الغربية مهمومة بالحرب في الجنوب. وبعد اتفاقية السلام تراجع الاهتمام. وأصبح التعامل حسب الاحتياج وبالقطاعي في قضايا محددة مثل الإرهاب والهجرة الدولية. وهذه القضايا تصب في مصلحة النظام، ويعرف جيدا كيف يستغلها. هذا لا يعني الغاء دور المجتمع الدولي بصورة كاملة ونهائية. فالمجتمع الدولي له تأثيره بسبب تشديد شعوب العالم على قضايا حقوق الانسان والتمسك بالاتفاقيات العديدة التي أصدرتها الأمم المتحدة ومست جوانب أساسية في الممارسات الدولية. وأيضا هناك ضغوط مستمرة ومؤثرة على الحكومات الغربية، من منظمات حقوق الانسان والنقابات ومنظمات التضامن وأحزاب اليسار والخضر وبعض النواب، لاتخاذ سياسات لصالح الشعوب التي ترزح تحت الدكتاتوريات وتعاني من التخلف الاقتصادي.

(6) العنف سمة مركزية في تفكير الاخوان المسلمين (بمختلف تسمياتهم). وقدم لهم قطب التبرير النظري في كتابه (جاهلية القرن العشرين). وما شاهدناه في الجامعات منذ احداث رقصة العجكو في 1968، ومرورا بمئات احداث العنف، منذ ذلك الحين وحتى يوم انقلابهم على النظام الديمقراطي في 1989، تأكيد لهذه الحقيقة. ثم بدأوا عهدهم بالجريمة البشعة لتعذيب واغتيال الشهيد على فضل، ثم عشرات الشهداء، والاف من تعرضوا للتعذيب في بيوت الاشباح، وقتل مئات الألوف في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وفي شوارع الخرطوم ابان هبة سبتمبر 2013. على كل من يعمل من اجل التغيير ان ينتبه لهذه السمة المركزية في تفكير الإسلاميين. وحدث، في ظرفنا الراهن، ترابط وتشابك بين أيديولوجية العنف والتمسك بالمكاسب الطفيلية الهائلة التي نهبت من موارد الشعب السوداني، مما يجعل القبول السلمي لقادة النظام بتفكيكه او القبول بالتغيير امرا مستبعدا.

(7) أزمات وطننا بدأت منذ نيلنا الاستقلال في 1956، مرورا بمختلف الانظمة السياسية. ولكن انقلاب الإنقاذ وممارساته كانت نقلة نوعية لتلك الازمات. فقد عمقها وعقدها وتشابكت الازمة الوطنية الشاملة مع التخطيط المتعمد لتخريب ونهب البلد، وجره جرا نحو الانهيار الكامل. رغم ان الازمة الشاملة، التي تسبب فيها نظام الإنقاذ، هي الأهم والأخطر والماثلة امام اعيننا. انها، وفي جوهرها، أزمة اقتصادية/ سياسية/ إثنية/ اجتماعية/ ثقافية /بيئية. لا يمكن تبسيطها بإرجاعها لعامل، مهما عظم شأنه وكبر تأثيره. فقط يمكن ارجاعها، لفاعل واحد ومعروف، هو نظام الإنقاذ. نضالنا من اجل التغيير، وتحقيق البديل الديمقراطي لدكتاتورية الإنقاذ، يجب ان يستصحب ويتعلم دروس اخفاقاتنا السابقة والراهنة.

( تعرضت المرأة السودانية لعنف غير مسبوق، وتخطيط مُمنهج لانتزاع كل ما نالته من حقوق. وتمادت السلطة عن طريق أجهزتها القمعية وقوانينها في اذلال النساء، كل النساء ن مع سبق الإصرار والترصد. وتحولت النساء، رغم هذا القمع المفرط، لقوة باسلة في مواجهة النظام، فتقدمت الصفوف في المظاهرات، وفي النشاط الطلابي، وشاركن بإيجابية في التنظيمات السياسية والشبابية والثقافية. وأصبحن رصيد حقيقي للمعارضة مما يستدعي التفكير في مشاركتهن في قيادة عملية التغيير، وفي تقنين حقوقهن في وثائق المعارضة الخاصة بالنظام القادم.

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *