الأحزاب السياسية ذات الأجنحة العسكرية السودانية , اخبار السودان
الأحزاب السياسية ذات الأجنحة العسكرية
خالد فضل
عيد سعيد ولكن، يكثر في الآونة الأخيرة تداول مسألة علاقة القوى المدنية الديمقراطية بقوات الدعم السريع التي تنخرط في قتال ضارٍ منذ 15 أبريل 2023م ضد القوات المسلحة، وظهيرها من الكتائب المسلحة لجماعات الإسلام السياسي بقيادة المدعو المصباح طلحة.
الفكرة المركزية والواضحة لكل صاحب بصيص من بصيرة هي رمي الآخرين بالداء المقيم في أوساط من يتبنون هذه الفكرة ويروجون لها على سبيل الدعاية المكثفة التي يبرع فيها الشموليون والديكتاتوريون أيما براعة، والدعاية يمكن أن تستند على كذبٍ صريح أحياناً، أو درهم حقيقة في قنطار كذب غالباً، ولكن من شدة كثافتها يمكن كذلك أن تضلِّل الكثيرين وهو المقصد الحقيقي لمهندسيها، فيما تتولى بعض الأبواق ترديدها بوعي أو بغير وعي ويصدقها البعض. ويمكن ملاحظة ذلك في مكبرات الصوت التي كانت تصك الآذان في أسواق الخرطوم وهي تنادي على التداوي بالأعشاب مثلاً، بحيث يمكن ببساطة إغلاق جميع المستشفيات والصيدليات وعيادات الأطباء إذا كانت قدرة تلك الأعشاب بكفاءة تلك الدعايات!!.
منذ اندلاع الحرب التي خطط لها جماعة الإسلاميين من فلول العهد المباد، انطلقت أبواق الدعاية، ليست ضد الدعم السريع الذي يقاتل جنوده في الميدان، بل ضد القوى المدنية الديمقراطية بصورة هستيرية، ومن منح أقل فسحة من تدبر لأمكنه ملاحظة ذلك، ولعل لسوء حظ مهندسي الدعاية وأبواقها أنّ الحزب الشيوعي كان قد انسحب قبل فترة ليست قصيرة من تحالفاته في قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني، فصارت الدعاية تستخدم لفظ (القحاتة)، ولو كان الشيوعيون ما يزالون جزءاً منه لكانت الدعاية أيسر وأكثر وضوحاً، فعوضاً عن التعمية بمصطلح القحاتة كان سيكون (الشيوعيون) وهي دعاية وفرية أصيلة لدى معظم جماعات الإسلام السياسي برد كل موقف أو رأي لا يلائم فكرهم الضحل وسلوكهم العطن إلى الشيوعيين. أما قحاتة فهذه تمثل لهم ساتراً تمويهياً مناسباً لمهاجمة قوى الثورة والتغيير بمن فيها الشيوعيين. وقد اعتمدوا على جهل الناس أو تجهيلهم المتعمد، أذكر أن أحد إخوتي وهو معلمي في مرحلة من مراحل التعليم العام، ظل يردد ذات الدعاية التي تتداولها الوسائط، سألته بجدية إن كان يعرف مكونات (قحت) الملعونة هذه ؟ فزمجر وغضب بحجة استعلائي عليه بطرح هذا السؤال، وما كنت مستعلياً على من علمني حرفاً فصرت له عبداً، ولكنني كنت أنوي السير معه في نقاش موضوعي حول استحالة اتفاق قوى إعلان الحرية والتغيير بمكوناتها الكثيرة هذه على تأييد الدعم السريع، فمنذ متى كانت القوى السياسية السودانية تتفق؟ بل في الحقيقة الروح الخلافية الحادة هي منقصة قومية هائلة تتفوق على الثروات السودانية المزعومة، لكن أستاذي ذاك تفاجأ بعدم معرفته في الحقيقة بتكوين (قحت) تفاجأ بسؤال بدهي لم يكلف نفسه في يوم من الأيام بالاستعداد له لأنّه وببساطة شديدة مثله مثل الملايين الذين تنطلي عليهم الدعاية الكاذبة فيصدقونها (صم لم) دون تفكير، ولا نبعد كثيراً إذ نشير إلى أن مترادفات (العقل والتفكير والتأمل والنظر) هي الأكثر دوراناً في القرآن الكريم ولكن أكثر الناس لا يعقلون!! وبالفعل فإن الأكثرية لا تعقل مثلما ورد في آيات كثيرة من كتاب الله القرآن! ومع ذلك تزعم جماعات الإسلام السياسي الجاهلة بالدين والمجهلة لمجموعات غير قليلة من المسلمين بريادتها وسيادتها وهي تسمم الفضاء المعرفي لهؤلاء البشر المساكين وعن طريق الدعاية المكثفة يجعلون الرؤوس الخاوية أعضاء مناسبة لوضع الطواقي ولف العمامة بيضاء ومكوية أو ربط عصابات شارة الحرب على الجباه!.
من الثابت في التاريخ السوداني المعاصر والوقائع المستمرة حتى يومنا هذا، أنّ الحزب السياسي الوحيد في السودان الذي يمتلك جناحاً عسكرياً مسلحاً هو تنظيم الإسلاميين، صاحب اللافتات المتنوعة والمتحورة من الإخوان المسلمين إلى التيار الإسلامي العريض، ولعل الذين كانوا في الجامعات من جيلنا عند قيام انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 30 يونيو 1989م، يعرفون جيداً أنّ أول نواة لتكوين الجيش الموازي (الدفاع الشعبي) كانت من عناصر طلبة ما يعرف بالإتجاه الإسلامي، ليصبح بعد ذلك هو الجيش الذي يحارب الكفار في الجنوب تحت دعاوى الجهاد، ولأن أبواق الدعاية الكاذبة يحاربون الحقيقة ولو كانت الشمس في رابعة النهار فإنهم يرمون القوى المدنية الديمقراطية بدائهم لينسلوا هم، مستغلين الجهل العميم وضحالة النظر والتأمل لدى الكثيرين، وينسون أن طبيعة تكوين كتائب مسلحة وجيوش مقاتلة ذات توجه عقائدي أو حزبي تتطلب بداهة وحدة في الفكرة والتنظيم وهو أمر لا يمكن تحقّقه بين قوى سياسية مدنية ديمقراطية متعددة يجمعها اتفاق حد أدنى على أفضل الأحوال، غير أن طبيعة التحالف المدني أساساً لا تعتمد على القوة المسلحة، وقد جربت القوى التي شكلت التجمع الوطني الديمقراطي تكوين قوات مسلحة لمواجهة القوات المسلحة للكيزان في حقبة التسعينات من القرن الماضي فلم تنجح لسبب بسيط هو أن طبيعتها المدنية السلمية لا تتسق مع التكوين العسكري، وهذه الطبيعة العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين تنضح من شعارهم (جهاد نصر شهادة) مع السيف أو البندقية عند بعضهم، وهتافهم المدوي (فلترق منهم دماء أو ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء) إنها حمامات دم لازمة، منهم ومنا، أو كل دماء الناس، في سبيل الله كما يزعمون، ولا نعلم سبيلاً إلى الإله الحق مرصوفاً بدماء عباده أجمعين، لكنها الدعاية البغيضة وشهوة التسلط والقهر تعمي الأبصار! ومن أسفٍ يصدقها كثير من السودانيين، وتنطلي حتى على من تتوسط جدران صوالينهم الشهادات العلمية البراقة، يصدقون ببساطة أن (قحت) و(تقدم) هي حواضن سياسية لقوات مسلحة قوية وشرسة، أسسها تنظيم الإسلاميين لتكون لهم ذراع بطش وقهر للخصوم ويكون قائدها (حمايتي)، وبكل سهولة ويسر تصبح تحت إمرة المهندس الشاب خالد يوسف (سلك) القيادي في حزب حديث نسبياً، رئيسه شخص بالغ الرقة والتهذيب جزل الخطابة رفيع الكتابة، منذ عرف في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم مشهود له بالاستقامة ومقارعة الديكتاتورية عمر الدقير، يصير بفضل الدعاية ربما المشير الذي يملي تعليماته إلى عثمان عمليات فيدك مقار جيش البرهان/ الكيزان دكاً، يا ربي نحنا هل جنينا أم عقولنا نصاح! أو أنّ نقابة موظفي الفندقة والسياحة المنضوين في التنسيق المدني الديمقراطي (تقدم) هم مجاهدو القينقاع بن قرطمة!!.
إنّ أبواق الدعاية مدفوعة الأجر الذين يظهرون على شاشات الفضائيات ومقاطع الفيديوهات والتسجيلات الصوتية لا يذكرون أبداً أبداً وعيد ونذير وتهديد أنس عمر أو الناجي عبد الله ومحمد علي الجزولي الداعشي وغيرهم من قيادات جيش حزب الحركة الإسلامية وهم يتوعدون الشعب السوداني بالحرب إن تم التوقيع على الاتفاق الإطاري والذي بموجبه سيتم إبعاد الجيش/ الدعم السريع من الحكم، وإلغاء كل قرارات قائد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، وإعادة تفعيل لجنة إزالة التمكين لحزب الحركة الإسلامية منذ 30 يونيو 1989م، وتكوين جيش وطني مهني موحد.
يتجاهل أبواق الدعاية كل ذلك لأن هدفهم هو طمس الحقائق وترويج الأكاذيب فيقولون بإصرار (قحت) ثم (تقدم) هي من أشعل الحرب وهي الجناح السياسي للدعم السريع، وأن الثوار الذين استشهدوا وهم يهتفون في الشوارع العسكر للثكنات والجنجويد ينحل مجرد (فطايس) كما كانوا يتداولون في قروباتهم على الوسائط في وصف ضحايا كل يوم دموي أريقت فيه الدماء منذ الانقلاب وحتى 15 أبريل، كل هؤلاء المدنيين العزل هم الحاضنة السياسية للدعم السريع؟؟؟؟، يقولون إنّك يمكن أن تكذب على كل الناس لبعض الوقت، وعلى بعض الناس كل الوقت ولكن من المستحيل أن تكذب على كل الناس لكل الوقت!!.
المصدر: صحيفة التغيير