الآليات الوطنية ونجاعة الحلول السودانية , اخبار السودان
الآليات الوطنية ونجاعة الحلول
خالد فضل
أكثر من مبادرة طُرحت على الساحة الوطنية مؤخرا ، من أجل وقف الحرب ومواصلة عملية الإنتقال السياسي نحو نظام ديمقراطي .
بعضها انطلق فيما يبدو من نقطة مشتركة ؛ هي الإنتماء لثورة ديسمبر المجيدة لذلك أحاول إبداء بعض الملاحظات الأولية حولها في هذه الكلمة .
استمعت إلى إفادات د. عائشة موسى السعيد عبر إحدى الفضائيات العربية، في الواقع لم تقدم السيدة المذكورة الكثير حول خارطة الطريق المطروحة من جانب الآلية الوطنية لدعم التحول الديمقراطي , وامتنعت عن الإفصاح عما تلقاه وفد الآلية الذي قابل الفريق البرهان ؛ قائد الجيش في بورتسودان (العاصمة المؤقتة للجيش ). في تلك المقابلة كانت د. عائشة تعمم الحديث بأكثر مما تفصّله،بيد أنّ ثم ملاحظات بدت لي من خلال ذلك , منها الحديث عن عزم الآلية مقابلة أو طرح خارطة الطريق تلك على كل القوى والكيانات السياسية ، وفي سبيل وقف الحرب لم تتردد في التصريح بأنهم بصدد مقابلة قيادة الدعم السريع .
لكنها استثنت من تلك المقابلات جماعة الحزب الإسلاموي المنحل (المؤتمر الوطني) هنا يتوقف المرء عند هذه المقطة تحديدا ، فمن المعلوم للعامة قبل الخاصة أنّ عناصر العهد المباد قد عادوا للظهور وتسيّد المشهد السياسي والوظيفي منذ إنقلاب البرهان /حميدتي في 25أكتوبر2021م، وإلى هذا الظهور أشار السيد حميدتي في خطابه عشية التوقيع على الإتفاق الإطاري بقاعة الصداقة _الخرطوم_ وهو يندد بذلك الإنقلاب ويعتبره خطأ أساسي .
وحينها كان حميدتي يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة الذي شكّله قائد الإنقلاب نفسه , وبالتالي فإنّ موقع الرجل يؤهله للحكم على نتائج إنقلاب كان هو نفسه شريكا فيه، هنا نصل إلى نقطة الإستثناء المطروحة من جانب الآلية الوطنية وهل بمقدور البرهان أن يتجاوز حلفاءه الإستراتيجيين من جماعة المؤتمر الوطني في سبيل وقف الحرب ومواصلة عملية الإنتقال المدني الديمقراطي السلمي ؟ كما أنّ خارطة الطريق المذكورة تتضمن تشكيل حكومة طوارئ مؤقتة بقيادة مدنية، هنا نعود إلى أطروحة تشكيل حكومة من جانب قائد الجيش، وهو الأمر الذي وصفه كثير من المراقبين بأنّه سيزيد من تعقيد الملف السوداني، فالأولوية تبقى دائما لوقف الحرب بين الفرقاء المتقاتلين، لأن تشكيل حكومة في بورتسودان في هذا الظرف يعني تشكيل حكومة مقابلة في الخرطوم من جانب قائد الدعم السريع ؛ وهو ما صرّح به في إحدى تسجيلاته الصوتية قبل فترة .
كما أنّ خارطة الطريق فيما يبدو تستند على منح الشرعية لقائد الجيش، وهو ذات الخطأ الذي جعل التحفظ والرفض التام لإتفاق ( البرهان حميدتي/ حمدوك) مما أضطر د. حمدوك لتقديم استقالته في خاتمة المطاف .
مبادرة أخرى طرحتها قوى ميثاق سلطة الشعب، وهي مبادرة تستند مباشرة على ذلك الميثاق الذي انتجته لجان المقاومة، وهو طرح يبدو مثاليا أكثر منه عمليا، فسلطة الشعب المرجوة لا تتحقق إلاّ عبر ممارسة سياسية مدنية سلمية، بينما واقع الحال يبدو مغايرا تماما للسلمية والحرية والمدنية نحن في واقع تحشيد عسكري رهيب يستغرق كل أرجاء الوطن، وفي أتون حرب ضروس لغتها القصف والمسيرات والدانات والقذائف والمضادات والإستنفار والإستهداف والفزع والاستقطاب وخطاب الكراهية والحرب والعنصرية والجهوية،خطاب يقع بين مفردتي ( جقم / بل) فأي سلطة للشعب تقع في هذا الموقع ؟ تظل الأولوية لوقف إطلاق النار والفصل بين المتحاربين وتحييد المستنفرين والمستقطبين، وتوصيل المساعدات الضرورية للإبقاء على حياة ملايين السودانيين الذين يتهددهم الجوع والمرض، وهذه الفرضية أي وقف الحرب لن تتحقق إلا بوجود الطرفين المتحاربين الرئيسين (الجيش/الدعم السريع) فكيف يتعامل ميثاق سلطة الشعب مع وضعية الدعم السريع _ الذي تستوجب ممارساته الإدانة _ بحسب ما تطرحه قوى الميثاق وهي تنتقد الأحزاب السياسية التي لم تقدم على هذه الخطوة .
ولعل هذا التقسيم بين قوى الثورة وشجب الأحزاب يعتبر واحاا من أهم أسباب وأد الثورة بالإنقلاب، ومن بعد نشوب الحرب كنتيجة أساسية للإنقلاب .
بقيت التحركات التي تتم في أديس أبابا وهي محاولة كذلك لخلق كتلة مدنية عريضة تناهض الحرب وتنشد التحول الديمقراطي، ولكن تظل معظم الأطروحات الوطنية يعوزها بصراحة شديدة عنصر مهم للغاية ( الجدية والمصداقية ) فهلا نتجاوز حواجز عدم الثقة والإستهتار والسبهللية إلى أفق أرحب أصبح واجبا على كل سوداني/ة أن يرتاده للخروج من جب الحرب إلى فضاء السلم والعدالة والحرية كما هتفت الشوارع بالملايين في اطار الثورة العظيمة هلا !!
المصدر: صحيفة التغيير