أطلقت السلطات المصرية اليوم الأحد، قائد فيلق البراء بن مالك، المصباح أبو زيد طلحة، بعد أن قبع خلف القضبان في المعتقل نحو أسبوع، وتم اعتقاله بعد أيام قليلة من وطء قدميه أرض مصر، حيث لجأت أسرته هربًا من جحيم حرب أبريل 2023 التي مزقت السودان، مخلفة وراءها ملايين من النازحين واللاجئين في مشهد إنساني مأساوي.
القاهرة ــ التغيير
وجاء إطلاق سراح المصباح أبو زيد طلحة، قائد فيلق البراء بن مالك، قبل ساعات من تنفيذ وقفة احتجاجية أمام مقر السفارة المصرية في بورتسودان، وهي الوقفة التي تبرأ منها فيلق البراء بن مالك قطاع البحر الأحمر في بيان رسمي اليوم.
توضيح المصباح
وأوضح المصباح في منشور له على صفحته بـ”الفيس بوك” أن السلطات المصرية أطلقت سراحه بعد اعتقال دام لأكثر من أسبوع، وذلك بعد أن أثبت التحقيق معه براءته من التهم الموجهة إليه.
وقال المصباح: “أقف اليوم أمامكم مرفوع الرأس، أحيي صبركم وثباتكم، وأشكر و وقفتكم الشامخة في وجه الحملات الكيدية التي حاولت النيل من عزيمتنا وتشويه صورتنا أمام العالم شاكرا وممتنا لكل دور عظيم عبرتم عنه بموقفكم الصلب”.
وأضاف “أوقفَتني السلطات المصرية لفترة وجيزة كإجراء طبيعى تقوم به أي دولة لاستيضاح الحقائق، إثر بلاغات كاذبة دبّرها أعداء السودان والحالمون بكسر إرادته ، هدفها الإساءة لشخصي وتشويه صورة قواتنا المسلحة وقوات الإسناد الخاصة ــ فيلق البراء بن مالك”.
وتابع “و بما أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، خرجتُ بحمد الله عزيزًا مكرمًا، مبرأً من كل تهمة وافتراء، لتبقى رايتنا بيضاء ناصعة، وسمعتنا نقية أمام العالم أجمع ، وقد أثبت التحقيق براءتي التامة، والحمد لله تم السماح لي بممارسة حياتي الطبيعية في بلدي الثاني مصر والآن اتلقى في علاجي بالمستشفى وأطمئن الجميع أنني بصحة جيدة وأجد اهتمامًا عالي المستوى.
وزاد: “هذه ليست المرة الأولى التي نخرج فيها منتصرين في ميدان الحقيقة ؛ فقد سبقت ذلك شهادة براءة من أشقائنا في المملكة العربية السعودية منذ عام ونيف ، وها هي مصر الشقيقة اليوم تؤكد مجددًا أن فيلق البراء بن مالك سند قواتنا المسلحة السودانية الباسلة، قوات منضبطة، وطنية، لا تعرف التطرف ولا تتورط في ما يسيء لقضيتنا العادلة ولا تنحاز سوى لمصلحة الوطن دون تدخل في شؤون غيرها”.
المصباح بمصر
بعد وصوله إلى أرض الكنانة، انخرط المصباح في زيارات ونشاطات يبدو أنها لم تعجب السلطات المصرية، خاصة بعد أن أصبح عدد من السودانيين يستقبلونه بهتافات إخوانية لا ترضي النظام المصري الذي يكن عداءً لهذه الجماعة التي يصنفها كجماعات إرهابية.
ورغم ذلك، لم يقلل قائد فيلق البراء من تلك الزيارات والنشاطات الاجتماعية، حيث ظهر في آخر نشاط له في محطة رمسيس للقطارات في وداع السودانيين العائدين إلى ديارهم، وهو يلوح بعصاه كأنه في المعركة وأمام جنوده.
والتقط معه عائدون صور تذكاريه بحسب رؤيتهم أنه واحد من القيادات التي عملت على “تنظيف” الخرطوم من قوات الدعم السريع التي ارتكبت جرائم مروعة في حق المدنيين، شملت القتل والاغتصاب والاختفاء القسري، وشرّدتهم من وطنهم.
وعقب إطلاق سراحة ظهر المصباح في فيديو متداول يتحدث فيه عبر مكالمة هاتفية “فيديو” مع والدته من طائرة قبل إقلاعها إلى بورتسودان يخبرها فيه أنه تم إطلاق سراحه وحاليا في طريق عودته إلى السودان.
و أكد مصادر مطلعة لـ «التغيير» أن السلطات المصرية عقب إطلاق سراح قائد البراء بن مالك أصدرت قراراً بترحيل المصباح إلى السودان و أنه غير مرغوب فيه بالتواجد على أراضيها.
حملات تضامن
ونشطت مجموعات موالية لفيلق البراء بن مالك عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تحت وسم “كلنا المصباح” و”أطلقوا سراح المصباح”. ودعت هذه المجموعات قائد الجيش للتدخل بشكل عاجل لإنقاذ المصباح أبو زيد طلحة، لجهة أن ظروفه الصحية لا تسمح بتواجده في الاعتقال.
في حين لم تصدر السلطات المصرية أي توضيح بشأن هذا الاحتجاز، مما أثار حفيظة الموالين له، حيث أصبحت بعض الشخصيات المحسوبة على فيلق البراء بن مالك تنشط في المطالبة بإطلاق سراحه.
تدهور حالته الصحية
قال القيادي بفيلق البراء علي صلاح الدين في صفحته الشخصية بـ”الفيس بوك”: إن المصباح يقضي يومه السادس في معتقل الأمن المصري، دون أي توضيح من السلطات المصرية أو تحرك من الدولة السودانية بشأنه، وحالته الصحية متدهورة.
و أضاف “نطالب الحكومة، وعلى رأسها البرهان، بالتدخل العاجل والفوري لإطلاق سراحه وحمايته، ونحمّلها المسؤولية الكاملة عن صحته وسلامته”.
و أشار إلى أن قائدهم قدّم في سبيل عزة وكرامة هذا الشعب كل غالٍ ونفيس، ولم يدّخر جهداً ولا تأخر عن ملحمة من ملاحم معركة الكرامة الوطنية، و أن له في كل موضع بطولة حضور فاعل ، وفي كل معركة سهم وفي كل تقدّم نصيب وفي كل انتصار حظ وافر بحسب زعمه.
ونوه إلى أن السلطات المصرية لم توضح حيثيات هذا الاعتقال، رغم أن المصباح دخل بصورة رسمية وتحت مرأى و سمع أجهزة الدولة الأمنية في ممصر.
وطالب القوات المسلحة، بقيادتها العليا، أن تتحمّل مسؤوليتها الوطنية عبر تدخل حاسم و واضح، وكشف الحقائق للرأي العام دون مواربة، لأن قضية المصباح لا تخص حزبًا أو قبيلة، بل هي قضية معركة الكرامة بكل أذرعها ومكوناتها، بما في ذلك المقاومة الشعبية، وقضية لكل الشباب المجاهد والمقاوم الذي قاتل لأجل أن تكون بلاده حرة وانسانها عزيز”. على حد قوله.
إعتقال مبهم
وفي المقابل، قالت مصادر لـ «التغيير» إن قائد البراء المصباح تم اعتقاله صباح الثلاثاء الماضي، من مقر إقامته بمنطقة العجمي التابعة لمحافظة الإسكندرية، بعد أن اقتحمتها عناصر أمنية وأضافت المصادر.
وأضافت أن القوات فتح باب الشقة التي يتواجد بها المصباح مع أسرته دون أن تكشف هذه القوة عن هويتها.
وأوضحت المصادر أن الوضع الصحي للمصباح متدهور بسبب ظروف الاعتقال التي استمرت لأكثر من 6 أيام.
وأكدت المصادر أن قائد فيلق البراء يتلقى العلاج في أحد المستشفيات التابعة للأمن المصري وسط تكتم شديد على حالته الصحية، خاصة وأنه يعاني من مرض السكر الذي أثر على نظره بسبب تواجده في العمليات لفترة طويلة ولم يقم بمراجعة الأطباء طوال تلك الفترة.
اتصالات مكثفة
وتشير التسريبات إلى أن المصباح شارك في نشاط ديني غير مصرح به يخالف شروط الإقامة في مصر، مما أدى إلى اعتقاله، بينما أكدت مصادر عليمة أن مسؤولين في مجلس السيادة أجروا اتصالات مكثفة مع مسؤولين في القاهرة بغرض تسريع إطلاق سراحه، حتى لا يؤدي هذا الاعتقال إلى إحداث شرخ بين الجيش والمجموعات الإسلامية التي تقاتل إلى جانبه.
بدوره، يرى الصحفي و المحلل السياسي المهتم شوقي عبد العظيم، أن اعتقال قائد البراء بن مالك، المصباح بن طلحة، سيؤثر على علاقة الإسلاميين مع بعضهم البعض.
وقال شوقي لـ «التغيير» : إن قيادات الإسلاميين تتصور أن الجيش ومصر كلاهما في يد التنظيم وقادرون على التأثير على قيادة الجيش، وأن الإسلاميين من الأقل درجة كانوا مقتنعين بهذه المسألة.
وأشار إلى أن اعتقال المصباح كشف أنه لا يوجد سقف للسيطرة الإسلامية على العلاقة مع مصر والجيش، وأن الجيش لم يستجب لضغوطهم، ومصر لم تستجب للضغوط المباشرة أو عبر الجيش، وهذا ما سيؤثر على علاقة القواعد بقيادة الجيش، خاصة وأنهم يرون أن القيادة تتعامل بتهاون مع اعتقال المصباح.
ولفت إلى أن الاعتقال يؤكد علاقة الكتائب مع المجموعات المتصارعة داخل الإسلاميين، لأن هناك مجموعات لم تتحدث عن اعتقال المصباح، ما يؤكد وجود خلافات، خاصة بعد مقتل مجموعات من كتائب العمل الخاص في أم صميمة، وقوات فيلق البراء لم تنعِ هؤلاء القتلى.
وأوضح أن الاعتقال سيؤثر في علاقة الإسلاميين بمصر، لأن علاقة الجيش بمصر عابرة للصراعات السياسية، ومصر تريد الاحتفاظ بعلاقة مباشرة مع الجيش بعيدًا عن تلك الجماعات. ورأى عبد العظيم أن سبب الاعتقال هو أن مصر لا تتهاون في أمنها، لأن الزيارة جاءت محددة بغرض العلاج وزيارة الأسرة في الإسكندرية منذ بداية الحرب، لكن كان له نشاط سياسي خرج عن إطار الزيارة، مما أدى إلى اعتقاله بغرض الاستجواب والحصول على معلومات، ومن ثم إطلاق سراحه.
يرى عبد العظيم أن ما حدث يمكن أن يحدث وقيعة بين الجيش السوداني والحركة الإسلامية التي ترى في أن هذا الاعتقال رسالة لقادة التنظيم بأن الجيش ليس معهم وإنما يمكن أن يسلم قادته إلى دولة مصر التي تصنف الإخوان المسلمين بأنهم مجموعات إرهابية.
وكانت السلطات السعودية اعتقلت المصباح في يونيو من العام الماضي لعدة أيام بعد وصوله لاداء شعيرة العمرة، ولم تتضح حينها ملابسات الاحتجاز أيضًا.
بدوره يرى المحلل السياسي البروفيسر صلاح الدومة أن الأسباب عديدة لاعتقال قائد كتائب البراء المصباح طلحة من قبل السلطات المصرية أهمها، وظهوره في نشاطات جماهيرية في مصر و دوره في عملية تفويج بصات العالقين، فضلاً عن صناعة الحشود الجماهيرية، وظهوره في أوساطتها، وأشار إلى أن المصباح ذهب إلى مصر، لعدة أسباب منها الإجتماعية، ومنها الصحية، ومنها التنظيمية.
و اعتبر الدومة أن قائد الجيش و رئيس المجلس السيادي الجنرال عبد الفتاح البرهان مسلوب الإرادة أمام الإسلاميين، وفي ذات الوقت، مسلوب الإرادة أمام الحكومة المصرية.
المصدر: صحيفة التغيير