صباح محمد الحسن
طيف أول:
عندما تبدو الملامح باهتة يظل ضوء الشمع بلا قيمة!!
ولأن مصر ترفض تشكيل حكومة موازية في السودان، فهي بلا شك بحاجة إلى إثبات ذلك الرفض عبر توطيد علاقتها السياسية بالحكومة السودانية أكثر، بجانب موقفها الداعم والمعلن للسلطة الانقلابية.
لهذا ترى أنه لا بد من تقديم السند لسلطة الأمر الواقع ببورتسودان، عبر الاعتراف بحكومة كامل إدريس، وهو ذات الإثبات الذي تحتاجه حكومة رئيس الوزراء لتأكيد ذاتها عبر حضورها الإقليمي والدولي، حتى تتخلص من الشعور بالدونية. لذلك فإن مصر تبسط يدها لإدريس حتى تجعلها مغلولة عن تأسيس، لأن قلقها من حكومة بقيادة الدعم السريع أكبر من قلق السلطة الانقلابية في السودان.
فالبرهان والقيادات الإسلامية لا يزعجهم تشكيل حكومة في دارفور، فالفلول عملت على فصل إقليم دارفور عسكريًا، لطالما أنها ظلت تتوق لفصله جغرافيًا وفشلت مساعيها، فلا يهمها أن شكّلت الدعم السريع حكومتها في دارفور، على العكس، فقد ترى أن ذلك يخفف عنها عبء المسؤولية في الإقليم.
ومصر أصبحت مهمومة بهذا الحراك السياسي لتأسيس نحو تشكيل الحكومة ، وأعلنت عن موقفها الرافض له، ودعمت خطوات أفريقية لمناهضته، حتى توصلت مع دول أخرى إلى صياغة رؤية موحدة عبر مجلس السلم والأمن الأفريقي لإعلان موقف أفريقي موحد ضد حكومة تأسيس.
فما وجده إدريس من اهتمام أكبر ، ما كان ليجده لو لم تكن الدعم السريع قد أعلنت عن حكومتها، لذلك تحدثنا من قبل أن إعلان حكومة تأسيس يساهم في تعطيل حل الأزمة السودانية.
فمصر تقصد باعترافها بحكومة إدريس منع حكومة تأسيس من الحصول على أي “اعتراف مشابه” ، ولكن هل تكفي الحصانة المصرية لرئيس مجلس الوزراء؟ بالطبع لا..
لأن زيارة إدريس زيارة تقليدية لدولة لها علاقات جغرافية وتاريخية مع السودان، بالإضافة إلى ما يجمع البلدين من مصالح سياسية واقتصادية، وقد درج قادة السودان على أن تكون مصر أولى محطاتهم الخارجية.
لذلك فإن الزيارة تؤكد أن كامل إدريس غير قادر على التحرك إلا في المساحة الجغرافية الإقليمية للبرهان، التي لم يستطع تجاوزها منذ الانقلاب، ما يعني أن إدريس لم يحصد مكسبًا جديدًا للسلطة الانقلابية “كلاعب دولي” . لذلك تُعد الزيارة خطوة متواضعة، وتكرارًا لجهود بذلها البرهان من قبل ولم تَقِه شر قرارات وعقوبات دولية جعلته أسير وحدة وعزلة. وإن حاولت الدعم السريع التعامل مع الخطوة بالمكر السياسي، فإنها لن تتردد في إرسال وفد إلى دولة أفريقية ويمكن أن تستقبله أيضًا بحفاوة، فترد الهدف إلى شباك حكومة كامل إدريس وتعيدها “مُقعدة” كما كانت، وهذا وحده ما يؤكد أن الزيارة ليست عصية على التخطي السياسي .
وهنا بلا شك تكون الخطوة ساهمت في تعقيد المشهد السياسي، مما يتعارض مع الرؤية المصرية نفسها كطرف في الحل، والتي قالت مصر إنها تدعم عملية الحل السلمي ووقف الحرب.
جاء ذلك في تصريحات سابقة على لسان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أن بلاده ستشارك في الرباعية بشأن السودان، بمشاركة عدد من الدول ذات التأثير الإقليمي والدولي، بهدف التوصل إلى تسوية تنهي الحرب المستمرة في البلاد.
وأوضح أن مصر ترى في الحل السياسي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، مؤكدًا أن بلاده لا تؤمن بجدوى الحلول العسكرية في المنطقة، سواء في السودان أو ليبيا أو غيرها من الدول. وهي تصريحات دعمت رؤية الرباعية التي أصبحت مصر جزءًا منها، هذا ما سبق اجتماع واشنطن، ولكن ماذا بعده؟
فهل الانحياز إلى أحد طرفي الحرب يضع حجرًا جديدًا أمام طريق السلام؟ علمًا أن إزاحته من دول كبرى شددت على ضرورة الالتزام بالحل المطروح لن يكون أمرًا صعبًا. فهذا التوقيت تحديدًا لا يفيد الحكومة بشيء، لكنه قد يعجل بحل، قد يتخطى الحسابات السياسية!! .
لذلك، وإن ظن إدريس أن الزيارة تشكل إضافة له، فلا بد أن تدرك مصر يقينًا أنها تخصم من دورها على مسارح الحل الدولي، هذا إن لم تُبعدها عن الرباعية، لأن نقطة الخلاف بينها وبين الرباعية هي في المقام الأول إبعاد طرفي الصراع من الحكم.
فالخطوة تأتي بنظرة ضيقة، لأن حكومة الدعم السريع لا تستحق كل هذه المجازفة التي تدفع مصر لخلق مشاعر جفاء بينها و المجتمع الدولي، لأنها حكومة بلا مستقبل، ووجودها لا يتجاوز محاولة الكسب السياسي للدعم السريع، وهذا ما كان يجب أن تدركه مصر دون الالتفات إلى الاستفزاز السياسي!!
طيف أخير :
مجاعة الفاشر قد تكون بوابة الوجود الدولي لإنقاذ حياة الآلاف من المواطنين الذين يحاصرهم الدعم السريع، فالأوضاع الإنسانية بالغة السوء تنذر بمأساة قد لا تجعل الصمت يطول امامها.
المصدر: صحيفة التغيير