أطياف
صباح محمد الحسن
حكومة تتسلل خفية، ولا تستطيع حماية نفسها، هي بالتأكيد غير جديرة بحماية المواطن!
طيف أول:
هي ذاتها المعاني التي ذابت في غسق الغياب، وتعثرت فوق أشلاء الانتظار!!!
وكشفت الحكومة الموازية لتأسيس، بقيادة الدعم السريع، عن مجلس رئاسي برئاسة محمد حمدان دقلو، ونائبه عبد العزيز الحلو، ومحمد حسن التعايشي رئيسًا لمجلس الوزراء، في خطوة جاءت لتؤكد وتكشف عجز قوات الدعم السريع وفشلها العسكري في الفاشر، والذي أرادت تغطيته بتحرك سياسي، فكلما فشلت الدعم السريع على الأرض، انتقلت إلى مربع السياسة لتشغل الرأي العام بأخبار حكومتها.
والفاشر ظلّت محاصرة لشهور، يعاني المواطن فيها القتل والمرض والجوع.
ومنذ خروجها من الخرطوم، تعاني قوات الدعم السريع من حالة تشظٍ واضحة وفقدان للأرض والمدن، جعلها لا تملك سوى الظهور كل يومين، تارة بالإعلان عن نفسها، ومرة بأداء القسم.
لكن هذا الاستعراض السياسي يتناقض مع حالة البؤس التي يعيشها الإقليم، ويتناسب مع حالة الضعف التي تعيشها الدعم السريع.
ففي اللحظة التي تغرق فيها مدينة الفاشر في أتون حرب ضروس، يحصد فيها الموت الأرواح بلا رحمة، والجوع ينهش أجساد المواطنين الأبرياء، يأتي التحالف بخطوة تشكيل حكومة معلنة رسميًا، تعبّر عن انفصال سياسي جديد، لا يقل خطورة عن إعلان الانفصال الجغرافي الذي عرفناه من قبل، لطالما كان ولا يزال من أخطر الجروح على قلب الوطن.
ويجب ألا تعتقد “تأسيس” أن تشكيل حكومة في ظل هذه الظروف يُعد إنجازًا سياسيًا أو مغامرة، بل “مقامرة” ورهان غير محسوب، لا يعني إلا القفز في المجهول دون ضمانات، تدفعه الرغبة في فرض واقع بالقوة، واستغلال ضعف المواطن وقلة حيلته. ومع هذا الفتك بمصير الوطن، في واقع يشير إلى أنه يتفتت.
فبربكم، كيف تسمي “تأسيس” حكومتها حكومة سلام وهي عاجزة عن توفير الأمن والحماية للمواطن!!
وكيف تتحدث عن إنصاف مواطن الإقليم وهي الظالمة التي تفرض عليه حصار الجوع والخوف والمرض؟ وكيف يمكن الحديث عن سلطة جديدة، بينما لم تُطوَ صفحة الحرب، ولم تُمد يد السلام، ولم تُجبَر دموع الأمهات على الجفاف!!
إن هذه الخطوة لا تعكس إرادة شعب يسعى للنجاة، بل تعكس رغبة طرف في ترسيخ واقع عسكري على حساب وحدة السودان.
كما أن أخطر ما في هذه الخطوة أنها تكرّس منطق الانقسام، وتفتح الباب أمام سيناريوهات التقسيم، ليس فقط جغرافيًا، بل اجتماعيًا وثقافيًا. وحين تُبنى الحكومات على أنقاض المدن، وتُعلن السلطات من فوق ركام المستشفيات والمدارس، فإنها لا تحمل مشروعًا وطنيًا، بل مشروعًا فئويًا يُعمّق الجراح، ويُطيل أمد النزاع.
فالسودان لا يحتاج إلى حكومتين، ولا يحتمل المزيد من التجزئة. ولا قيمة لحكومة تُبنى على ركام الحرب، بل إلى إرادة جماعية تُعيد بناء الوطن. فلا حكومة قبل السلام، ولا سلطة قبل إيقاف الحرب، ولا مستقبل قبل أن يُدفن صوت الرصاص، ويعلو صوت السلام.
ولو أن جميع أعضاء حكومة “تأسيس” وصلوا إلى نيالا قبل أربعة أيام من إعلان الحكومة وسط تكتم إعلامي لدواعٍ أمنية، فهذا وحده يؤكد أن “تأسيساً” تضع العربة أمام الحصان.
فحكومة لم تستطع العودة إلى نيالا علنًا، ووصلت إلى المدينة “بالدس”، فهذا يعني أن قادتها يخشون الموت والاغتيالات. فطالما أنها غير قادرة على حماية نفسها في المدينة، فكيف لها أن توفر الحماية للمواطنين؟ وكيف يثق المواطن في حكومة تتسلل خفية لتصله؟ والسؤال: أليس من الأولى أن تفرض الدعم السريع سيطرتها الكاملة على الإقليم، ومن ثم تعلن عن حكومتها؟
فهذا التشكيل لا يمكن أن تصفه قيادة “تأسيس” بأنه خطوة نحو الاستقرار، بل عليها أن تتحمل مسؤوليته المباشرة، كونه يتسبب في إعادة إنتاج الأزمة بشكل أكثر تعقيدًا.
وبهذا التاريخ، يكون الجنرالان في حرب السودان قد فشلا في مشروعهما القومي الذي تصارعا عليه، وقتلا أكثر من 160 مدنيًا، وتسببا في نزوح الملايين، ودمّرا السودان أرضًا واقتصادًا وبنية تحتية. وفي نهاية المطاف، اكتفى كل واحد منهما بمنطقة جغرافية تخصه، وتركا السودان وشعبه على حافة الضياع، ولكن لا مستقبل لمن لا يجيد قراءة المستقبل!!
طيف أخير
المنظمة الدولية للهجرة: نزوح نحو 1,070 شخصًا جراء أمطار وسيول في ولاية نهر النيل. وحكومة “الألم” تقرأ آخر كتب الفلسفة لتتمكن من مخاطبة الشعب السوداني!!
المصدر: صحيفة التغيير