اخبار السودان

استرداد الخرطوم (هُزمت المليشيا الإرهابية ولم ينتصر الشعب)

د. أحمد عثمان عمر المحامي

د. أحمد عثمان عمر

 

(1) بعد عامين كاملين من سيطرة المليشيا الإرهابية على العاصمة الخرطوم وكل رموز السيادة فيها، وانسحاب الجيش المختطف من مواقعه ومعسكراته وتركه المواطن لقمة سائغة للجنجويد يفعلون به ما يشاؤون، تمكن الجيش المختطف ومليشياته الحليفة (الإسلاموية صاحبة السلطة الفعلية والانتهازية المرتزقة)، من استرداد المدينة الحزينة المغتصبة، إثر انسحاب المليشيا الإرهابية المنظم منها. وحين نقول إن الانسحاب مُنظم فإننا نعني تماما ما نقول، بدليل عدم وجود أسرى قياديين أو مؤثرين من مليشيا الجنجويد، والانسحابات الواسعة والتقدم المفاجئ للجيش المختطف ومليشياته بعد فشل استمر لعامين، وغياب اي عتاد أو سيارات قتالية للعدو تم استلامها من قبل المنتصر، ولضعف الاشتباكات نفسها التي تمت مع جيوب ومجموعات صغيرة إما أنها تمردت على قيادتها ورفضت الانسحاب، أو أنها بقيت تقاتل تغطية للانسحاب لا للدفاع عن المواقع. وفي كل الأحوال، انسحاب المليشيا الإرهابية، أيا كانت أسبابه، هو هزيمة مؤكدة بالنسبة لها، مهما حاولت انكار ذلك وتحدثت عن إعادة تموضع أو إعادة انتشار أو تغيير بنك الأهداف والتركيز على دارفور والغرب والاستعداد لمهاجمة الشمال، لأنها فقدت العاصمة وجميع رموز السيادة الوطنية، ولم يعد لها وجود يعطي سلطتها واقعية تسعى لشرعنتها المستحيلة عبر اتفاق نيروبي السياسي ودستوره غير الشرعي، لتبني فوقها إعلان حكومتها غير الشرعية.

(2) وبالطبع هزيمة المليشيا الإرهابية وإجبارها على الانسحاب من العاصمة، سواء حدث ذلك بقتال أو بدونه، فهو هزيمة لها، لكنه ليس انتصاراً للشعب وان قاد لفرحة نابعة من الإحساس بالغبن والقهر الذي تسببت به هذه المليشيا المجرمة، لأن من انتصر هو الطرف الآخر الذي صنع المليشيا وانجز معها مهمة انقلاب القصر لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة باسم اللجنة الأمنية للإنقاذ، وكون معها مجلس الانقلاب العسكري، الذي فرض نفسه كمكون عسكري على التسوويين من المدنيين عبر الوثيقة الدستورية المعيبة التي وضعت لاحتواء الثورة توطئة لتصفيتها، وارتكب معها مجزرة القيادة العامة، وواصل معها قتل المتظاهرين السلميين لسنوات خلال حكم حكومة شبه المدنية، ونفذ معها انقلاب الخامس والعشرين من شهر أكتوبر 2021م، وارتكب معها جريمة إشعال الحرب الماثلة لتصفية الثورة، واستمر معها في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأفصح عن انتمائه الواضح للحركة الإسلامية المجرمة ومشروعها، وهو لا يُخفي عمله من اجل عودة تمكينها واستمرار سلطتها. والناظر لفيديوهات الانتصار المبثوثة عبر الميديا، يرى فيديوهات العودة إلى دار المؤتمر الوطني في الخرطوم، ومنزل الترابي، وحديث قائد مليشيا البراء من أمام سفارات، وقبل ذلك رفعه للعلم في القصر الجمهوري، ويربط ذلك بتعديلات الوثيقة الدستورية المعيبة غير الشرعية، التي تقيض لسلطة الأمر الواقع غير الشرعية الاستمرار في الحكم كواجهة للحركة الإسلامية المجرمة منفذة انقلاب اكتوبر 2021م مع الجنجويد.

(3) انتصار الجيش المختطف وميليشياته الحليفة الذي سيُجير حتما لمصلحة الحركة الإسلامية المجرمة، وهو بالتأكيد ليس انتصارا للشعب لأنه يهدف لتصفية ثورته والعودة إلى دولة تمكين استبدادية خالصة. فالمتوقع تكرار نفس ما حدث بعد استرداد مدني من قتلٍ، وتصفيات خارج نطاق القضاء ومبنية على أساس الهوية، واعتقالات للخصوم السياسيين، واتهامهم بالتعاون مع المليشيا التي تم تركهم رهائن لديها عند هروب الجيش المختطف، مع استبداد مقنن لمصلحة كتائب الحركة الإسلامية المجرمة، وحركات دارفور الانتهازية، ومليشيا درع السودان. وهذا يعني ان المواطن المشرد والراغب في العودة إلى دياره وهذه رغبة مشروعة عليه ألا يرفع سقف آماله، لأنه عائد إلى سلطة الاستبداد المطلق في الخرطوم. كذلك عليه أن يتذكر أن عودته تتطلب (تأمين المنطقة) وعدم الاكتفاء بانسحاب الجنجويد، وإعادة تأهيل البنية التحتية، والتأكد من توفر الخدمات الأساسية، وعودة سلسلة الامداد، وفتح مراكز الخدمة المدنية، وإعادة عمل القوات النظامية، وفتح المحاكم، وتشغيل الأسواق، ومن ثم طلب العودة من المواطنين. ولا نظن بأن المليشيات المجرمة، والجهة المختطفة للجيش، مهمومة بهذه الأمور، لأن همها هو تثبيت سلطتها وتكريس استبدادها، والانتقام من خصومها السياسيين وتجريف الساحة السياسية، استعداداً للمفاوضات القادمة لاقتسام السلطة مع الجنجويد، من مواقع السيطرة على العاصمة ورفع القدرة التفاوضية، فاسترداد العاصمة يقع في هذا السياق. وكذلك انسحاب المليشيا الإرهابية. فالطرفان يمهدان لتسوية قادمة بشدة، خلفها ضغوط دولية. فالمليشيا الإرهابية التي تسبب انسحابها بالتضييق عليها، وصعوبة الامداد، وبالرغبة في التركيز على دارفور والسيطرة على الحدود، وفتح الطريق لنقل المعارك إلى مناطق جديدة، حتى وان صح تسبيبها فهو يصب في خانة تحسين الوضع التفاوضي عبر تفادي الاستنزاف وفقدان القدرة القتالية.

(4) الطرفان المجرمان المتحاربان، يعلمان أن وزير الخارجية البريطاني من داخل البرلمان قد أعلن بأنه يُحضر لمؤتمر دولي في لندن لمعالجة المسألة السودانية في الخامس عشر من أبريل القادم، تشاركه فيه القوى الفاعلة دوليا بما فيها كُفلاء الطرفين المتحاربين الإقليميين، والكل يعلم الحراك الدبلوماسي الذي سبق انسحاب المليشيا من الخرطوم بوصول المبعوث الألماني إلى بورتسودان وكذلك وصول وفد سعودي رفيع إليها، مع تسريبات عن مفاوضات سرية بين الانقلابي المزمن رئيس مجلس سيادة الانقلاب وقائد الجنجويد و(المؤسس) استنادا لمبادرة الأخير، وتسريبات أخرى عن مفاوضات سرية بين سُلطة بورتسودان غير الشرعية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وكل هذا يفسر الانسحابات مع الاحتفاظ بالقوة المقاتلة وعتادها، وسيطرة المليشيا الإرهابية على منطقة المالحة ومحاولة إعلان حكومتها غير الشرعية الذي تأخر في الغالب نتيجة لهذا الحراك الواسع. والواضح أن ما يتم، هو (مجرد خطوات تمهيدية) يتخذها الطرفان سواء باتفاق أو بدونه، لتعزيز مركزيهما التفاوضي بالتركيز على أهداف كل طرف، وبالسيطرة على المناطق التي يمكن له الدفاع عنها، والتي تمكنه من لعب اوراقه من مواقع قوة، تسمح له بتحقيق أهدافه من مواقع السيطرة على الأرض التي يأمل الحصول عليها من خلال التسوية القادمة في حال نجاحها. ومفاد ما تقدم هو إن استرداد الخرطوم هزيمة مؤكدة للمليشيا الإرهابية، وانتصار للجيش المختطف ومليشياته لمصلحة الحركة الإسلامية المجرمة وتمكينها، ولكنه ليس انتصاراً للشعب بأية حال، لأن انتصار الشعب يتم بوقف الحرب وطرد طرفيها من المعادلة السياسية ، ومحاسبتهما على جميع الجرائم التي ارتكباها عبر محاكمات عادلة، واستلام حكومة الشعب الثائر سلطتها المدنية الانتقالية الخالصة، التي تكونها الجبهة القاعدية الواسعة، والتي تنفذ إرادة الشعب المصفح عنها في شعار ” الثورة خيار الشعب حرية سلام وعدالة”. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *