ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في شمال السودان
حذر وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم “المواطنين الموجودين في مناطق التعدين العشوائي من أخطار المواد المستخدمة في التنقيب والآثار الكبيرة لمادة الزئبق على صحة السكان”.
مع كل ما يكابده السودانيون من ظروف إنسانية ومعيشية صعبة في زمن الحرب تداهمهم الأوبئة القاتلة كالسرطان الذي ضاعف هول المأساة في بلد يحتاج فيه نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان وعددهم نحو 45 مليوناً، إلى المساعدة والغوث.
وتتزايد باطراد معدلات الخطر حتى لمن هم يقيمون في المدن الآمنة، إذ ارتفعت معدلات الإصابة بالسرطان في ولاية نهر النيل إلى 70 في المئة خلال هذا العام، بحسب مصادر طبية، في حين سجل مركز الأورام في مدينة شندي 1500 إصابة منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، بينها نحو 700 حالة من خارج الولاية للنازحين الآتين من الخرطوم.
ويعمل نحو مليوني شخص في التعدين الأهلي بولاية نهر النيل، ويشكو السكان من آثار التنقيب عن الذهب باستخدام مادتي الزئبق والسيانيد، اللذين أديا إلى تفشي أمراض السرطان والفشل الكلوي وتشوهات الأجنة.
سجل مركز الأورام في مدينة شندي 1500 إصابة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 (اندبندنت عربية حسن حامد)
تلوث وأضرار
إلى ذلك أوضح الأمين العام لمجلس حماية البيئة في ولاية نهر النيل حسن حمد السيد أن “هناك تلوثاً كبيراً في المناطق السكنية والزراعية والرعوية جنوب مدينة بربر بسبب مخلفات التعدين المتراكمة”. وأضاف أن “اللجنة الثلاثية المكونة من المجلس والمحلية والشركة السودانية للموارد المعدنية أكدت إزالة الكرتة مخلفات التعدين الموجودة جنوب المنطقة فوراً، ووجهت الشركات بترحيلها إلى مكان آخر، وفي حال لم تنفذ التوجيهات سيتم اتخاذ إجراءات فورية وفقاً للقانون”. وأشار إلى “وجود نسبة تلوث كبيرة في المناطق التي تحوي أكوام الكرتة ومخلفات التعدين التقليدي، إذ أصابت هذه الملوثات المناطق السكنية والزراعية والرعوية والمياه بأضرار بيئية وصحية كبيرة، مما يشكل مخالفة يعاقب عليها القانون”.
واقع مؤلم
يقول المواطن السوداني محمد الغالي الذي يتلقى العلاج في مركز مدينة مروى للأورام إنه يعمل في مناطق التعدين بشمال السودان منذ أكثر من عام ونصف العام، ولم يُلقِ بالاً لتحذير أسرته من الأخطار الصحية الناتجة من عمليات التنقيب، وكان حلم الثراء يراوده دوماً”. وأضاف “منذ ثلاثة أشهر حدثت لي مضاعفات وأصبحت غير قادر على العمل، وعلى الفور غادرت إلى مدينة مروى، أظهرت الفحوص الطبية إصابتي بسرطان الدم، والحاجة إلى جلسات علاج بالأشعة”. وأوضح، “الأدوية الكيماوية الضرورية لعلاج السرطان نفدت تماماً، وحتى المتوافرة في الصيدليات، على قلتها، ارتفعت أسعارها بصورة خيالية، والمواطن لا يستطيع تحمل كل هذه المصاريف”.
على الصعيد نفسه حذر وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم “المواطنين الموجودين في مناطق التعدين العشوائي من أخطار المواد المستخدمة في التنقيب، والآثار الكبيرة لمادة الزئبق على صحة السكان”. وأضاف “زيادة نسبة ترسبات المعادن في الجهاز العصبي تؤدي إلى انتشار الأوبئة في مناطق التعدين، فضلاً عن الآثار طويلة المدى من أمراض مزمنة وسرطانات، وكذلك التغييرات الخلقية والجينية في الأجيال القادمة”، مبيناً أن “هناك ارتفاعاً في نسبة المواد السامة في أجسام المواطنين بولاية نهر النيل، وذلك بعد أخذ عينات لهم، بالتالي فإن استخدام المعادن الصلبة في التعدين يحتاج لقدر كبير من المعرفة”.
ولفت وزير الصحة السوداني إلى “وجود اتفاق مع المجلس الأعلى للبيئة ومعمل الصحة العامة والإدارة العامة للصحة المهنية في سن تشريعات وقوانين تساعد في زيادة تثقيف المواطن والمجتمع من خطورة الأمراض الناتجة من التعدين”.
وعن معاناة مرضى السرطان يقول المواطن الهادي الطيب الذي رافق والده في رحلة البحث عن العلاج بعد إصابته بسرطان الدم “اللوكيميا”، في مناطق التعدين، إنه اضطر إلى السفر من ولاية جنوب كردفان إلى شمال السودان على رغم الأخطار في ظل ظروف الحرب، بعدما أخبره الأطباء أن والده يحتاج إلى جرعات لفترات طويلة. وأضاف أن “مدينة مروى يوجد فيها المركز الوحيد للعلاج الإشعاعي في السودان، وكذلك جرعات الكيماوي، ويستقبل عشرات الحالات يومياً، منهم معدنون أصابهم السرطان في مناطق التعدين”.
وأوضح الطيب أن “ارتفاع أسعار الجرعات يهدد حياة آلاف مرضى السرطان نظراً إلى نفاد المدخرات المالية لأسرهم، فضلاً عن توقف عمل المنظمات الخيرية والمتطوعين عن تقديم خدمات الرعاية الصحية بسبب تمدد رقعة الصراع المسلح وهجرة الكوادر الطبية”.
تأثيرات عدة
على صعيد متصل اعتبر المتخصص في مجال الأورام وطب السموم السريري محمود العمري أن “الأخطار الصحية الفادحة لا تقتصر على المعدنين وحدهم وإنما تمتد إلى المناطق السكنية حول المناجم التقليدية ومجاري الأنهار والأراضي الزراعية وحتى التربة، فضلاً عن خلو البيئة من متطلبات السلامة في ظل التعرض للغبار وذرات السليكا المسببة للتليف وسرطان الرئة، إضافة إلى أبخرة الزئبق المستخدم في عملية استخلاص الذهب المسبب لسرطان الدم والكبد”.
وأضاف العمري أن “استخدام الزئبق في التنقيب عن الذهب له آثار، لا سيما على الأطفال، لأنه يمكن أن يؤثر في نموهم الجسدي والعقلي”. وتابع “غالبية المرضى ليس لديهم الإدراك الكافي لمدى خطورة التعرض للزئبق، فبعضهم يمكث للعلاج وآخرون يطلبون الخروج للمتابعة في مستشفيات أخرى قريبة من مناطق التعدين”.
وزاد المتخصص في مجال الأورام وطب السموم السريري “يعد التنقيب التقليدي عن الذهب عملاً شاقاً ومضنياً، كما ينطوي على عديد من الأخطار، وتبدأ العملية بالاستكشاف عبر استخدام أجهزة الاستشعار المحمولة للمسح اليدوي بالسير على الأقدام لمسافات طويلة، وحفر آبار تقليدية في مناطق تغوص فيها (عروق الذهب) في عمق الأرض ثم نقل الحجارة وطحنها، ومعالجة طحين الحجارة بالزئبق والماء وصهره وتنقيته”.
اندبندنت عربية
المصدر: صحيفة الراكوبة