اتهامات وغياب ثقة.. هل تدخل بورتسودان وأبوظبي منعطفًا حاسمًا نحو التصعيد؟
تصريحات الإمارات، ومن بعدها تصريحات حميدتي، ونفي القاهرة لاحقا كلها أحداث سيكون لها تأثيرها في تعقيد وتطوير المشهد الحربي والميداني في حرب الجيش والدعم السريع
التغيير: تقرير أمل محمد الحسن
التحشيد الدبلوماسي الكبير الذي مارسته أبوظبي ضد حادثة قصف موقع سفارتها بالخرطوم في ظل نفي الخارجية السودانية ورفضها تحمل اللوم على تلك الواقعة ينبئ بتطورات قادمة على مستويات عديدة قد تشمل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين فيما لا يستطيع أحد أن يتكهن بخطوة الإمارات المقبلة.
تصاعد التوتر
قبل حادثة السفارة كانت العلاقات بين البلدين وصلت بالفعل لدرجة كبيرة من التوتر الذي كان بارزا في السجالات التي شهدتها قاعات الأمم المتحدة بين مندوبي الدولتين الدائمين هناك، كما لم تخلو تصريحات القيادات العسكرية للجيش السوداني، على رأسها مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا، من كيل الاتهامات والشتائم فيما تتمسك أبوظبي بنفي كل التهم الموجهة إليها.
التنديد بقصف مقر سفارة الإمارات في الخرطوم لم يخرج من أبوظبي وحدها؛ صدرت العديد من بيانات الاستنكار من كافة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة لمصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، تضامنا معها لاستهداف مقر بعثتها الدبلوماسية بالعاصمة الخرطوم التي تشهد عمليات عسكرية غير منقطعة طوال 16 شهرا ما ينبئ بأن تحشيدها الدبلوماسي أتى ثماره.
هذا الحراك الدبلوماسي المكثف الذي هددت به الإمارات في بيانها بأنها ستقدم مذكرة احتجاج لكل من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ضد الجيش السوداني وحكومة بورتسودان؛ ينذر بأن له ما بعده ولن ينحصر فقط في خانة التنديد والشجب، فيما لم تتحصل “التغيير” على رد من السفير الإماراتي في بورتسودان حمد محمد الجنيبي حول الأمر.
السفير جمال محمد إبراهيم: رفض حكومة بورتسودان الاعتراف بعدم سيطرتها على العاصمة يحملها المسؤولية الكاملة المتعلقة بحماية المقرات الدبلوماسية
ووسط نيران المعارك الضارية في الخرطوم العاصمة المتنازع عليها بين طرفي حرب 15 أبريل؛ لا يتضح من المسيطر الذي يجب أن تلقى عليه مسؤولية حماية مقار البعثات الدبلوماسية الأجنبية خاصة وأن الجيشين سودانيان، ووفق الخبير الدبلوماسي السفير جمال محمد إبراهيم فإن الأصل في الاتفاقيات التي تحكم التبادل الدبلوماسي هو أن تقدم الدولة المضيفة الحماية اللازمة للبعثات.
اعتراف بالهزيمة
وقال إبراهيم لـ”التغيير” إن المعضلة التي وقعت فيها حكومة الأمر الواقع أنها تفترض سيطرة فعلية على البلاد الأمر الذي لن يمكنها من التصريح بالتملص عن حماية البعثات الأجنبية سواء كانوا بشرا أو عقارات ومازالت في الخرطوم لأن هذا الاعتراف سيبدو أمام المجتمع الدولي اعترافا أشبه بالهزيمة أمام قوات الدعم السريع.
وأكد السفير قدرة حكومة الأمر الواقع الموجودة في بورتسودان على فرض حمايتها للبعثات الدبلوماسية الأجنبية التي انتقلت معها الى بورتسودان، وان لم يتم الاعلان رسميا عن كونها عاصمة مؤقتة.
وأشار الخبير الدبلوماسي إلى احتجاج أبوظبي على استهداف عقارات وليس دبلوماسيين على الرغم من علمها بخلفيات الحرب الدائرة وعدم سيطرة حكومة بورتسودان على العاصمة الخرطوم.
السفير جمال إبراهيم: موقف الإمارات يشكل ضغطًا غير مباشر على حكومة الأمر الواقع وكأنها تريد انتزاع اعتراف بالهزيمة منها
وأكد إبراهيم أن عدم اعتراف حكومة بورتسودان بعدم سيطرتها على العاصمة يحملها المسؤولية الكاملة المتعلقة بحماية المقارات الدبلوماسية مشيرا إلى أن دول الخليج والجامعة العربية حفظوا لأنفسهم حق اتهام حكومة البرهان بالتقصير في حماية عقاراتها في الخرطوم حتى وان لم تكن مأهولة بالسكان.
لماذا لا تقطع العلاقات؟
بحسب وجهة نظر الخبير الدبلوماسي هناك أمران يجب أن يوضعا في الاعتبار؛ الأول كون الحكومتان تتبادلان اتهامات وصلت الأمم المتحدة، وتجاوزا معا أجهزة الجامعة العربية، فاما عليهما للمصداقية الدبلوماسية ان يتخذا قرارا بسحب السفراء من العاصمتين على الأقل، إن لم يكن قطع العلاقات الدبلوماسية، خاصة من جانب السودان الذي يتهم الإمارات بشن الحرب عليه عبر وكلائها في السودان وهم الدعم السريع.
وعلى الرغم من خبر مغادرة 15 فردا غالبا من الحراسة؛ من طاقم السفارة الإماراتية ببورتسودان إلا أن سفيرها وبقية الطواقم الدبلوماسية مازالت موجودة هناك كما أن السفير السوداني لدى أبوظبي مازال يمارس مهامه ولم يطلب منه مغادرة البلاد في الوقت الذي أوضحت حكومة بورتسودان احتجاجها على عدد من الدول من بينها كينيا التي استدعت من قبل سفيرها كمال جبارة للتشاور وقتا طويلا قبل أن يعود لمقر عمله بالعاصمة نيروبي.
والأمر الثاني وفق إبراهيم هو غياب الوساطة بين السودان والإمارات نسبة لاستمرار الحرب الأمر الذي جعل معظم الدول سواء المعنية بالأمر بصورة مباشرة أو البعيدة عن الدائرة الدبلوماسية الضيقة جميعهم عازفون عن التوغل في ملف الخلاف بين السودان والامارات.
وأضاف: “موقف الإمارات يشكل ضغطا غير مباشر على حكومة الأمر الواقع وكأنها تريد انتزاع اعتراف بالهزيمة منها.”
أبوظبي ضد الكيزان
قصف سفارة الامارات وفق المحلل والأكاديمي بشير شريف يمكن مدارسته من خلال حالة العداء الطويلة والمزمنة بين جماعة الإخوان المسلمين من جهة التي يمثلها في السودان المؤتمر الوطني، وهي مواجهة مفتوحة على كافة الاحتمالات والسيناريوهات وبالتالي احدى التفسيرات لا تخرج استهداف السفارة عن هذا السجال الذي قطع بأن قصف السفارة الإماراتية يعكس الامتدادات الخارجية للحرب الأهلية في السودان وسيرورتها وتعقيداتها كحرب إقليمية اقطابها ليس فقط الدعم السريع والجيش السوداني كاطراف للحلقة الاولى وإنما هي حرب أطراف الحلقة الثانية فيها والأكثر حضورا هي الامارات ومصر وقطر وتركيا وروسيا واوكرانيا وايران وهي أطراف تعتبر السودان ساحة اخرى من ساحات المواجهة شاء الطرفان المتقاتلان ام رفضا.
وتوقع المحلل والأكاديمي أن يكون قصف السفارة هدفا عسكريا عاديا للجيش السوداني أن صح انه المسؤول المباشر مبررا بأنه في وقت النزاع تتحول تلك المقار لملجأ لكبار القادة والمستشارين الميدانيين وعليه ربما تم القصف بناء على معلومات حول وجود قادة الدعم السريع.
ووفق القانون الدولي الإنساني فإن القصف بالطيران يعتبر من وسائل الحرب المقبولة، ويحظر قانون النزاع المسلح أي عنف أو تدمير لا تبرّره الضرورة العسكرية. ولا يكون استعمال القوة المسلحة مشروعًا إلا عند محاولة تحقيق أهداف عسكرية محدّدة، وبشرط أن يبقى ضمن إطار مبدأ التناسب.
الأكاديمي بشير شريف: قصف سفارة أبوظبي يمكن مدارستها من خلال حالة العداء الطويلة والمزمنة بين جماعة الإخوان المسلمين من جهة ودولة الإمارات
وعلى الرغم من انكار الخارجية السودانية مسؤولية الطيران الحربي إلا أنه الوحيد الذي يمتلك طائرات مقاتلة في مقابل امتلاك قوات الدعم السريع لبعض أنواع الطائرات المسيرة، في غالبها صينية الصنع، وفق تقارير، ويبقى التحقيق هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تكشف المسؤول الحقيقي عن قصف مقر السفارة ويكشف عن سلسلة الأوامر.
وقطع الأكاديمي شريف بشير بأن الضرر الأكبر في هذه الحادثة سيصيب حكومة بورتسودان كونها تسعى لاكتساب شرعية من جهة ومن جهة اخرى مثل هذه الافعال يؤخذ في الاعتبار انها اعمال ارهابية يلاحق مرتكبها طال الزمن أم قصر.
خطاب حميدتي
التمهيد الذي قدمه احتجاج الإمارات؛ يبدو أنه فتح شهية قائد قوات الدعم السريع ليوزع الاتهامات ليس فقط لقيادة الجيش كونها تأخذ أوامرها من حزب المؤتمر الوطني المحلول، لكن لأول مرة يشير بأصابع الاتهامات لتورط القاهرة في دعم الجيش بأسلحة أمريكية.
وعلى الرغم من إسراع القاهرة بالرد نفيا إلا أن “اللعب بات على المكشوف” فيما يخص مستوى التدخل الإقليمي والدولي في حرب السودان.
تصريحات الإمارات، ومن بعدها تصريحات حميدتي، ونفي القاهرة لاحقا كلها أحداث سيكون لها تأثيرها في تعقيد وتطوير المشهد الحربي والميداني في حرب الجيش والدعم السريع، وربما يكون لها تأثير ايجابي في اتجاه الذهاب للمفاوضات بعد أن كشف كل شيء على العلن!
المصدر: صحيفة التغيير