قرارات اتحاد كرة القدم السوداني في اجتماعه الأخير وضعت المشهد الرياضي على عتبة مرحلة من التصعيد القانوني والإداري.
بورتسودان: التغيير
خرج مجلس إدارة الاتحاد السوداني لكرة القدم برئاسة معتصم جعفر، في اجتماعه بمدينة بورتسودان، بحزمة قرارات مثيرة للجدل، شملت عدم الاعتراف بالجمعيات العمومية للاتحاد المحلي بمدينة الجنينة، وإحالة رئيسه حسن محمد عبد الله برقو وعدد من معاونيه إلى لجنة الأخلاقيات للمحاسبة، بجانب اعتماد لوائح جديدة للأندية وتنظيم وضع الاتحادات الانتقالية.
هذه التطورات وضعت الوسط الرياضي أمام صراع جديد تتقاطع فيه الشرعية القانونية مع الصراع الإداري، وفتحت الباب لتصعيد داخلي وخارجي غير مسبوق.
برقو يصعّد
ورفض رئيس الاتحاد المحلي لكرة القدم بالجنينة حسن برقو، الاعتراف بقرارات مجلس الاتحاد السوداني، واعتبرها باطلة وغير ملزمة.
وقال إن الاتحاد المحلي بالجنينة منتخب عبر جمعية عمومية قانونية وبإشراف الاتحاد السابق، ما يمنحه شرعية كاملة لا يمكن إلغاؤها بقرارات وصفها بـ”المجحفة”.
وكشف برقو أن الاتحاد المحلي تقدم رسمياً بطعن لدى محكمة التحكيم الرياضي الدولية (كاس) ضد شرعية مجلس إدارة الاتحاد السوداني الحالي، مؤكداً أن القضية قيد النظر وأنهم يملكون كل المستندات التي تثبت قانونية موقفهم.
وأضاف: “لن نعترف بأي قرارات تصدر من مجلس يفتقد الشرعية، وسنواصل معركتنا عبر كل الوسائل القانونية للحفاظ على مكتسباتنا وحقوقنا”.
وأشار برقو إلى تجارب سابقة حاولت فيها بعض المجموعات داخل الاتحاد إقصاء الجنينة عبر اللجان القانونية، لكنهم نجحوا في كسب الطعون أمام القضاء، وهو ما يعزز ثقتهم بالانتصار مجدداً.
وختم بالقول إن معركتهم الحالية ليست شخصية، بل دفاع عن الشرعية وصون لمكتسبات الرياضة في غرب السودان.
حي العرب يحتج
في موازاة ذلك، فجّر نادي حي العرب بورتسودان غضباً واسعاً ببيان رسمي أصدره في 19 سبتمبر الحالي، أبدى فيه استياءه الشديد من تجاهل الاتحاد لمذكراته القانونية منذ أشهر.
وأكد النادي أن مطلبه لم يكن استثناء للبقاء في الدوري الممتاز كما روج البعض، بل مجرد تطبيق صحيح للائحة المنافسة، وبالتحديد المادة (9/ ز) التي تنص على ضرورة تساوي عدد المباريات بين المجموعات المختلفة.
كما أشار البيان إلى وجود خطأ صريح في اللائحة بخصوص عدد النقاط المخصومة، حيث ورد أنها ثلاث نقاط بدلاً من ست، مما أخلّ بمبدأ العدالة التنافسية.
وذكر النادي أنه رفع مذكرتين رسميتين في فبراير ومايو 2025م دون أن يتلقى رداً من الاتحاد، وهو ما اعتبره استخفافاً بحقوقه.
وأعلن مجلس إدارة حي العرب تشكيل دائرة قانونية لمتابعة الملف والتعاقد مع مكتب محاماة دولي للترافع أمام المحاكم الرياضية، متهماً الاتحاد المحلي بورتسودان وعضوه في مجلس الاتحاد السوداني باتخاذ موقف “مخزي وسلبي” تجاه النادي في واحدة من أهم القضايا المصيرية.
قراءة نقدية
الإداري والكاتب الرياضي أبو بكر الطيب، قدّم قراءة نقدية حادة لما جرى، معتبراً أن اجتماع بورتسودان كشف بجلاء الأزمة البنيوية التي يعيشها الاتحاد السوداني لكرة القدم.
وقال إن قرار عدم الاعتراف باتحاد الجنينة وإحالة حسن برقو للجنة الأخلاقيات لا يستند إلى منطق قانوني، وإنما يبدو محاولة لتصفية الحسابات. وأوضح أن الاتحاد نفسه كان قد اعترف سابقاً بشرعية اتحاد الجنينة، ما يجعل الموقف الحالي متناقضاً.
وأضاف الطيب أن ملف المسابقات بدوره شابه العبث، حيث قرر المجلس إدراج نادي مريخ نيالا ضمن قائمة الهابطين بلا مبرر قانوني، في محاولة للتغطية على خطأ إداري تمثل في اعتماد 25 فريقاً بدلاً من 24 في الدوري الممتاز.
وانتقد تشكيل اللجان الجديدة، وخاصة لجنة المنتخبات الوطنية، معتبراً أنه جرى وفق منطق المحاصصة وتوزيع المواقع على الموالين، حتى أن شخصيات محترمة ووازنة وُضعت في مواقع مشبوهة تحت قيادة مثيرة للجدل.
وأكد الطيب أن إحالة برقو للجنة الأخلاقيات دون توضيح للتهم في وقت لم تُفتح فيه ملفات شخصيات أخرى مطعون في ذمتها المالية، جعل الشارع الرياضي يرى القرارات أقرب للانتقام منها إلى العدالة.
وقال: “ما حدث في بورتسودان ليس سوى دليل إضافي على أن الاتحاد يعيش أزمة إدارة عميقة، وأن الإصلاح الحقيقي لن يبدأ إلا بوقف هذا العبث وإعادة الاعتبار للقانون والشفافية”.
قرارات أخرى
بعيداً عن الملفات الخلافية، وجّه مجلس الاتحاد لجانه المختصة بإعداد مذكرة شاملة حول وضعية الاتحادات الانتقالية التي تقرر تحويلها إلى مناطق فرعية داخل الاتحادات المحلية، مع منحها فترة انتقالية للانتساب وضمان حماية لاعبيها.
كما اعتمد المجلس كشوفات الأندية المشاركة في الدوري الممتاز بواقع 40 لاعباً إلزامياً مع اشتراط وجود فرق سنية، وأجاز الميزانية واللوائح الجديدة، إلى جانب تشكيل لجان متخصصة لتسيير الأنشطة، محدداً يناير المقبل موعداً لاجتماعه القادم.
مشهد ضبابي
بهذه القرارات المتشعبة وردود الفعل الغاضبة، يبدو المشهد الكروي في السودان مقبلاً على مرحلة من التصعيد القانوني والإداري، حيث يتجه ملف الجنينة إلى محكمة “كاس”، بينما يلوّح حي العرب بالتصعيد الدولي، ويواصل الشارع الرياضي التعبير عن غضبه من طريقة إدارة الاتحاد.
وما بين الاتهامات بالانتقام والتمسك بالشرعية، تظل كرة القدم السودانية رهينة صراع داخلي يهدد استقرارها ويضعها أمام امتحان صعب في مقبل الأيام.
المصدر: صحيفة التغيير