اخبار السودان

إيران وتركيا تشعلان سماء السودان: دعم جوي يُعزز نفوذ الإسلاميين داخل الجيش

تقرير SPT ترجمة الراكوبة

أثارت الهجمات المتكررة الأخيرة التي شنّتها قوات الدعم السريع باستخدام الطائرات المسيّرة على مواقع عسكرية حيوية في مدينة بورتسودان بما في ذلك مطار المدينة، وقاعدة عثمان دقنة الجوية، وقاعدة فلامنغو البحرية العسكرية انتباه المتابعين إلى تحوّل نوعي في مسار الحرب السودانية، إذ فقد الجيش سيطرته شبه المطلقة على الأجواء، وهي السيطرة التي مثّلت عنصر تفوقه طوال عامين، لا سيما من خلال الطائرات المسيّرة التركية والإيرانية، التي لعبت دوراً محورياً في تقدّمه على خطوط القتال، ومن بينها سيطرته على العاصمة الخرطوم في مارس الماضي، عقب انسحاب قوات الدعم السريع تحت وقع هجمات مكثفة نفّذتها طائرات “بيرقدار” التركية و”مهاجر6” الإيرانية.

ظهور المسيّرات في يد قوات الدعم السريع مثّل تحوّلاً استراتيجياً، لا سيما بعد الهجوم النوعي الذي نفذته على قاعدة وادي سيدنا الجوية العسكرية في أبريل الماضي.

وتزامن ذلك مع مؤشرات على تصدّع داخلي في صفوف الجيش المدعوم من الإسلاميين، إضافة إلى الحركات والمليشيات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه، خصوصاً في العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان، التي كانت تُعتبر سابقاً منطقة آمنة وبعيدة عن خط النار.

🔺تفوّق في الجو… ومآسٍ على الأرض

منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، احتفظ الجيش السوداني بتفوق جوي مطلق، مستفيدًا من افتقار قوات الدعم السريع إلى الدفاعات الجوية وأجهزة التشويش، إذ ظلت هذه القوات، بوصفها تشكيلًا مشاة تقليديًا، تركز على القتال البري الذي تُجيده.

استثمر الجيش هذا التفوق في شنّ غارات جوية مكثفة على مناطق سيطرة الدعم السريع، إلا أن هذه الضربات لم تُلحِق أضرارًا كبيرة بالقوات المستهدفة مقارنة بالخسائر الفادحة التي ألحقتها بالمدنيين والمنشآت المدنية. وكانت أحدث تلك الضربات في 24 مارس الماضي، حين قصف الجيش سوقًا في منطقة (طُرا) بولاية شمال دارفور، ما أسفر عن مقتل 400 مدني، معظمهم من النساء العاملات في السوق، إلى جانب إصابة العشرات، في حادثة وصفتها أحزاب سياسية وهيئات شعبية ووسائل إعلام محلية بـ”المجزرة”.

من جهته، نفى الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبدالله، وقوع الحادثة، واصفًا الاتهامات بأنها “غير صحيحة”. قائلاً : “الجيش يلتزم بقواعد الاشتباك وبالقانون الدولي”. إلا أن مقاطع فيديو نُشرت لاحقًا أظهرت احتراق السوق بالكامل، وتناثر أشلاء الجثث المتفحمة في الطرقات، إلى جانب شهادات شهود عيان وثّقت الواقعة.

ولم تقتصر الهجمات الجوية على الأسواق والمناطق السكنية، بل طالت أيضًا منشآت طبية، مثل مستشفى كتم للنساء والتوليد في جنوب دارفور، إضافة إلى بنى تحتية حيوية كمصفاة الجيلي النفطية وجسر شمبات في العاصمة الخرطوم.

اللافت أن العديد من هذه الهجمات سبقتها دعوات صريحة عبر حسابات موالية للجيش على موقع “فيسبوك”، يُعتقد أنها تُدار من قبل إسلاميين، احتفَت بالدمار وسفك الدماء، وأطلقت على الطيارين منفّذي الضربات لقب “صانع الكباب العظيم” في إشارة إلى الجثث المتفحمة.

🔺الأيادي الخفية التركية في الحرب:

لطالما تناولت التقارير مسألة التدخلات الخارجية في الحرب السودانية، مركّزة على روسيا وإيران، فيما تجاهلت لفترة طويلة حتى سبتمبر من العام الماضي الدور المحوري الذي تلعبه تركيا. فقد زوّدت أنقرة الجيش السوداني بأسلحة حاسمة عبر شركة مقربة من الرئيس التركي، هي شركة “بايكار”، التي يديرها ويساهم فيها صهر الرئيس رجب طيب أردوغان. وقد أرسلت الشركة أسلحة تقدَّر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات إلى الجيش السوداني، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز TB2، ومئات من الرؤوس الحربية.

وفي مارس الماضي، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مجموعة من الوثائق والرسائل النصية، وتسجيلات المكالمات، والصور، ومقاطع الفيديو، والسجلات المالية، التي توثّق تفاصيل عمليات تسليم الأسلحة للجيش السوداني. وأظهرت هذه الأدلة الدور التركي، ممثَّلًا في شركة “بايكار”، في الحرب المستمرة منذ 25 شهرًا، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “أسوأ كارثة إنسانية في العالم”.

وفي 4 مايو 2025، حطّت طائرة إسعاف تركية في مدينة بورتسودان، بعد يوم من هجوم شنّته قوات الدعم السريع بطائرة مسيّرة على قاعدة جوية عسكرية في المدينة. وقد أقلعت الطائرة بعد ساعتين باتجاه أنطاليا. وأفادت مصادر عسكرية بأن الهجوم أسفر عن مقتل جندي تركي وإصابة آخرين كانوا يشاركون إلى جانب الجيش السوداني في تشغيل الطائرات المسيّرة وتدريب القوات.

وفي السياق ذاته، أكّدت مصادر أمنية عالية الوثوقية لـSPT أن تركيا تنقل معدات عسكرية من قاعدتها في قطر إلى بورتسودان. ولم تُحدّد المصادر طبيعة هذه الأسلحة، لكنها أكدت أن العملية تتم هذه الأيام، في ما يشير إلى دعم تركي مستمر ومتعدد القنوات.

🔺الحرس الثوري الإيراني في قلب المعارك

يبدو الدور الإيراني في الحرب السودانية أكثر وضوحًا مقارنةً بالدور التركي، إذ برز بجلاء مع عودة الإسلاميين إلى المشهد السياسي في السودان عقب الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية الانتقالية في 25 أكتوبر 2021. ويستند هذا الدور إلى طموحات إيرانية متجددة للتمدد في منطقة البحر الأحمر، وهي طموحات يصعب تحقيقها دون إعادة الإسلاميين إلى سدة الحكم في السودان. وتسعى طهران إلى تحقيق هذا الهدف عبر دعم عسكري مباشر، يوجَّه جزء كبير منه إلى الحركة الإسلامية السودانية، من خلال أجنحتها العسكرية داخل الجيش وميليشياتها وكتائبها المسلحة، وعلى رأسها “كتيبة البراء بن مالك”، التي أقرّ قائدها، المصباح أبوزيد طلحة، قبل أيام، بأن الكتيبة تتبع وتتلقى أوامرها مباشرة من علي عثمان محمد طه، النائب الأسبق للرئيس المعزول عمر البشير، والذي يُنظر إليه باعتباره “المرشد الروحي” و”آية الله” للإسلاميين في السودان.

وتنقل إيران الأسلحة إلى السودان عبر رحلات شحن جوية، مستخدمة طائرة الشحن EPFAB التابعة لشركة “قشم فارس للطيران”، المملوكة للحرس الثوري الإيراني.

وبحسب مصادر خاصة، تشمل الشحنات الإيرانية أسلحة ثقيلة وخفيفة، ومدفعية، وقنابل موجهة، ومتفجرات، إلى جانب أجهزة ملاحة واتصالات، ومحطات تحكم أرضية، وطائرات بدون طيار، من بينها طائرة “مهاجر 6” الإيرانية، وهي مسيّرة بمحرك واحد مزوّدة بذخائر وقنابل موجهة.

وفي سياق متصل، أفاد مصدر عسكري في البحرية السودانية بأن قوات الدعم السريع نفّذت، في 9 مايو الماضي، هجومًا بطائرة مسيّرة استهدف عناصر وخبراء من الحرس الثوري الإيراني كانوا متمركزين في قاعدة “فلامنغو” العسكرية السودانية على ساحل البحر الأحمر. وجرى نقلهم عقب القصف إلى منطقة “الرقبة” شمال مدينة بورتسودان. ولم تتوفر حتى الآن معلومات مؤكدة حول ما إذا أسفر الهجوم عن قتلى أو جرحى في صفوفهم.

🔺أسلحة متطورة بيد الجهاديين الإسلاميين:

تشعر الأوساط السياسية والمدنية في السودان بقلق متزايد إزاء تدفّق السلاح التركي والإيراني إلى البلاد، لا سيما الطائرات المسيّرة التي باتت تصل إلى أيدي الميليشيات الجهادية الإسلامية السودانية.

وفي حين ينفي الناطق الرسمي باسم الجيش وصول أي أسلحة مباشرة إلى جهات غير القوات المسلحة، تؤكد مصادرنا داخل الأجهزة الأمنية أن هذه الميليشيات الجهادية تمتلك جميع أنواع الأسلحة الموجودة لدى الجيش، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، باستثناء الطائرات الحربية التي يقودها طيارون.

وفي تأكيد على امتلاك هذه الميليشيات لطائرات مسيّرة وأسلحة إيرانية ثقيلة، بل وتنسيقها العمليات ميدانيًا من خلال وحدة خاصة بالتعاون مع الجيش، قال العميد جمال محمد أحمد، الذي يعمل حاليًا في عمليات قاعدة كرري العسكرية، في لقاء مصوّر سجلته وحدة التوجيه المعنوي بالجيش ننشره أدناه وقد علمنا لاحقًا أنه تعرّض للتوبيخ بسبب هذا التصريح:

أوضح أنه في مايو من العام الماضي، كان قائدًا لكتيبة عسكرية وقد صدرت إليه أوامر بتنفيذ عملية ميدانية، وعند وصوله إلى الموقع، وجد المصباح، قائد كتيبة البراء، ومعه أسلحة وطائرتان مسيّرتان.

وحول كيفية حصولهم على هذه الأسلحة، أفادنا مصدر مقرّب من كتيبة البراء، وهو شقيق أحد قيادات الصف الثاني في الكتيبة، قائلاً: “الدولة بأكملها، من الميناء إلى المطار، تحت سيطرة الإسلاميين، وهذه الأسلحة جاءت أساسًا من إيران للإسلاميين دون سواهم. لا أحد يجرؤ على تفتيش الشحنات في الميناء”، مضيفًا: “هم المقاتلون، وهم المفتشون، وهم المستوردون، وهم أصحاب المشروع والدولة، وهم أيضًا من يرتبطون بعلاقات مباشرة مع إيران”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *