إنهاء التنسيق السودانية , اخبار السودان
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/02/1739276761_580_Whatsappbanner.gif)
خالد فضل
لعل من حسن اختيار المصطلح إطلاق صفة تنسيقية على تواطؤ مجموعات من القوى السياسية المدنية وحركات الكفاح المسلح والمهنيين وشخصيات وطنية من فئات مختلفة ومتعددة . فمثل هذا الطيف الواسع من السودانيين ؛ بخبراتهم الخلافية المتراكمة جيلا إثر جيل , يبدو من العسير إنْ لم يك مستحيلا إستمرارهم في العمل سويا . هذه حقيقة لا تحتاج إلى نقارة وطار لعرضها . وهذه بالمناسبة واحدة من أعقد قضايا إجتماعنا البشري على ظهر هذه الأرض المدعاة وطن !!
من الحقائق أنّ التنسيق تمّ بين فصائل كلها منقسمة , أتذكر (رمية) كما نقول تسبق الأغنية , لكاظم الساهر : نصفي ثلج نصفي نار , لا النار ذوبت لي الثلج لا الثلج طفالي النار النار . كنت أعلّق على هذا المقطع وأشبهه بحالتنا السودانية العصية , بل أعمق من ذلك في شخصيتنا السودانية نفسها , وقد لخّص هذه الحالة مظفر النواب ؛ الشاعر العراقي الراحل , كأنّ الواحد منا يحمل في الداخل ضده . فليراجع كل واحد منّا بالفعل نفسه ويستخدم عقله لا قلبه لتحليل مواقفه فينظر إنْ كانت متسقة أم متضاربة . هل نجرؤ على تبني فكرة الفرد الحُر التي تحدّث عنها الأستاذ الشهيد محمود محمد طه , ومؤداها أنّ الفرد الحر يفكر كما يشاء ويقول كما يفكر ويفعل كما يقول . فهل من يدعو للوحدة مثلا قد فكّر فيها قبل قولها ؟ ثم هل عمل عليها كما قالها ؟ سيجد لدى كل فرد ؛في الغالب وليس على التعميم طبعا , قصورا في أحد الجوانب الثلاثة , ولا يحتاج الموضوع إلى كثير عناء , يمكن لكثير من الذين يتحدثون أو يكتبون أن يضعوا المعايير الثلاثة ثم يقيسوا عليها , ولا ينزعج الناس كثيرا لهذا الأمر , فهو من مسائل الكدح الذاتي التي يمكن للمرء أن يترقى فيها ذاتيا وبدون مدرسة أو وعظ بائخ . فقط فكّر كما تريد , قل ما تفكّر به كما هو , أتبع ذلك بعمل ما قلته , سيحدث إتقان في كثير من الممارسات باستخدام معيار الحرية الفردية , وفي أبسط المعاملات اليومية , فكّر في النظام , قل سأطبقه في نشاطاتي , نفذ قولك . وهكذا كل فرد يفعل وبالنتيجة ستجد طابور الخبز قد انتظم , والجوازات و .. إلخ بل حتى التنسيق والتحالف سينتظم لأنّه يشمل قاعدة حرة مستقيمة .
الفكرة رائعة وعظيمة وراء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية . لكن دار في ذهني سؤال الآن , هل حركات الكفاح المسلّح قوى مدنية ؟ أم أنّها في الحقيقة قوى سياسية مسلّحة . أتصور أنّها تعتمد الكفاح المسلّح لتحقيق غايات نبيلة , وهذا من حقّها طبعا إذ لا يجوز لشخص يرفض الظلم أنْ يحدد للآخرين وسيلة مقاومته , لكن في نفس الوقت لا يمكن أنْ يكون من يكافح عسكريا ضمن تحالف وسيلته الأساسية الكلمة والتعبير السلمي بدون عنف , وقد شهدنا وشهد العالم كله كيف كان الحراك الجماهيري العظيم في ثورة ديسمبر المجيدة وقوامه الأساس الشباب والنساء في المدن بصورة عامة والخرطوم على وجه خاص . صحيح لا يمكن نفي مشاركة عناصر مدنية كثيرة من مناصري حركات الكفاح المسلح في تلك الثورة , وهنا يحضر صوت كاظم الساحر نصفي ثلج نصفي نار .
في تقديري , واحد من أسباب انهيار أي تحالف هو عدم إتساق البنية الأساسية لتنظيماته , المدخل لبناء الدولة المدنية الديمقراطية يتكون من تنظيمات مدنية ديمقراطية , حاصل جمع أعداد سالبة يحقق رقم أكبر لكنه في السالب . وجمع أعداد موجبة مع سالبة يقود إلى الصفر في حالة تساويها مع إختلاف الإشارة فقط . حتى المنظمات الإقليمية تنطبق عليها ذات القاعدة , لذلك نلحظ الفرق الواسع بين الإتحاد الأوربي والإتحاد الإفريقي . وفي تجارب السودايين فشلت إتفاقيتان مشهودتان لتحقيق السلام في السودان (جنوب السودان تحديدا) لأنّ واحدا من أهم عيوبهما هو عدم التماثل في النظام السياسي بين الخرطوم وجوبا , وأوضح الفرق كان على أيام إتفاقية أديس أبابا 1972م , فقد تمتعت الساحة السياسية الجنوبية بحيوية تعددية فيما كان الشمال يعاني من وطأة هيمنة الإتحاد الإشتراكي كحزب آحادي مهيمن على الحكم , وتكررت التجربة مع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بجامع الهيمنة في الخرطوم وجوبا . ولأنّ الهيمنة لا تحقق الحرية للناس , لم يتحقق السلام وانفرط عقد الوحدة الواهي أصلا .
الآن انفرط عقد التنسيق بين مكونات تقدّم , وليس في الأمر غرابة أو شماتة , القضية ليست مكاواة بين مشجعي الريال وبرشلونة _ الهلال والمريخ _ في السودان سابقا . المسألة خيارات سياسية يراها كل فريق بأنها الأصوب ولم يتوصلا لنقطة تلاق حولها . وهي مسألة قيام حكومة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع , إسوة بالسلطة التي يهيمن عليها الجيش في مناطق سيطرته . النتيجة واحدة وهي تشكيل حكومة تحت هيمنة القوات المسلحة , كون الدعم السريع يوصف بالمليشيا المتمردة أو غيرها من صفات القدح , هذا لا يغيّر من الحقيقة في شئ . كون الدعم السريع ارتكب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان , هذا المعيار لم يتخذ في أي وقت من التجارب السودانية المبذولة كرافعة لتولي الحكم , ودوننا الرئيس البشير وعبدالرحيم محمد حسين وأحمد هرون الذين كانوا حكامنا تفرش لهم البسط الحمراء ويستقبلون بالهتافات والأناشيد الجهادية في كل منطقة يزورونها , بينما يقبع من يقول إنهم متهمون بإنتهاكات حقوق الإنسان في السودان في السجون .
هذا مربط الفرس كما يقال , أي صنف من الحكام يريد السودانيون ؟ أي نظام يفكرون في أنّه سينقلهم لخانة العيش في العصر الحديث في كنف عهود ومواثيق واتفاقات حقوق الإنسان ذات الطبيعة العالمية . نظام الهيمنة العسكرية بسمعتها السيئة في مضمار الإنتهاكات أم نظام مدني ؛ يبدأ ضعيفا ثم يكبر وينمو ويقوى بمشاركتنا الجماعية فيه عبر الوسائل السلمية التي توفر لنا البيئة المناسبة لنفكر كما نشاء ونقول كما نفكر ونفعل كما نقول من منطلق حريتنا الفردية , لأن الفرد هو نواة المجتمع الأولى فإن صحّ صحّ المجتمع وإن مرض مات المجتمع .
المصدر: صحيفة التغيير