إلى متى يلد الجيش ويبارك الشعب؟! السودانية , اخبار السودان
إلى متى يلد الجيش ويبارك الشعب؟!
بثينة تروس
من بداهة الأمور أن المؤسسة العسكرية ليست هي مجموعة جنرالات القيادة فقط، فأنت لا تغفل أن هنالك صغار الضباط والجنود والشرطة والعسكر الغبش المهمشين بجميع رتبهم وهؤلاء والمواطنون في مركب واحد ما بين الخضوع لتراتبية الجيش، وقهر الحكام! فلقد شهدناهم في هذه الحرب يقاتلون بأقدام حافية وبطون خاوية، وذهول عن عقيدة عسكرية وطنية بعد أن انقسم قادتهم من كبار الضباط إلى فريقين بعضهم مع الجيش والمشتركة التي تقاتل معه والآخر مع الدعم السريع.. وصف الجيش أيضاً تقع بين ضباطه وجنوده المفاضلة بين منسوبي الجيش والبرائين (أولاد المصارين البيض) الذين خصهم قادة المؤسسة العسكرية بالمسيرات التي تمدهم بها مصر وتركيا.. لذلك عندما تعيب الجيش تقيم الحقائق الدامغة بأن الحركة الإسلامية تتآمر معه ضد الشعب بسبيل السلطة منذ خديعة (اذهب للقصر رئيساً وسأذهب للسجن حبيساً)، تسوقك الحقائق وليس العاطفة للفهم السليم لنفس المؤسسة فبدلاً من أن تقوم بوظيفتها الدفاعية في حماية وأمن الوطن والمواطن، لكي تعين الحكومة على التنمية، فتتهيأ سبل العدالة الاقتصادية والاجتماعية السياسية والتي بدورها تعين المواطنين في ممارسة الديموقراطية وإعلاء شأن الوطن، انحرفت عن وظيفتها المرجوة بعد أن أصبحت هي الحائز على كامل السلطة، تتقاسم مع حكومة الإخوان المسلمين فسادها، فقد استأثرت بنسبة 83% من ميزانية الدولة ثم فشلت في الاحتفاظ بأجزاء من الوطن تعتبر محتلة بواسطة دول أخرى مثل الفشقة وحلايب وشلاتين.. بل أكثر من ذلك فإن انتساب قادتها للحركة الإسلامية، وهو ليس انتماء وليد حرب الكرامة المزعومة، وإنما مسيرة من التوافق لأكثر من ثلاثة عقود، جعل الجيش هو مفرخ الإرهاب وراعي مليشيات الجهاد الإسلامي، والدفاع الشعبي، التي أسهمت في انفصال الجنوب! فكانت تلك أولى بواكير إنجابه.
وحين نفضوا أيديهم من تراب الجنوب وذبحوا ثوراً أسوداً فرحاً بانفصاله، ظناً أن ذلك سيمكنهم من تطبيق مفهومهم الخاطئ للدين على ما تبقى من السودان، لكن لم تكتمل صرافة عراقة مشروع الحركة الإسلامية وعروبته المتوهمة، فقد وجدوا أنه لايزال السودان للسودانيين (السود) في جبال النوبة وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فاستعانوا برهينتهم الجيش مجدداً، فكان القصف بالطيران، والبراميل الحارقة والمواد الكيمائية التي تسلخ جلود الأطفال والنساء والشيوخ، وتهدم الكراكير والكهوف على رؤوسهم، ولم يكن لهم من الحظ الإعلامي مثل تباري الجيش والدعم السريع في توثيق مجازر حمرة الشيخ وسوق الكومة، الحصحيصا وثوار الحلفايا أو حصار توتي، واستخدام المواطنين دروعاً حربية، أو إعدامات الميادين، بقانون تهمة الوجوه الغريبة، وهي ممارسة قديمة للجيش والجنجويد تأسست في عهد الرئيس المخلوع البشير وقادت لعدم المواطنة المتساوية، وإنكار الاعتراف بالتنوع الإثني أو العرقي.
فقد ولد الجيش من رحمه المليشيا المدللة، الجنجويد، وصيرهم دعماً سريعاً للقيام بكل مهام الجيش، (حميتي حمايتي) قدمهم للعالم الخارجي على أنهم بعض من الجيش سنت له القوانين وافتتحت لهم خزائن الدولة. وجارتهم الحركة الإسلامية في منافسة الوداد والمنافع، فكانت جلاد الشعب الذي نادى بإسقاطهم ما بين انتفاضات وهبات أخمدت وتم قمعها بقنص رؤوس الثوار، وأبشع مجزرة لمعتصمين عزل سلميين، احتموا بأسوار قيادة (الجيش).. وكان الثوار يهتفون في وجه مليشيات الدعم السريع، واللجنة الأمنية، وكتائب الظل الذين اعتدوا على حرمات المنازل، وأخرجوا المتظاهرين من البيوت، وروعوا ساكنيها جلداً وتهديداً بالقتل والاغتصابات، وهم ملثمو الوجوه بنفس السحن التي نشهدها في الحرب الآن! يهتفون دعماً للجيش يتطلعون لشرفاء الجيش! (الجيش جيش السودان ما جيش البرهان) وللعسكري المسكين (نحن أخوانك يا بليد). ولأن الإخوان المسلمين يصنعون كل ما يفوق الظن العريض في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، هتفوا فيما أسموه بالزحف الأخضر ضد الحكومة الانتقالية، منادين بسلطة قائد الدعم السريع (حميدتي لحماية الدين)!.
وللأسف جيشنا في حربه الحالية لم يعقر من ولادة المليشيات، عاود مخاواة (المتمردين) السابقين لدحر الأخيرين! يهلل جنرالاته أن انتصارات الجيش تمت بفضل الله وكتيبة البراء ابن مالك، فكيف يلام الشعب حين ينتقد الجيش! وهو الذي يحلم بأن يكون لديه جيشاً قومياً، قد اعتبر من أخطائه الجسيمة في تبني ورعاية المليشيات!.
فهل في ظل هذه الحرب التي كشفت عوار وعورات الجيش المستلب، يتم استفاقته لكي يتم بناؤه وتصحيحه، فيحقن دماء الأبرياء، ويحفظ البلاد من التدخلات الخارجية، أم يطالب الشعب في مواصلة مباركته لمواليد الجيش الداعشيين، خوف أن (يغضب) الجيش (المدلل)، فيقرر عقوبته بالارتماء في أحضان الحركة الإسلامية مزيد؟ والقول بتأجيل مطالب الحد من أطماع العسكر والمناداة بتصحيحه يتم بعد انتهاء الحرب مع الجنجويد، فذلك علة الأمر، إذ حينها سيظل رهين لآخر مواليده..
إن هذا الجيش يجب أن يحرره الشعب من براثن مكائد الحركة الإسلامية قبل أن يحرر هو البلاد، إذ لا يفتأ الجيش في تقديم القرابين لهم بإرجاعهم للسلطة، وهم يكيلون لقادته وللمؤسسة العسكرية برمتها، كل أنواع الامتهان والذل إن لم يلتزموا بتوجيهات اللايفاتية والحملات التأديبيبة لأمثال سناء حمد، والناجي مصطفى وعلي كرتي، وكل الصور التي لا يرتضيها مواطن غيور لجيشه.
المصدر: صحيفة التغيير