منتدى الإعلام السوداني
بورتسودان، 11 نوفمبر 2025، جريدة (الجريدة) مع اقتراب حرب أبريل في السودان من إكمال عامها الثالث، تُضيء واشنطون عتمة الفضاء السوداني عبر وساطة تنشط فيها الآلية الرباعية لإيقاف الحرب في السودان عبر هدنة إنسانية يعقبها وقوف دائم لإطلاق النار والدخول في عملية سياسية سودانية.
مقترح الهُدنة وإن غطى بعض مساحات الأمل لدى الملايين من النازحين واللاجئين السودانيين، إلا أن مخاوف، هنا وهناك، تتبدى من أن يتدخل الإسلاميون في السودان لإجهاض الهُدنة حال الموافقة عليها من قِبل الجيش، إذ تدخلوا عدة مرات لإفشال عمليات التفاوض التي طرحت في مدينة جدة السعودية والمنامة وجنيفا وغير ذلك.
استمرار الجهود الدبلوماسية ودعوة الطرفين المتحاربين، الجيش وقوات الدعم السريع، بقبول الهدنة، لوقف نزيف الدماء والمعاناة الإنسانية المتفاقمة، لم تمضِ عليه أيام لتعلن قوات الدعم السريع عبر بيان للناطق الرسمي موافقتها على مقترح الرباعية بهدنة إنسانية، في الوقت الذي لم يعلن فيه الجيش موقفه بشكل واضح من مقترح الهُدنة.
استمرار العمليات الحربية وحصارات المُدن، وتحليق أسراب الطائرات المُسيرة في أجواء مناطق سيطرة الطرفين، يضع الهُدنة أمام تحديات كبيرة قبل أن يتم الإعلان عنها، تأخر الجيش السوداني في إعلان رفضه أو موافقته عليها، يثير كثير من المخاوف لدى المجتمع الدولي. تُرى هل تسفر الأيام المقبلة عن موافقة الجيش على الهُدنة؟
(1)
الخبير العسكري سيف الدين محمد ذهب قائلاً: الخيارات مُنعدمة أمام الجيش وليس له سوى الموافقة على الهُدنة، والجيش السوداني يعيش أوضاعا بالغة السوء بسبب حرب أبريل، وكل المؤشرات تذهب في اتجاه قبوله الهُدنة ذات الطابع الإنساني، لكن القرار يتعارض مع موجهات (لجان الاستنفار والمقاومة الشعبية) التي ترفض المقترح وتنادي باستمرار القتال. ويمضي (محمد): عبد الفتاح البرهان لا يمكن أن يوافق على مقترح الهدنة دون اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية، والقرار الذي أصدره والي ولاية نهر النيل المكلف د. محمد البدوي، بالرقم (117) لسنة 2025م، القاضي بحل اللجنة الولائية للاستنفار والمقاومة الشعبية والإسناد بكامل تشكيلها، وهي مليشيات تساند الجيش، يعد تمهيدا لقرارات مرتقبة بشأن إجراءات إحلال السلام وفق ما يتم الاتفاق عليه في أروقة (الرباعية) والحديث للخبير شمل القرار إنهاء تكليف رؤساء اللجان والمستشارين ورؤساء لجان العمليات التابعة لها، دون الإشارة إلى أسباب الحل أو الخطوات اللاحقة التي ستتخذها حكومة الولاية في هذا الصدد.
(2)
قرار حل لجان الاستنفار بعدد من الولايات، وإن جاء في إطار الحديث عن هُدنة مُرتقبة، إلا أن مخاوف البعض لا تضعه في أطاره الإيجابي، ولا ترى فيه أكثر من كونه محاولة لإعادة أنتاج اللجان بشكل جديد وقيادة جديدة، وفقا للتطورات الميدانية والإدارية تشهدها البلاد خلال الفترة الأخيرة، وسط توقعات بإعادة هيكلة منظومة الدعم والإسناد الشعبي بما يتوافق مع أولويات المرحلة الحالية للقتال بجانب الجيش.
مخاوف انهيار الهُدنة قبل التوقيع عليها لا تأتي فقط من معسكر الجيش وقيادته، الدعم السريع في الاتجاه المقابل مواجه باحتمالات خرقه للهُدنة، أو هذا ما نقله السيناتور الأميركي “كريس فان هولين”عن ولاية ماريلاند، الذي رحب ببيان قوات الدعم السريع بشأن موافقتها على الهدنة الإنسانية بالسودان. ومضى إلى أنه رغم أن الاتفاق على وقف إطلاق النار يُعَدّ خبراً مرحّباً به، إلا أنه يبقى أن نرى ما إذا كانت قوات الدعم السريع مستعدة حقاً لوقف هجماتها خاصة وأن القوات المسلحة السودانية لم توافق بعد على هذا المقترح. و طالب السيناتور الأمريكي بلاده أن تواصل استخدام كل ما لديها من نفوذ لإنهاء هذه الحرب ووضع حدٍّ للعنف البشع الذي دمّر حياة الشعب السوداني.
(3)
التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” رحب بموافقة الدعم السريع على مقترح الهدنة، ودعا القوات المسلحة لأن تنحو ذات المنحى، بما يضع حداً لهذه الحرب التي لا طائل منها. تحالف “صمود” في بيان له الجمعة أكدّ دعمه الكامل لخارطة طريق دول الرباعية، والتي تبدأ بإقرار هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في كافة أرجاء السودان. وشدد التحالف على أنه لا حل عسكري لهذا النزاع، وأن كل يوم يمضي لن يقود إلا لزيادة معاناة ملايين السودانيين الذين دمرت الحرب ماضيهم وحاضرهم وتهدد باختطاف مستقبلهم. وأشار التحالف الي إن القرار الشجاع الذي ينتظره غالب أهل السودان هو إنهاء الحرب وشق طريق نحو سلام عادل ومستدام.
القيادي بتحالف (صمود) خالد عمر يوسف اتهم جهات سماها بـ(دُعاة الحرب) مشيراً إلى أنهم جبنوا عن تحمل تبعات خيارهم البائس الذي لم يجلب سوى الموت والدمار، مشيراً إلى أنهم يلجأون للكذب المستمر لإخفاء عورات موقفهم الفاشل. وأكد (يوسف) موقف صمود الداعم لمبادرة الرباعية بجدية، مبيناً أن نجاحها ممكن إذا توفرت الإرادة السودانية، محذراً من أن الاستمرار في الحرب، وقال إنه لا يخدم سوى أطراف قليلة لا تعير اهتماماً لحياة المدنيين.
(4)
ما خطورة ما يتبدى من خطوات لـ(الرباعية) فيما يتعلق بالسودان على الإسلاميين؟ الكاتب والمحلل السياسي حيدر المكاشفي يرى أن التسوية السياسية تمثل تهديدا مباشرا لوجود الإسلاميين السياسي والرسمي ويفتح الباب أمام قوى مدنية ودولية لا يرغبون في عودتها. مؤكداً أن التيار الإسلامي لا يمثل كتلة واحدة مع وجود تيار (المؤتمر الشعبي) وتيار آخر أكثر براغماتية، إلا أن التيار المتشدد هو صاحب الصوت الأعلى والأكثر تأثيرا في المشهد السياسي والعسكري الحالي بحكم امتلاكه لأدوات التعبئة والإعلام وصلاته بدوائر القرار العسكري.
خطاب البرهان بعد اجتماع مجلس الأمن والدفاع في السودان دعا فيه للتعبئة العامة والاستنفار، في ذات توقيت إعلان قوات الدعم السريع الموافقة على الهُدنة، مما يجعل الأمر مُربكاً في قراءة المشهد السوداني وتداعيات الحرب على الإنسان السوداني.
(5)
حرب السودان وإن تطاول أمدها، إلا أن الأمنيات تتعلق بخيوط هُدنة تتأرجح بين معياري الرفض والقبول، ملايين السودانيين يتطلعون لوقف الإقتتال وعودة حيواتهم الاجتماعية لما قبل الخامس عشر من أبريل، يرون في الهُدنة مساحة لمد حبال الأمل لوقف شامل لإطلاق النار وسلام يعيد الدولة السودانية.. تُرى هل يتحقق الأمل.. أم يستمر كابوس الحرب؟
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد جريدة (الجريدة) لمتابعة احتمالات نجاح جهود المبادرة الرباعية (الولايات المتحدة، مصر، الإمارات، السعودية) في إقناع الجيش وقوات الدعم السريع بالدخول في هدنة إنسانية يليها وقف إطلاق نار والدخول في حل سياسي للأزمة في السودان. تشير المادة إلى احتمال نجاح الهدنة إذا تمكن قائد الجيش من تجاوز حلفائه من الإسلاميين الذين لا يرغبون في وقف الحرب.
المصدر: صحيفة التغيير