التغيير كمبالا: فتح الرحمن حمودة
في أحد أحياء شرق مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان غربي وسط السودان، يروي رجل أربعيني بحسرة أن مدينته رغم ما شهدته من معارك وقصف وسقوط مئات الضحايا منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع “لم تكن يوما كما هي الآن”!!.
ويبدو أن التشكيلات العسكرية العديدة التي انتشرت في المدينة جلبت معها ما غير نمط الحياة وأفقد العديدين شعور الأمن النسبي الذي كان متوفرا، خاصة وأن هذه القوات محمية ومطلقة الأيادي!!
الرجل قال لـ(التغيير)، إنه مع دخول الجيش والمجموعات التي تقاتل معه إلى قلب المدينة بعد السيطرة على مدينتي أم روابة والرهد، تبدل المشهد كليا مع تصاعد التفلتات الأمنية والخوف الذي يسيطر على الشوارع، وحياة تتحول مع حلول المساء إلى صمت يقطعه صوت الطلقات الطائشة. وحال هذا الرجل ليس استثناء بل صورة مكثفة لما يعيشه معظم سكان الأبيض اليوم.
وتشهد المدينة أوضاعا معقدة منذ فك حصار الدعم السىريع عنها، ومع تعدد المجموعات التي تقاتل في صف الجيش وتباين تعاملها مع المواطنين فهناك من يصفها بمصدر حماية وضبط للأمن ومن يرى فيها تهديدا مباشرا لحياة الناس اليومية، بينما أثارت زيارة عضو مجلس السيادة، نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي إلى المدينة مؤخرا جدلا واسعا حول ما أحدثته من تأثيرات نفسية وسياسية وأمنية.
تعامل بربري
وقال المواطن “ص. ع” في حديثه لـ(التغيير)، إن الوضع في الأبيض أختلف كثيرا بعد فك الحصار، وأوضح أن القوات التي دخلت المدينة تنوعت ما بين متحرك الصياد وجهاز الأمن وكتائب البراء والقوات المشتركة، مشيراً إلى أن المواطنين في البداية استقبلوا هذه القوات بترحاب، ولكن مع مرور الوقت بدأت تظهر شروخات في العلاقة بين الطرفين.
وأضاف أن معظم أفراد الجيش لم تسجل ضدهم انتهاكات كثيرة وكذلك الشرطة وكتائب لواء النخبة ولكن المشكلة برزت مع بعض أفراد القوات المشتركة وجزء من الجيش والمستجدين الذين تم تخريجهم مؤخرا، وذكر أن الانتهاكات ارتبطت غالبا بعناصر من القوات المشتركة الذين يتجولون في شكل مجموعات، ونوه إلى أنهم يعتدون على المواطنين في الشوارع وينهبون ممتلكاتهم.
ومن جانبه قال “م. ص” لـ(التغيير)، إن تعامل القوات المشتركة مع الأهالي سيئ وبربري، ولفت إلى أن سلوكيات مثل الترويع والضرب والنهب أصبحت مألوفة، وأشار إلى حادثة وقعت في مجمع السينما حيث أطلق عنصران من القوات المشتركة الرصاص في الهواء داخل المبنى ما أثار الرعب وسط المدنيين.
وأضاف أن الجيش نفسه لم يسلم من الاتهامات حيث يستغل بعض عناصره سلطتهم للنهب والسرقة بل وارتكاب انتهاكات تصل حد الاغتصاب، ولفت إلى أن ذلك الانفلات أثر سلبا على حياة الناس، وقال إن المواطنين لم يعودوا قادرين على الجلوس أمام منازلهم بعد المغرب، وأن الحركة أصبحت جماعية وخالية من النقود والهواتف خوفا من الاستهداف.
تورط كتائب الإسلاميين
في المقابل، قدم إبراهيم بخيت محمد القيادي في حركة جيش تحرير السودان شمال كردفان رؤية مختلفة، إذ رأى أن القوات المشتركة منضبطة بشكل جيد وحملت السلاح من أجل حماية الشعب السوداني، وأكد أن ما يقال عن انتهاكات هذه القوات غير صحيح، وأضاف أن المدارس في الولاية خالية من المظاهر المسلحة وقد أعيد فتحها وأن الولاية تعيش حالة أمن وأمان حسب قوله.
وبحسب ناشطين من سكان المدينة فإن التفلتات الأمنية التي تشهدها الأبيض لا تعود إلى أفراد القوات المشتركة وإنما إلى عناصر تابعة لكتائب الحركة الإسلامية، وقالوا إنها تسعى إلى تشويه صورة تلك القوات أمام المواطنين حد تعبيرهم.
يذكر أن القوات المشتركة لعبت دورا محوريا في المعارك منذ دخولها مدينة الأبيض حيث واصلت التقدم في الصفوفة الأمامية للمواجهات العسكرية بكردفان وجاء انتشارها في سياق العمليات الواسعة التي يشهدها الإقليم وسط محاولات لإحكام السيطرة على المواقع الإستراتجية وقطع خطوط الإمداد.
ومضى بعض من تحدثوا لـ(التغيير) إلى تبرئة القوات المشتركة من الانتهاكات، وقالوا إنها تبذل جهودا لحماية سكان الأبيض، وظهر ذلك في تقدمها إلى الصفوف الأمامية للمعارك وفي الرسائل التطمينية التي يوجهها قادتها للسكان بأن وجودهم في المدينة يهدف إلى حمايتهم لا إلى التعدي على ممتلكاتهم.
مهدد للأمن
لكن على عكس هذه الرؤية تناول “أ. ن” في حديثه لـ(التغيير) البعد الإجتماعي لوجود القوات المشتركة، مشيرا إلى أن العلاقات الشخصية والإثنية مع عناصرها جعلت بعض السكان شبه محصنين من الانتهاكات، بينما استفاد آخرون من هذه الصلات لتسهيل إجراءات حكومية أو تجارية، لكنه يرى أن هذه القوات أرهقت المواطن بتهديد أمنه ليلا ونهارا، مؤكدا أن الجيش نفسه عاجز عن التدخل أحيانا لأن ضبط القوات المشتركة شأن داخلي خاص بها وبالشرطة العسكرية التابعة لها.
وفي السياق، قال الأمين العام للشبكة الشبابية للمراقبة المدنية أحمد توم لـ(التغيير)، إن منظمته وثقت عددا من الانتهاكات التي ارتكبها أفراد القوات النظامية داخل المدينة، مشيرا إلى أن المواطنين أصبحوا يرون في وجود هذه القوات تهديدا لأمنهم.
وأوضح أن بعض حوداث النهب والاعتداء على المنازل جرى رصدها وتوثيقها، وأضاف أن كتائب البراء احتلت مدارس ورفضت الخروج منها حيث خرجت بعض القوات من مدرسة الأبيض الثانوية ثم عادت إليها لاحقا.
وفيما تصر بعض القيادات العسكرية والسياسية على أن القوات المشتركة أداة لحماية المدنيين ووحدة السودان يرى قطاع واسع من السكان أن الانتهاكات اليومية جعلت حياتهم أكثر خطرا وأن الأمن في الأبيض أصبح مرهونا بتفاهمات عسكرية غير معلنة وبمدى قدرة الجيش على التقدم بعيداً عن المدينة.
المصدر: صحيفة التغيير