الطيب محمد جادة

الطيب محمد جادة

في ظل الحرب الدامية التي تعصف بالسودان منذ أكثر من عام، جاءت خطوة “قوات الدعم السريع” بإعلان تشكيل حكومة موازية كتحول خطير في مسار النزاع، ينذر بمزيد من التعقيد السياسي والتشظي الجغرافي للدولة. ومع اشتداد الصراع بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يطرح مراقبون تساؤلات ملحّة: إلى أين يتجه السودان؟ وهل بات شبح التقسيم أو الانهيار الكامل أقرب من أي وقت مضى؟

حكومة موازية: واقع الانقسام يتكرّس

أعلنت قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة مدنية موازية، تضم وزارات وهيئات تنفيذية في المناطق التي تُسيطر عليها، وخاصة في غرب السودان ودارفور. ورغم أن الخطوة وُصفت بأنها “مؤقتة”، إلا أنها تحمل أبعادًا استراتيجية توحي برغبة في فرض أمر واقع سياسي على الأرض.
هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل تتكئ على عاملين رئيسيين:

1. الفراغ السياسي والإداري في المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش، حيث أصبحت خدمات الدولة شبه غائبة، مما وفّر للدعم السريع فرصة لتقديم نفسها كسلطة بديلة.
2. الدعم الإقليمي الضمني، من بعض القوى التي تسعى لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في المنطقة لمصالح جيوسياسية، ما يثير مخاوف من تدخلات خارجية تؤبّد النزاع.

رد الفعل الحكومي والدولي

الحكومة السودانية، ممثلة في مجلس السيادة والجيش، أدانت الخطوة واعتبرتها “تمرداً جديداً” يهدف إلى تقسيم البلاد. ووصفت الخطوة بأنها باطلة قانونًا وتهدف لفرض مشروع “حكم ذاتي انفصالي” تحت غطاء مدني.
أما المجتمع الدولي، فظل حتى الآن في موقف المراقب، مكتفيًا بالتصريحات الدبلوماسية حول ضرورة الحفاظ على وحدة السودان ودعم جهود الوساطة. لكن غياب ضغط فعلي لإنهاء النزاع، خاصة من قبل القوى الكبرى، يعطي مجالًا لقوات الدعم السريع لتعزيز وجودها المؤسسي في المناطق التي تسيطر عليها.

السيناريوهات المحتملة

1. التقسيم غير الرسمي: إذا استمرت قوات الدعم السريع في ترسيخ مؤسساتها الحكومية، فقد نشهد نشوء نموذج يشبه “الدولة داخل الدولة”، لا يعترف بها رسميًا لكنها تفرض سيطرتها عمليًا، كما حدث سابقًا في ليبيا وسوريا.
2. المفاوضات تحت الضغط: قد تُستخدم الحكومة الموازية كورقة ضغط في أي مفاوضات قادمة، تُمكّن الدعم السريع من الحصول على حصة أكبر في السلطة مقابل التراجع عن هذه الخطوة.
3. الانهيار الكامل للدولة: مع استمرار الحرب وتعقّد المشهد، يزداد خطر الانهيار المؤسساتي الكامل، خاصة مع تنامي الانقسامات الإثنية والقبلية وغياب مركز موحّد للقرار الوطني.
4. الحل السياسي الشامل (السيناريو الأكثر تفاؤلاً): رغم صعوبته، فإن هذا السيناريو يتطلب توحيد جهود الداخل والمجتمع الدولي للضغط نحو وقف دائم لإطلاق النار، ثم تشكيل سلطة انتقالية متوافق عليها.

في الختام

إن السودان يقف على مفترق طرق خطير. والرهان على الحسم العسكري وحده بات مكلفًا ومفتوحًا على فوضى ممتدة. في المقابل، فإن تجاهل التطورات الأخيرة، وعلى رأسها تشكيل حكومة موازية، سيكرّس واقع الانقسام، ويقضي على ما تبقى من حلم الدولة الوطنية.
ما يحتاجه السودان اليوم ليس فقط وقف الحرب، بل إعادة بناء مشروع وطني جامع، يعيد تعريف السلطة والثروة على أساس المواطنة، لا البندقية.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.