إعلان نيون.. هل يمثّل بارقة أمل لحراك سياسي فاعل؟
تقرير: خالد فضل
التأم جمع عدد من الفرقاء السياسيين السودانيين لإدارة حوار غير رسمي حول مستقبل البلاد التي مزقتها الحرب الداخلية الدامية والمستمرة لما يقارب العامين مخلفةً أسوأ كارثة إنسانية على وجه الأرض الآن بسبب تنازع حول السلطة والنفوذ بين طرفي المؤسسة العسكرية السودانية الجيش والدعم السريع بقيادة الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان المعروف بحميدتي، وقد أحدثت الحرب استقطاباً سياسياً وانقسامات حادة طالت الأبنية المجتمعية السودانية وكشفت بشكل واضح حجم الهوة العميقة في علاقات الاجتماع البشري بين تلك المكونات.
استغرقت الاجتماعات الفترة بين 25 28 نوفمبر الماضي، واحتضنتها ضاحية نيون بمدينة مونترو السويسرية بتسهيل من مؤسسة بروميديشن الفرنسية، ومن أبرز المجتمعين أعضاء في تحالفين متناقضين يضمان مجموعات حزبية وحركات مسلحة وشخصيات مهنية واجتماعية مؤثرة توزعت مواقفهم بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم) وتحالف الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، إضافة إلى تحالف التراضي الوطني الذي يتزعمه مبارك الفاضل المهدي، وممثل لحركة جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد النور، وممثل لحزب المؤتمر الشعبي/ قيادة د. علي الحاج وشخصيات سياسية سودانية مستقلة مثل د. الشفيع خضر ونور الدين ساتي.
صدرت عن الاجتماع وثيقة إعلان مبادئ عرفت بعملية نيون، ومن أبرز ما اشتملت عليه: الدعوة لوقف العدائيات والإلتزام بمبادئ إعلان جدّة، وتيسير الوصول الإنساني للمتضررين، وحث الدول الداعمة للطرفين بالسلاح لوقف الإمدادات العسكرية.
كما تضمنت الدعوة لإطلاق مشروع وطني متوافق عليه ومخاطبة جذور الأزمة السودانية، وتأسيس جيش وطني مهني موحد والحفاظ على وحدة البلاد وبدء عملية سياسية في أقرب وقت بالتزامن مع المسارات الإنسانية والأمنية والعسكرية والسياسية.
كما نص الإعلان على تفكيك بنية نظام 30 يونيو 1989م، والتركيز على مبدأ العدالة والعدالة الانتقالية وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وإدراج قضايا المرأة ودورها في فض النزاع وبناء عملية السلام. وفتح الإعلان الباب لإجراء حوار سوداني شامل لجميع الأطياف الوطنية.
خطوة إيجابية
(التغيير) استطلعت آراء بعض الإعلاميين السودانيين وأستاذ جامعي عمل خبيراً سابقاً في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالسودان فجاءت إفاداتهم مضيئة لبعض الجوانب من وجهات نظر متفاوتة.
يقول د. عبد اللطيف طه الأستاذ بجامعة الخرطوم، إنّ ما تمّ من حوار يعتبر خطوة إيجابية نحو تحقيق السلام في السودان ويعكس رغبة الأطراف المشاركة في استكشاف طرق حلول سلمية للنزاع المستمر في البلاد، ويمكن أن يشكل نواة اختراق جاد حال الإلتزام به وتنفيذه بمصداقية وحسن نيّة، وخطوة مهمة نحو إيقاف الحرب ومعالجة آثارها واستعادة مسار التحول الديمقراطي.
مشيراً إلى بعض الجوانب التي يمكن أن تسهم في تعزيز نجاحه مثل حصوله على دعم المجتمع الدولي من خلال تقديم الدعم الفني والمالي والسياسي، ومشاركة المجتمع المدني في عملية السلام بما يمكّن من تمثيل أوسع لمختلف فئات المجتمع السوداني وهذا يعزز من شرعيته، كذلك معالجة القضايا الجذرية لأسباب النزاعات مثل التوزيع العادل للسلطة والثروة وتحقيق العدالة الانتقالية.
حالة تشكك
الصحفي والمحلل السياسي السوداني عبد الحميد عوض، يبدي تشككاً في تشكيل الإعلان لإختراق ناحية إيقاف الحرب، لأنّ طرفي الحرب الاثنين هما من يمكن أن يحدثا الإختراق المطلوب في حال إتفاقهما على ذلك، للأسف القوى المدنية لا حول لها ولا قوة على صعيد وقف الحرب، ولكن يمكن النظر إلى اتفاقها على مبادئ الحل السياسي اختراقاً إذا حدث ذلك بعد اتفاق الجيش والدعم السريع على وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية ونقل السلطة كاملة للمدنيين، وقتها يمكن النظر إلى حراك تلك القوى المدنية وأهميته في المرحلة الثالثة من مراحل حل الأزمة السودانية.
ونبّه عوض إلى أنّ واحداً من التحليلات الخاطئة للمشكلة السودانية ربطها بضرورة التوافق بين القوى السياسية المدنية فالمعضلة أساساً تكمن في تعدد القوات المسلحة لأنّ حل تبايناتها يتم دائماً بلغة السلاح بينما الخلافات بين القوى المدنية يعتبر أمراً محموداً بل جزء من العافية لأنها خلافات سلمية حسمها يتم بالأدوات المدنية السلمية كالإنتخابات، ونشوء أي حزب بطبيعة الحال؛ يعني حالة خلافية صحيّة سواء في الأفكار أو المواقف أو الأدوات السلمية للتعبير.
قفزة في الظلام
في قراءة من زاوية مغايرة، يرى كمال كرار الصحفي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أنّ ما ورد في الإعلان عن إيجاد مشروع وطني يضم كافة القوى يعتبر قفزة في الظلام لأنّه لم ينظر في الأسباب الحقيقية للحرب، وقد ضمّ الاجتماع قوى كانت وما زالت مستفيدة منها ومستقطبة من أطرافها، فمن يروم الحرب لا يسعى للسلام ولا يمكنه تحقيقه هذا من ناحية، من ناحية أخرى فإنّ نوعية هذه الاجتماعات التي تتم برعاية بعض المنظمات العالمية تهدف في النهاية إلى إيجاد معادلة تحافظ على مصالح الدول الغربية ووكلائها في المنطقة، وبالتالي إعادة إنتاج الأزمة العامة في بلادنا دون حل القضايا الجوهرية. أمّا المشروع الوطني الذي ينادي به المجتمعون كان وما يزال هو مشروع الثورة الذي دشنته ثورة ديسمبر المجيدة، وتآمر عليه من اجتمعوا في سويسرا إمّا بالالتفاف عليه والتنكر له كما في حالة (تقدُم) أو بتدبير الانقلاب ضده كما في حالة الكتلة الديمقراطية، مشيراً إلى أنّ ما يحاك الآن هو محاولة لإعادة فلول المؤتمر الوطني للمشهد السياسي ووأد الثورة وهو الأمر المستحيل حسب تأكيده.
حوافز للاختراق
خالد سعد الصحفي والمحلل السياسي السوداني، طرح رؤية بقراءة وصفها بالمستقلّة ولا تعبر عن موقف شخصي أو سياسي. وفيها استبعد توافقاً سياسياً شاملاً في الوقت الراهن؛ لأنّ التحيزات السياسية الجزئية ما تزال هي المسيطرة على مشهد الفرقاء، وأجندة الإقصاء هي المهيمنة على مواقف القوى السياسية بما فيها تلك المتحالفة سرّاً أو جهراً مع الأطراف العسكرية المتحاربة.
ويمضي خالد في تحليل السياق بأنّ مناورات القادة العسكريين تسهم أيضاً في هذا المأزق، فضلاً عن تلويحهم بأنّ أجندة اليوم التالي للحرب سيحددها العسكر وحدهم وهناك قوى إقليمية ودولية مؤثرة تدعم هذا الإتجاه بمنطق أنّ المتحاربين وحدهم هم القادرون على إيقاف الحرب أو حسمها في الميدان مما يؤهلهم لتسيّد المشهد القادم. كما أدى انخراط حزب المؤتمر الوطني المحظور في المشهد السياسي بصورة شبه علنية وبنفس قادته إلى زيادة تعقيد جهود لم الشمل وتوسيع فجوة الثقة بين السياسيين والعسكريين وبشكل خاص بين الجيش الذي تتهمه قوى الثورة بالإنحياز إلى النظام المعزول، وبالتالي من غير المتوقع أن تتنازل هذه القوى ليصبح حزب النظام السابق جزءاً من هندسة وضع ما بعد الحرب رغم تنازلها باستيعاب تيارات وأحزاب كانت ضمن النظام المعزول، وبعض الإسلاميين الذين كانوا الرافد الرئيس لحزب البشير. ومن تعقيدات المشهد كذلك أنّ هناك قوى سياسية مؤثرة وتحظى بغالبية تأييد وسط مكونات إجتماعية كبيرة صارت الآن جزءاً من الاستقطاب الإجتماعي الذي أوصلته الحرب إلى ذروته، وهذا الانقسام السياسي بطابع إجتماعي مما يعقد سيناريو التسوية الشاملة.
ورغم ما يبدو من مشهد قاتم بيد أنّ سعد يمضي للقول: إنّ ما أصاب البلاد والمواطنين جراء الحرب، ومخاوف تقسيم البلاد، واستطالة أمد الحرب دون حسم؛ يظل من الحوافز المستمرة لاحتمال حدوث اختراق لصالح تسوية وطنية، خاصةً إذا انطلقت مبادرة لم الشمل الوطني من قيادة الجيش وبرؤية غير منحازة لطرف.
المصدر: صحيفة التغيير