#image_title

محمد حموده
فى جميع مراحل تطور دولتنا تبرز قضية المناهج كأشكالية وغالبا ترتكز تغييرات المناهج على بعد ايدولوجي بدلا عن اهداف قومية متفق عليها وأسس دستورية وقانونية  تعبر عن اتجاهات الشعب بمختلف فئاته .
تشكل قضية المناهج الدراسية في السودان إحدى أبرز القضايا الخلافية ، حيث أثارت تغييرات المناهج التي أُعلنت خلال الفترة الانتقالية  جدلاً واسعاً في الأوساط التعليمية والسياسية والاجتماعية. ويعود ذلك إلى أن هذه التغييرات استهدفت بشكل أساسي تقليص النزعة الإسلامية وانعكاساتها، دون أن تستند إلى إطار قومي متفق عليه أو مرجعية دستورية واضحةمما يجعل البعد القومي غائبا ووضوح البعد الرغائبي الايدلوجي الاقصائي فهذا مردوده تراكم الاحقاد والاحساس بالغبن بدلا من التطور والنماء وتحقيق مقاصد المناهج النهائية .
مشلكة التغييرات انها جاءت في وقت لم تُحسم فيه بعد القضايا الوطنية الكبرى مثل:
• السلام الشامل.
• صياغة الدستور الدائم.
• تحديد هوية الدولة عبر آليات ديمقراطية متوافق عليها.
وبالتالي، فإن أي تغيير في المناهج الدراسية دون اتفاق قومي صريح قد يتحول إلى مصدر انقسام بدلاً من أن يكون أداة لبناء الوحدة الوطنية وتقليل كلفة التنازع التى عانت منها بلادنا طويلا  .
الأهداف القومية للتعليم هي المبادئ العامة التي تعكس تطلعات الأمة، وتحدد الاتجاهات المستقبلية للتنمية. ومن خلالها تُشتق أهداف المراحل التعليمية المختلفة، التي تحدد بدورها نوع المعارف والمهارات والقيم المطلو  فغياب هذه الأهداف المتفق عليها يجعل أي تغيير في المناهج غير مستقر، وعُرضة للصراع السياسي والأيديولوجي.
يمكننا ان ناخذ دروسا من التجارب الدولية فجنوب أفريقيا وبعد إنهاء الفصل العنصري، تمت صياغة مناهج جديدة تعكس القيم الدستورية للمساواة وحقوق الإنسان والتنوع الثقافي.وكذلك ألمانيا بعد الوحدة راجعت المناهج لتأسيس وعي وطني موحَّد يقوم على الديمقراطية، مع تجنب الأيديولوجيات الشمولية.
وكذلك رواندا عقب الإبادة الجماعية، أعيدت صياغة المناهج لتعزيز المصالحة الوطنية وبناء الهوية الجامعة استناداً إلى الدستور الجديد.
كل هذه التجارب تعزز فرصة ان تجد بلادنا مسارا توفيقيا بين مكوناتها وتؤسس لمناهج تخدم استدامة الاستقرار والتطور والنماء وتماسك اللحمة القومية .

يمكن أقتراح التالي فيما يتعلق بالمناهج وتغييرها :
1. تأجيل التغييرات الكبرى في المناهج إلى ما بعد إقرار الدستور الدائم.
2. صياغة اتفاق قومي للتعليم يحدد الهوية الوطنية والأهداف القومية للتعليم بمشاركة القوى السياسية والمجتمع المدني والخبراء التربويين.
3. إشراك المجتمع المحلي عبر مشاورات عامة مع أولياء الأمور والمعلمين والطلاب.
4. اعتماد آلية وطنية شفافة لإدارة عملية إصلاح المناهج، تتسم بالاستقلالية عن التجاذبات السياسية.
5. الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في ربط المناهج بالدستور وأهداف الدولة، مع مراعاة خصوصية الواقع السوداني.
المناهج الدراسية ليست مجرد محتوى تعليمي، بل هي وثيقة وطنية تصوغ وجدان الأجيال وتحدد معالم المستقبل. لذلك، فإن أي تغيير يجب أن يستند إلى اتفاق قومي دستوري يمثل جميع مكونات السودان، ويعكس مشروعاً وطنياً متوافقاً عليه، بدلاً من أن يكون قراراً فردياً أو سياسياً مرتكزا على ايدلوجيا حزب او فئة من دون بقية مكونات الأمة السودانية واسعة الطيف .

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.