تحركات مسعد بولص في أفريقيا: إشارات دبلوماسية للأولويات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
بقلم: صفاء الزين
في الأسابيع الأخيرة أثار تحرك مسعد بولص مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا موجة من التساؤلات على الصعيدين السياسي والدبلوماسي. فقد تم رصد بولص وهو يلتقي بالجنرال الليبي خليفة حفتر في مدينة بنغازي بينما سعى لترتيب لقاء مع الفريق عبد الفتاح البرهان خارج السودان متجنبًا زيارة بورتسودان. هذه اللقاءات لا تعد مجرد ترتيبات روتينية بل تعكس شبكة معقدة من الحسابات السياسية التي تأخذ في الاعتبار الأمن الإقليمي والعلاقات الدبلوماسية.
البرهان خضع لعقوبات أمريكية فرضتها وزارة الخزانة في يناير 2025 بموجب الأمر التنفيذي 14098 على خلفية دوره في الحرب الدائرة والانتهاكات المرتبطة بها بما في ذلك قصف مناطق مدنية وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية. يُنظر إليه كشخصية مثيرة للجدل تُعرقل مسار الانتقال الديمقراطي في السودان ولذلك فإن أي لقاء رسمي معه قد يُفسَّر كمنح شرعية دولية في وقت يُصنَّف فيه ضمن دائرة الاستهداف بالعقوبات الأمريكية.
من جهة أخرى يعتبر حفتر شريكًا للأمريكيين في محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وهو ما يخفف من التكلفة السياسية المرتبطة بلقائه على الرغم من تاريخه الحافل بالانتهاكات. السياسة الأمريكية في هذا الصدد توضح المعيار البراغماتي الذي تتبعه في التعامل مع الشخصيات السياسية في المنطقة: من يخدم مصالح واشنطن يعتبر شريكًا مهما حتى لو كان له تاريخ في حقوق الإنسان.
كما أن الوضع الأمني في السودان في تدهور مستمر نتيجة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع يعزز من المخاوف الأمريكية بشأن تأمين أي زيارة رسمية. إذ إن الوضع الداخلي المتأزم يجعل من غير الممكن تأمين وفد رفيع أمريكي داخل الأراضي السودانية ويعكس رفض واشنطن المخاطرة بتقديم شرعية لحكومة البرهان في هذه المرحلة الحساسة.
السودان الذي يُخفي جزءًا من معادلة السلام خلف الأبواب المغلقة يظهر عجزًا واضحًا في قدرته على التعامل مع الأزمات الداخلية بشفافية وهو ما قد يكون ناتجًا عن قلق الحكومة السودانية من ردود فعل التيار الإسلامي القوي الذي لا يزال يشكل تهديدًا للنظام.
زيارة مسعد بولص إلى حفتر تأتي في إطار استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ الأمريكي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا. فواشنطن تدرك أهمية ليبيا كمنصة استراتيجية للتواصل الاستخباراتي والأمني مع دول المنطقة في حين أن السودان الذي يغرق في صراعات داخلية مدمرة لا يمثل أولوية على الصعيدين الدبلوماسي أو الأمني.
الزيارة إلى حفتر رغم ما يحمله من قضايا حقوقية مشبوهة تعتبر خطوة أكثر قبولًا لواشنطن بسبب الواقع السياسي والعسكري القائم في ليبيا بينما تظل زيارة البرهان محفوفة بالمخاطر السياسية التي قد تضر بصورة الولايات المتحدة في حال تم التعامل معها علنًا.
تظهر هذه الوقائع بوضوح أن الولايات المتحدة تتبنى معايير مزدوجة في سياستها الإقليمية حيث يترسخ المبدأ القائل بأن من يملك الأدوات التي تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة يمكنه التأثير على مجريات الأحداث بينما تبقى الدول الغارقة في أزمات داخلية بدون أي تدخل ملموس إلا إذا فرضت نفسها على الساحة الدولية.
بناءً على هذه المعطيات تظل الرسالة السياسية التي يبعث بها تجنب زيارة البرهان ولقاء حفتر واضحة: الدول التي تمتلك الأوراق التي تخدم المصالح الأمريكية ستكون دائمًا في دائرة الاهتمام أما الدول التي تعيش أزمات داخلية معقدة فلا يُتوقع لها أن تحظى بعلاقات دبلوماسية مؤثرة إلا إذا تمكنت من استعادة الاستقرار الداخلي وتحقيق مواقف قوية على الساحة الدولية.
المصدر: صحيفة التغيير