لوّحت إسرائيل بتعطيل صفقة غاز كبيرة عقدتها مع مصر مؤخرا، للحصول منها على تنازلات سياسية، في ما يتعلق بخطط تل أبيب لترتيبات اليوم التالي في قطاع غزة، وسعيها الآن نحو تهجير سكانه، وجاء التلويح من خلال وسائل إعلام لجس النبض، وفتح باب للجدل حول موقف القاهرة من ممارسات الاحتلال في القطاع.

وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم”، إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين يعتزمان إعادة النظر في صفقة غاز ضخمة وقعت مع مصر في أغسطس الماضي، دون إشارة إلى مدى مطابقة هذه الخطوة للعقد المبرم بين الجانبين، وما يفرضه من التزامات قانونية في حالتي الفسخ أو التعطيل.

وفرّغ تقرير الصحيفة الخطوة من مضمونها الاقتصادي، وذهب مباشرة إلى ما يحمله من أهداف سياسية وعسكرية، وقال إن التفكير في المراجعة يأتي على ضوء معلومات تحدثت عن “انتهاكات” مصرية لبنود الملحق الأمني لاتفاقية السلام الموقعة بينهما.

وتبلغ قيمة الاتفاقية بين مصر وإسرائيل 35 مليار دولار، وتنص على تزويد مصر بـ130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040، وهي واحدة من أكبر صفقات تصدير الغاز في إسرائيل.

◄ مصادر مصرية تشدد على أهمية البعد الاقتصادي في الصفقة، لكنها لا تخلو من أغراض سياسية لدى الجانبين

ودرجت إسرائيل على تسريب معلومات عبر وسائل إعلام لقياس رد فعل الجهة أو الجهات التي تستهدفها، والتهميد لخطوة معيّنة سوف تقدم عليها لاحقا، أو ممارسة ضغوط سياسية عاجلة، لأن ما يسمّى بـ”الانتهاكات” مردود عليه، إذ لا يقل حجما عن خروقات إسرائيل للاتفاقية ذاتها عندما تمركزت قواتها بمعدات ثقيلة في ممر فيلادلفيا بجنوب غزة، القريب جدا من حدود مصر.

وأشارت تقارير إعلامية في أكثر من مرة إلى وجود “خروقات” مصرية لاتفاقية السلام، بينها بناء أنفاق في سيناء لتخزين الأسلحة، وتمديد مدارج المطارات، وإدخال قوات مدرعة ومشاة بأعداد تتجاوز ما نص عليه الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد، من دون تنسيق مع إسرائيل.

وبدت ممارسة الضغوط على مصر واضحة في العديد من التصرفات الإسرائيلية، وأبرزها حديث وسائل إعلام عبرية مؤخرا عن مزاعم بشأن وجود تنسيق أمني عالٍ مع مصر حول غزة وسيناء، ما يتناقض مع حديثها المعتاد حول وقوع خروقات لا تتواءم مع اتفاقية السلام بين البلدين، والذي ركز عليه تقرير “يسرائيل هيوم”.

وجاء إشهار ملف الغاز بعد أن كان التوجه داخل الحكومة الإسرائيلية سعيدا للغاية بالصفقة والنجاح في التصديق عليها، لكن قيل إن نقاشات داخلية دفعت نتنياهو إلى طلب فحصها على أعلى المستويات قبل المضي قدما فيها، في إشارة تحوي اعترافا ضمنيا بأن مكاسب القاهرة كبيرة، على عكس ما قيل عند الإعلان عنها في أغسطس الماضي، حيث تم تصوير الأمر باعتبار أن إسرائيل سجلت هدفا في مرمى مصر.

وأكد وزير الطاقة إيلي كوهين متفاخرا وقتها بأنه تم التوقيع على أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل، ووصفها بأنها “حدث هام على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.. وترسخ مكانة بلاده كقوة رائدة في مجال الطاقة ويعتمد عليها الجيران”.

وتمت إجراءات الصفقة لتصدير الغاز من حقل “ليفياثان” في البحر المتوسط عبر شركات تابعة للقطاع الخاص في البلدين، وتمثل شركة “بلو أوشن إنرجي” الجانب المصري، وتشارك إسرائيل عبر شركتي “راتيو” و”نيو ميد إنرجي” وهما تابعتان لمجموعة “ديليك” المملوكة لرجل الأعمال يتسحاق تشوفالا.

وتعرضت الحكومة المصرية إلى انتقادات، فبعد أن كانت تصدر الغاز إلى إسرائيل، تحولت إلى مستورد منها، ما يعرضها لضغوط جسيمة إذا توقف ضخه إليها، إذ تستخدم مصر إمدادات الغاز في تغطية جزء من الطلب المحلي.

وتعيد تصدير كميات من الغاز الإسرائيلي على شكل غاز مُسال عبر محطتي إسالة في كل من إدكو ودمياط على البحر المتوسط إلى الأسواق الأوروبية، وتعويض ما حدث من نقص بسبب وجود مطبات سياسية في وصول الغاز الروسي إلى أوروبا.

◄ قيمة الاتفاقية تبلغ 35 مليار دولار وتنص على تزويد مصر بـ130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040

وأوضحت تقارير إعلامية في مصر أن الصفقة تجارية بحتة وليست سياسية، وتحقق لمصر أرباحًا اقتصادية من خلال تعويض النقص في الطاقة، وتوفير إمدادات أقرب جغرافيًا وأقل تكلفة، واستغلال البنية التحتية القائمة في البلاد، وأن طول أمد الاتفاقية (15 عاما) له أغراض تجارية ويحمل طمأنة لجميع الأطراف.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن مصر تستبق تنفيذ بعض مشروعات الغاز الإقليمية التي تمر من خلال الأراضي السورية عقب إحرازها قدرا كبيرا من الأمن والاستقرار في المستقبل، وخشيت القاهرة من الانتظار أو توقيع عقد بمدة قصيرة، فتتجه إسرائيل لاحقا إلى تصدير غازها إلى أوروبا عبر سوريا، أو توقيع شراكات جديدة مع كل من قبرص واليونان وتركيا.

وشددت المصادر ذاتها على أهمية البعد الاقتصادي في الصفقة، لكنها لا تخلو من أغراض سياسية لدى الجانبين، حيث تعرف مصر أن تحولها إسرائيل إلى أداة ضغط عليها، لكن أيضا عدم تطبيقها سوف يصيب إسرائيل بأضرار مادية، فلا توجد دولة قريبة منها تتوفر فيها محطات إسالة جاهزة سوى مصر، ويحتاج تشييدها في إسرائيل وقتا ونفقات لن تستطيع تحمل تكلفتهما، وهي تخوض حربا على جبهات متعددة.

وبموجب الاتفاقية يقوم حقل “ليفياثان” بتزويد مصر في المرحلة الأولى بنحو 20 مليار متر مكعب من الغاز، بدءا من أوائل العام المقبل بعد إنشاء خطوط أنابيب إضافية، ويقوم الحقل بتصدير الكمية المتبقية، وتبلغ 110 مليارات متر مكعب، في مرحلة ثانية تبدأ بعد اكتمال مشروع توسعة حقل ليفياثان وإنشاء خط أنابيب جديد لنقل الغاز من إسرائيل إلى مصر من خلال معبر نيتسانا (العوجة) في إسرائيل.

وحسب القانون في إسرائيل، فإن وزير الطاقة مخول بالتصديق على الصفقة نيابة عن الحكومة، ومن دون توقيعه لن تدخل حيّز التنفيذ، ثم أُعيد النظر في الصفقة حتى أصدر نتنياهو تعليماته بطرحها عليه، للاستفادة منها سياسيا.

العرب

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.