إذا كفّ العالم أياديه:فهل يستطيع السودانيون حل مشاكلهم؟
يشهد السودان تصاعدًا في الدعوات لحل الأزمات الداخلية بعيدًا عن التدخلات الخارجية، حيث يبرز النقاش حول إمكانية إيجاد حلول محلية لمعضلات البلاد. تسلط تصريحات مسؤولين دوليين، مثل وزير الخارجية الروسي والمصري، الضوء على ضرورة ترك السودانيين ليتفاوضوا فيما بينهم، بينما تتباين الآراء حول قدرة السودانيين على تحقيق ذلك. يستعرض هذا التقرير، الآراء التي تم جمعها من مختلف الأطراف، لتبين التحديات التي تواجهها البلاد والنظرة إلى المستقبل في ظل الأزمات المتفاقمة.
التغيير: خالد فضل
منذ اندلاع النسخة الراهنة من سلسلة الحروبات السودانية الداخلية، طفقت بعض الأصوات خاصة من دول خارجية تنادي بضرورة (امتلاك السودانيين الحل لمعضلات بلدهم، وعلى رأسها الحرب).
فالسيد سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي وجه نداء إلى الولايات المتحدة الأمريكية (25 أبريل 2023) يحثها بعدم التدخل في الأزمة السودانية وترك الأطراف السودانية المشتبكة للتفاوض فيما بينها.
من جهته، فإن وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، قال بأهمية التعامل مع النزاع في السودان باعتباره شأنا سودانيا خالصا، رافضا تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بشكل يعيق جهود احتوائها. الشرق الأوسط 18/3/2024. القائم بأعمال السفارة الصينية من بورتسودان _العاصمة المؤقتة للسودان_ يقول في حوار مع ذات الصحيفة 30/9/2024 (للسودان الحكمة والقدرة على إيجاد حل توافقي لمشكلاته بعيدا عن التدخلات الخارجية).
في المقابل نجد أنّ السودانية د. أحلام حسب الرسول، أستاذة التاريخ في إحدى الجامعات السودانية، كانت قد أثارت اللغط في العام 2009 عندما أعلنت عن تشكيل تنظيم سياسي يدعو لعودة الاستعمار إلى بلدها، باسم حركة المطالبة بانتداب دولي واختصارها (حمد).
أودعت السلطات حينذاك حسب الرسول في مصحة للأمراض العقلية والنفسية، وفي حوار صحفي من داخل أسوار المصحة، سألها الصحفي إن كانت دعوتها تلك من إنسان عاقل؟ فأجابته: هل ما حدث في هذا البلد منذ الاستقلال حتى الآن هو فعل إنسان عاقل؟ ثم سردت مقارنات محزنة بين عهدي الاستعمار والاستقلال خلاصتها (الاستغلال) في كليهما؛ لكن بفائدة للوطن والشعب في ظل الاستعمار. وبدون فائدة في العهد الوطني، لذلك رجحت كفة الاستعمار.
وعلى خطى دعوة د. أحلام تلك، سارت دعوة البروفسير مهدي أمين التوم؛ وهو من ذوي الإسهامات الوطنية والعلمية والمهنية المميزة _ لاحقا أعلن اعتزاله المشاركة بالرأي في الشأن العام _ كتب: (إنّ الوصاية أو الإدارة الدولية المؤقتة قد تكون فعلا فكرة مجنونة ومربكة للكثيرين، لكن الدافع وراءها قناعة أنّ الوطن محتاج إلى جمّة من أبنائه ومتعطش إلى آلية قوية وفاعلة لفرض وقف فوري للحرب اللعينة القائمة ولإعادة ترتيب البلاد دستوريا وأمنيا وإداريا لينطلق الوطن من جديد على هدى وعي ودراية، ليتنا نفيق قبل فوات الأوان، وكفانا ادعاء بمقدرتنا الذاتية على الخروج مما نحن فيه من وحل أمني عسكري/جنجويدي، ومن تشظّ سياسي حزبي /مهني) الراكوبة 15/5/2024.
تحليل للواقع:
د. أحمد أمل أستاذ العلوم السياسية المساعد في كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، أشار في ورشة عقدت مؤخرا إلى أنّ الدولة السودانية تعاني تدهورا مستمرا منذ استقلالها، تجلى في مراحل متعددة من التآكل، والتراجع الشديد بما في ذلك انفصال الجنوب 2011 وما تلاه من صراعات طويلة. مع تفشي النزاعات الإثنية والصراعات الداخلية التي تعصف بالبلاد.
ولفت إلى أن النزاعات الجارية، أوضحت عجز الحكومات السودانية المتعاقبة عن إيجاد حلول، حيث توجد العديد من الأطراف التي تسيطر على الوضع في البلاد؛ مما أدى إلى تكليف مهام الدولة لأطراف غير حكومية.
وأشار إلى أن مستقبل الدولة يواجه 3 سيناريوهات تؤدي كلها إلى مشكلات، هي استمرار فشل الدولة، التفكيك، انقسام الدولة.
سؤال لسودانيين/آت وإجابات شبه متطابقة:
في سياق إعداد هذا التقرير تم طرح سؤال لعدد من السودانيين/ات فحواه، إذا رفع كل العالم أياديه عن السودان، هل سينجح السودانيون/آت في حل معضلات بلادهم، وعلى رأسها الحرب؟
الأستاذة الجامعية سارة عابدين _تقيم في كندا_ أجابت (نعم) إذا رفع كل العالم أياديه عن السودان والتدخل في شؤونه، مع وضع خطين تحت كلمة (كل).
إذا رفع كل العالم أياديه عن السودان، فإن لدينا الكثير من المفكرين والسياسيين القادرين على إدارة حوار شامل يحقق شعارات الثورة: حرية، سلام، وعدالة.
الأستاذة الجامعية، سارة عابدين
وأوضحت عابدين بقولها: أولا: معروف للجميع أن لكل طرف من طرفي الصراع داعمين من دول أخرى وفق مصالح تلك الدول، فإذا فقدا هذا الدعم تماما فلا يوجد أمامهما سوى طريق طاولة التفاوض. ثانيا، السودان لديه الكثير من المفكرين والسياسيين والمهتمين بالشأن العام من ذوي الخبرة في كل المجالات قادرين على إدارة حوار شامل يضع الأمور في نصابها، ويأتي بحكومة مدنية تحقق شعارات الثورة _حرية سلام وعدالة. ثالثا، شباب السودان الثائر ضد الأنظمة الديكتاتورية هدفه واضح، وإذا وجد الفرصة سوف يبدع، نحن لدينا ثروة مهدرة، هؤلاء الشباب هم الأمل، لكن لا بد للعالم أن يرفع أياديه عن شؤوننا.
المهندس إبراهيم الزين، أفاد باقتضاب، إجابتي أقرب إلى (لا)، فالحرب في رأيه بين مليشيتين، كلاهما تعتقد أنّ في إمكانها القضاء على الأخرى لتنفرد بالسيطرة على البلد، بينما بقية الشعب السوداني متفرج يبحث عن الأمان، لا كلمة ولا تأثير لهم.
د. عبداللطيف طه _أستاذ جامعي _ يؤكد الإجابة (لا)، يعزو السبب إلى اللغة السائدة بين السودانيين/ات أنفسهم هي لغة الإقصاء، أي أنّ المعادلة صفرية حسب رأيه.
عثمان عبدالماجد؛ خبير زراعي، يقول إنّه لا يعتقد أنّ للعالم الخارجي يداً في نشوب حروب السودان، فمنذ أول حرب في 1955مفي الجنوب سابقا كانت بحجة أن الجنوب لم ينل نصيبه في قسمة وظائف الدولة غداة خروج الإنجليز، فالحرب كانت وما تزال تدور بين المركز والهامش جنوبا وغربا وشرقا وأخيرا وسطا، ولم تكن ضد عدو خارجي. ويشير عثمان إلى أنّ أس الداء في استشراء واستمرار الحروب هو قسمة السلطة والثروة؛ منوها إلى توفر الموارد وكفايتها إن أحسن إدارتها وعدالة توزيعها، وهو الأمر الذي فشلت فيه النخب من العسكريين والأحزاب والجماعات والطوائف الدينية؛ بإخفاقها المتواتر في وضع أسس ودستور وعقد اجتماعي تستقر بموجبه الأوضاع في وطن يسع جميع أبنائه وبناته بمختلف تعددياتهم العرقية والثقافية والدينية المعروفة. ولهذا لم تصمد الاتفاقات كلهن بين المركز والهامش منذ الاتفاق الأول مع الأنانيا في الجنوب سابقا، وحتى اتفاق جوبا الأخير 2020م مع بعض الحركات المسلحة. مبديا ملاحظته بأنّ أيادي العالم الخارجي تكون دوما حاضرة في ظل الحكومات الضعيفة والأنظمة العسكرية بشموليتها وطبيعتها الديكتاتورية، ولا يمكن لجمها وكف تدخلاتها، إلا في ظل دولة مؤسسات مدنية ديمقراطية يسودها حكم القانون، وتحرسها الإرادة الشعبية الحرة.
أسامة خليفة، فاعل سياسي في حزب المؤتمر السوداني، إجابته (نعم)، بشروط حددها في الآتي: وحدة القوى المدنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي لوقف الحرب بالحوار والطرق السلمية. توفر الإرادة السياسية والقيادة الملتزمة والمؤمنة بالسلام وأهميته. المشاركة المجتمعية والإدارة الأهلية قدر الإمكان بما في ذلك مراكز صنع القرار. نشر الوعي بأهمية السلام والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع وكشف زيف الإعلام المضلل ونوايا صناع الحرب.
ومع ذلك يمضي أسامة للتأكيد بالحاجة إلى مساعدة العالم الخارجي ببعديه الإقليمي والدولي في تعضيد تلك الخطوات والمراقبة والإسهام في عمليات إعادة الإعمار والتنمية بعد توقف الحرب.
أبو الحسن عبد المجيد _ عضو الحزب الشيوعي السوداني _ جاءت إجابته: لا، لأن الشعب ليس طرفا في الحرب، بل هي حرب ضد الشعب السوداني وثورته، تقع عليه كل جرائمها وويلاتها.
د. عماد خليفة وهو أستاذ جامعي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، يقول (لا) أعتقد أنّ السودانيين سينجحون في إنتاج حل لإنهاء هذه الحرب دون مساعدة أو تسهيل أو وساطة خارجية، فالتاريخ القريب يؤكد أنّ الاتفاقات كلهن لوقف الحروب السابقة _الناجحة منها أو الفاشلة_ تمت عن طريق وسطاء من الخارج. توجد لدينا مشكلة عدم قبول الآخر، والنرجسية المفرطة متمثلة في (رأيي أو الطوفان) هذه هي المعضلة الرئيسة. كذلك يفتقر معظم الشعب إلى ثقافة المعايشة في حدودها الدنيا؛ وبالتالي عدم القدرة والقبول بمبدأ تقديم التنازلات اللازمة للعيش المشترك، هذه القدرة تشكل المدخل الأساسي لإنجاح أي مفاوضات حتى في حالة السلم.
د. أمير جعفر، سوداني مقيم في أمريكا، يقول إنّ السؤال يحمل إجابات متعددة، لكن واقع العالم اليوم يؤكد ألا بقعة في الكرة الأرضية بمعزل عن بقية العالم، أصبحت دول العالم ضمن شبكة منظومات اقتصادية وجيوسياسية، وتكون الحروب غالبا لأسباب سياسية واقتصادية، وترتبط أطراف حرب السودان بهذه النظم، عليه حل مشكلة الحرب فيه يمر عبر طريق واحد هو التفاوض مع وجود دولي وإقليمي للوصول إلى صيغة تحقق إلى حد ما مصالح كل الأطراف بدرجات متفاوتة.
د. الفضل يوسف، أستاذ جامعي مقيم في أمريكا، يقول: (لا) يستطيع السودانيون حل مشاكلهم الوطنية حتى في فترات الحكم الديمقراطي القصيرة لجملة أسباب على رأسها؛ تركيبة الشخصية السودانية التي تحمل في جيناتها عصبية زائدة، وليس لديها استعداد فطري لقبول الرأي الآخر. كذلك أدت سيطرة أقلية على الحكم منذ الاستقلال إلى خلق دولة عميقة استشرى فيها الفساد؛ مما يجهض أي محاولة للإصلاح. كما أنّ سيطرة العسكريين لفترات هي الأطول خلال العهد الوطني كرّس لنمط شمولي في الحكم مدعوما باستمرار من محاور إقليمية لديها مصالحها؛ مما يجهض أي مساعي وطنية في مهدها، منذ مؤتمر المائدة المستديرة في الستينات وحتى تقاطع المصالح الآن بين دول الجوار (إثيوبيا/مصر)، والأنظمة الداعمة للتيار الإسلامي (تركيا/قطر) هذه التقاطعات تقف حجر عثرة أمام الحوار الوطني الخالص الذي يعلي من قيمة الوطن ومصالح شعبه. ومن أسباب الفشل كذلك، تمكين الإسلام السياسي الذي أدى إلى غياب الرؤية الوطنية وانسداد الأفق في وجه تأسيس وطن حر ديمقراطي، وقد كان انفصال الجنوب نتيجة حتمية لذلك. ثمّ هناك ضعف الأحزاب السياسية والقوى المدنية الحية وغياب مشروعها الوطني وعجزها عن القيام بواجباتها في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمواطن.
المصدر: صحيفة التغيير