اخبار السودان

إحتفل به الأصدقاء في الثامن من مايو الجاري ..عن الفنان السوداني الشامل السيّد عبد الله صوصل نحكي

 

إحتفل به الأصدقاء في الثامن من مايو/ أيّار الجاري عن الفنان السوداني الشامل السيّد عبد الله صوصل نحكي

كتب: محمد غلامابي

العام 1988م، جَلبَ طالب السنة الأولى الدفعة “17” بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بشمبات سيّد عبد الله صوصل “طشت” كبير لإعداد وجبة الإفطار الأولى التي تجمّعت عليها “الدفعة” من الجنسين في يومها الأوّل بالمعهد، و لا تزال، أو لايزال صوصل يَفْتِل هذا الخيط الرفيع بين الزميلات والزملاء من الدراميين، إذ إحتفت به في الثامن من مايو/ أيّار الجاري مجموعة من صديقاته وأصدقائه بالوسط الثقافي، والفني، والمسرحي، بتنظيم وتدبير من الكاتب والمخرج عاطف خالد ” قطّري” في إحتفالية خاصة بإتحاد الأدباء والكتّاب ببورتسودان، ، إعترافا بأفضاله،، وتنويهاً، بأدواره العظيمة في الحياة المسرحية السودانية، سواءً تلك التي أنجزها، أو المتوقعة منه.

صوصليات ــ مسرحة شوكة الكداد

يرتكز الحكي هنا عن الفنان صوصل على شهادة، وإفادة قدمها دفعته بالمعهد المخرج والكاتب محمد علي مخاوى.
تشتمل شهادة مخاوي على تأريخ لقائه ومعرفته الأولى

بصوصل بـ”المعهد”، وما تلاها، وبعضا من سمات صوصل الشخصية، والإبداعية، سمات من البهاء، والجمال بمكان، وختمها بنداء لمن يهمه الأمر، فأهلا بكم أجمعين، في بساتين صوصل اليانعة، نلتقط بعضاً من ثمارها الطيّبة.

يقول مخاوي عن لقائه الأول بصوصل : ( كان ذلك في العام 1988م، في السنة الأولى بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح، فنحن دفعة واحدة، رسّخ لدينا أساتذتنا كهاشم صديق، والطيب مهدي، وعثمان البدوي، وبقية الأساتذة، روح الجماعة الواحدة، وأذكر جيدا كيف قفز زميلنا “السيّد” عبد الله صوصل قفزة مرحة _ ” السيّد” هو اسمه العائلي والرسمي بالمناسبة _ ليجلب هو وزميله أديب ” طشتا” كبيراً، لتتجمّع حوله “الدفعة” من الجنسين، في وجبة إفطارها الأولى، في يومها الأول بالمعهد، لتمثّل تلك الحادثة بالنسبة لي المفتاح الأوّل لشخصيته، فصوصل يتسرّب إلى النفس حتى تصاب بـ” محبة صوصل”، عبرنا معاً إلى السنة الثانية، وكنت كلّما ذهبت للمكتبة لاستلاف عنوان ما في التخصص ” المسرح” _ على ندرتها _ حتى وجدت صوصل قد سبقني إليه).
يقترب مخاوي من صوصل وآخرين أكثر ليقول (بتشجيع من أستاذنا محمد حامد شدّاد كنّا نعمل

بالإفادة من كتابات وعلوم كتّاب وفلاسفة المسرح الغربيين، وسودنتها، بتوجيهها نحو مجتمعاتنا السودانية، كان ذلك أساس حواراتي مع صوصل وغيره من الأحباب في الدفعة، إلى ما قبل قيام حرب الخامس عشر من أبريل عام 2023م، وهجرته إلى مصر، وأذكر في سنتنا الثالثة قمت بترجمة مسرحية” في إنتظار جودو”، لصمويل بكيت، وهي من مدرسة العبث، طلب صوصل إخراجها، مقدّماً فيها رؤية أعجبتني جداً، وهو يقول ” ليس بالضرورة أن نتبع العبث الأوربي وقع الحافر، لأن لدينا عبثنا الإفريقي، والسوداني الخاص)، وأنتقلنا معا للسنة الرابعة، وظلّ صوصل حفيّاً بمدرسة العبث، حتى أن البعض ينادونه بـ” صوصل بكيت”، والصحيح أن صوصل مدّ حباله بمدرسة العبث الغربية، لكن بسمات سودانية، بعبثه الخاص).
يفنّد مخاوي في شهادته “صورة الفوضى” التي قد يراها البعض في شخص صوصل ليقول (على العكس تماماً فمنذ أن عرفت صوصل فهو من أكثر الناس تنظيماً، يحمل دائما في ” خريطته” شنطته القماشية أكثر من قلم، وأوراق عديدة، يدوّن الأفكار التي تعنّ له، أو تلك التي يلتقطها من الشارع، وما أكثرها، ليقوم بإكمال تلك الأفكار والصور في أعمال مسرحية، متفوقاً علينا جميعا، بل يمكن القول بإطمئنان شديد أن صوصل

هو أكثر سوداني _ دون منازع _ ألّف للمسرح، فهو كائن مسرحي بإمتياز، لايعيش خارج المسرح والدراما، فهو إما يكتب، أو يمثّل، أو يخرج، وإذا كان البعض يتحدث عن أربعين نصاً أو أكثر كتبها للمسرح، فهو الذي كتب كل عروضه لمسرح الرجل الواحد، وهي بالمئات، ظلّ يقدّمها في أماكن عديدة بالسودان، ووصل بها أماكن لم يكن يتوقع أحد أن يقوم بها عرض مسرحي، تماما مثلما كان يفعل الاستاذ الفاضل سعيد ” عليه الرحمة”، بل أن صوصل وصل بمسرحه حتى الثوّار الارتريين بالغابة، وصوصل لن، ولم يتوقف عن الكتابة أبداً، ولو فُتِحَتْ لنا حجب الغيب الآن لوجدناه يكتب).
ومن سماته الشخصية كذلك يقول مخاوي ( لسيد عبد الله صوصل قدرة عالية على انسنة الأماكن، وتحريك ماهو ساكن، ومهمل، ومركون، وخلق حيوات حقيقية من الالفة والمحبة لما هو حوله من جماد، وحيوان، في كل بيت يغشاه صوصل بترك أثراً طيباً، كما كان يفعل مع أشجار بيتنا التي بشذّبها، ويهذّبها، ويسقيها، مثلما فعل مع ” أزيار” زميله الراحل أديب، التي واصل في تعبئتها بالمياه، ثم يمضي في حال سبيله.

الممصل علاء الدين ريحان في جانب من عرض مسرحية كلب الحر

سألت مخاوي: ما الذي ينقص صوصل ليستمر في الكتابة، والتاليف، والتمثيل، والإخراج عبر مشروع ثقافي وطني؟ فقال ( أعتقد أن بلادنا تظلم شخصا

مبدعاً مثل السيد عبد الله صوصل ظلما شديداً، فمثله لو وجد في بلاد تقدّر الفن والإبداع لأحدث ضجة كونية كبيرة، هذا دون مبالغة، فقدرته على التأليف والكتابة عالية جدا، يمكنه مثلا كتابة مسرحية كل شهر، ويخرجها، وأن يمثّل بإستمرار، لا تعوزه الفكرة؛ أو مادّة الكتابة، يحيل التفاصيل الصغيرة التي يمر عليها إلى أعمال مكتملة، بعبقرية مدهشة، تنقصه إذا يا صديقي أن تنهض منظمات أو مؤسسات وطنية، أو خارجية لرعاية موهبته المتدفقة، وعقله المتقد، والمنشغل دوما، وأسفي العميق أن صوصل برغم من كعبه الأعلى في الكتابة، والتأليف للمسرح السوداني لا توجد له مطبوعة واحدة لأي من أعماله المسرحية. ولو تكللت مساعي صديقاته وأصدقائه في جمع إنتاجه يكونوا قد أفادوا المسرح السوداني مرتين، مرة بتوفير مراجع للباحثين في المسرح، وفي تجربته الشخصية، ومرّة ثانية بتوفير نصوص مسرحية. غنية، ومتفرّدة، ومتنوعة لمن يود التمثيل للمسرح.
يختتم الكاتب والمخرج محمد علي مخاوي حديثه عن زميله السيّد عبد الله بالقول ( يظل صوصل رقما لا يمكن تجاوزه في المسرح السوداني، يحظى بمحبة عظيمة لدى مختلف الأجيال المسرحية، وبشكل خاص وسط الأجيال الجديدة، والإنسان بريد أن يرى أثره على الناس والحياة، لذلك أنا سعيد بإحتفاء الأصدقاء والصديقات وعلى رأسهم الزميل عاطف قطيري، وطيف واسع من المحبين، الذين برون مشروع صوصل المسرحي، ويعملون بصبر على تجميع أعماله، لتكون بمثابة إرث للأجيال القادمة.
الإحتفائية بصوصل عبر ليلة ” صوصليات” شملت تقديم شهادات لزملاء، وأساتذة صوصل من الفنانين مصطفى أحمد الخليفة، محمد علي مخاوي، محمد عليش، وحديث لصوصل نفسه، لم نشاهده بسبب قطوعات الكهرباء بالمدينة، ورغم المصاعب والتعقيدات ببورتسودان، وعموم البلاد، نجح عاطف قطّيري من تقديم عرضين من إخراجه لصوصل في الليلة هما ” كلب الحر” من تمثيل علاء الدين ريحان، ومن تنفيذ ومساعدة إخراج ساهر مصطفى، و” شوك الكداد” لنخبة من الممثلين، على رأسهم الفنانة أمنية فتحي، وتنفيذ ومساعدة في الإخراج ساهر مصطفى.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *