معضلة كبيرة يواجهها الأمن الإثيوبي، إثر الكشف عن خلية لـ”داعش”، إذ تتعاطى البلاد مع تهديد “قد يكون ضمن عملية إعادة تموضع للإرهاب”.
وأعلنت إثيوبيا، اليوم، تفكيك واحدة من أخطر الشبكات الإرهابية التي تسللت بصمت إلى عمقها الداخلي، في عملية استخباراتية معقدة وواسعة النطاق.
وتمكن جهاز الأمن والمخابرات الوطني الإثيوبي، من اعتقال 82 عنصرا لتنظيم “داعش”، جرى تدريبهم خارج الحدود، ونشرهم سرا لتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد.
وقال الأمن الإثيوبي، إن المعتقلين كانوا مرتبطين بشكل مباشر بجناح تنظيم “داعش” في بونتلاند الصومالية، وهي منطقة معروفة بكونها معقلا للجماعات المتطرفة وبيئة خصبة لنشاطها العابر للحدود.
عملية أمنية دقيقة يراها خبراء دليلا على “تزايد تهديد داعش لأمن إثيوبيا”، رغم اختلافهم في أحاديث منفصلة لـ”العين الإخبارية”، حول مدى استدامة التهديد، وهل يمثل محاولة من التنظيم لإعادة تموضعه إقليميا؟
وتشير التحقيقات التي كشفها جهاز الاستخبارات الإثيوبي، إلى أن المعتقلين تلقوا تدريبات عسكرية وأيديولوجية مكثفة، قبل أن يتم نشرهم داخل الأراضي الإثيوبية بهدف تشكيل “خلايا نائمة” والاستعداد لتنفيذ هجمات إرهابية نوعية.
بدوره، شدد جهاز الأمن والمخابرات الإثيوبي على أن هذه العملية ليست نهاية المطاف، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تقوم على المتابعة الدقيقة والتحديث المستمر للتكتيكات الأمنية.
توسع أم تحرك تحت الضغط؟
ويرى الباحث في قضايا القرن الأفريقي، زكريا إبراهيم، أن التطور الذي أعلنت عنه إثيوبيا، “يظهر بالفعل مؤشرات على تحول تدريجي في استراتيجية “داعش” نحو التوسع الإقليمي المحسوب، وليس فقط ردة فعل على الضغط في معاقله الرئيسية”.
وأضاف في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “داعش لا يتحرك تحت الضغط فقط؛ بل يستثمر في المناطق الهشة التي تعاني من ضعف في السيطرة المركزية وتعدد الانتماءات العرقية والدينية”.
وبحسب إبراهيم، فإن بعض مناطق الحدود الصومالية الإثيوبية، إلى جانب أطراف من إقليمي أوروميا وأمهرة بإثيوبيا، “يشكلان بيئة مناسبة لهذا النوع من النشاط، ما يُشير إلى نية حقيقية داخل التنظيم لبناء نفوذ داخلي طويل الأمد”.
وتابع أن التحركات التي كشفتها الاستخبارات الإثيوبية “تظهر وجود بنية تحتية تجنيدية واستخباراتية داخل إثيوبيا، وهذا لا يحدث بين عشية وضحاها. بل يدل على مرحلة متقدمة من العمل السري، ما يعني أن التنظيم كان يخطط لاختراق إثيوبيا منذ فترة، وليس مجرد انتقال اضطراري”.
في المقابل، يرى الباحث والأكاديمي الإثيوبي، سلمون مولتا، أن “اعتقال 82 عنصرا من تنظيم داعش داخل إثيوبيا لا يعبر بالضرورة عن تمدد استراتيجي واسع للتنظيم نحو الداخل الإثيوبي، بقدر ما يعكس اضطرارا تكتيكيا نتيجة الضغط الأمني المتزايد في معاقله التقليدية”.
وأضاف في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن التقارير والمعطيات الميدانية “تشير إلى أن جبال علمسكاد في بونتلاند، التي شكلت مركز ثقل داعش في السنوات الماضية، أصبحت تخضع لضربات أمنية مكثفة من قوات ولاية بونتلاند وبدعم إقليمي أحيانا، ما دفع التنظيم إلى البحث عن فضاءات بديلة، تكون أقل رقابة وأسهل اختراقًا”.
ووفقا لمولتا، فإن إثيوبيا، بحكم تعقيداتها العرقية وضعف الرقابة في بعض أطرافها “تشكل هدفا مغريا للتنظيمات التي تعتمد على بناء خلايا نائمة وشبكات دعم محلية. لذا، فإن التحرك نحو إثيوبيا يمكن قراءته كمحاولة للتمركز الاحتياطي أكثر منه تعبيرا عن قوة تنظيمية توسعية”.
خطر كبير
المحلل السياسي الإثيوبي، أدم جبريل، ذهب إلى نقطة أبعد، وقال لـ”العين الإخبارية”: “سواء جاء تحرك داعش نتيجة ضغط في جبال علمسكاد أو كجزء من خطة انتشار، فالنتيجة واحدة وهي أن التهديد أصبح داخليا وموزعا على نقاط متعددة، ويتطلب مقاربة استخباراتية مرنة”.
وتابع: “بالتالي، إذا لم يتم التعامل مع هذه المؤشرات كجزء من تحول إقليمي في نشاط داعش، فقد تجد إثيوبيا نفسها أمام تهديد مستدام، تتزايد فيه قدرات التنظيم على التأثير المجتمعي، وليس فقط تنفيذ العمليات”.
وشهدت إثيوبيا في الأعوام الأخيرة عدة محاولات داعشية لاختراق الداخل وتأمين موطئ قدم للتنظيم من خلال تأسيس خلايا نائمة.
ففي عام 2019، أعلنت السلطات الإثيوبية تفكيك خلية إرهابية في العاصمة أديس أبابا كانت تخطط لسلسلة هجمات إرهابية تهدف إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وأظهرت التحقيقات وقتها أن عناصر هذه الخلية تلقت تدريبات عسكرية وأيديولوجية في معاقل التنظيم بالصومال.
وفي عام 2022، رصدت الاستخبارات الإثيوبية محاولات جديدة لتأسيس خلايا نائمة في إقليم أوروميا، حيث جرى تجنيد عناصر محليين ودعمهم لوجستيا عبر شبكات تنظيم دولية.
معضلة الحدود
وتشكل الحدود الإثيوبيةالصومالية، الممتدة لأكثر من 1600 كيلومتر، واحدة من أكثر المناطق هشاشة في شرق أفريقيا. وتعيش في بعضها قبائل ذات امتدادات إثنية عابرة للحدود، ما يسهّل تسلل الجماعات المتطرفة وتأسيس شبكات دعم محلية.
ويقع على تلك الحدود مثلث مانديرا، حيث نقطة التقاء إثيوبيا وكينيا والصومال، الذي تصفه تقارير أمريكية بأنه “من أكثر المناطق عرضة للصراعات في العالم”، بفعل التهريب، والحروب القبلية، وضعف الحضور الأمني الرسمي.
ويقطن المنطقة صوماليون من مجتمعات رعوية تتنقل بحرية عبر الحدود بحثا عن الماء والمرعى، ما يجعل الحدود “رخوة” أمنيا، ويسهّل حركة الجماعات المتطرفة والمهربين.
ووفق تقارير أمنية، تحول هذا المثلث مؤخرا، إلى ممر لوجستي رئيسي لعبور الأسلحة القادمة من اليمن عبر السواحل الصومالية نحو العمق الإثيوبي.
العين الإخبارية
المصدر: صحيفة الراكوبة