إبراهيم محمود … مغالطات، وأكاذيب، كيزانية

صلاح شعيب
خرج علينا الرئيس المكلف لحزب المؤتمر الوطني “المنحل” إبراهيم محمود بإنكار متعمد، ومخادع، لبعض الحقائق السياسية الماثلة فيما خلت إجاباته المبثوثة عبر الجزيرة عن أي منطق، أو بصارة، أو صدق. ففي حواره مع الأستاذ أحمد طه أنكر وزير الداخلية الأسبق مسؤولية حزبه عن تضخيم الدعم السريع، وعد ثورة ديسمبر بأنها ليست كذلك، ولا تدخل في حيز الاصطلاح بثوريتها. بل زاد بأنها صنيعة خارجية ليس إلا!.
طبعاً استمات المحاور ليأخذ منه اعترافاً واحداً بمسؤولية المؤتمر الوطني عن كثير من هذه الحقائق الدامغة. ولكن الرجل كعهدنا بكل الإسلاميين كان حريصاً على الكذب لا غير الكذب، والمغالطة كل المغالطة.
إن هذه المقابلة التي أدهشت المتابعين الحصيفين بمغالطات هذا الرجل أكدت بأن قادة المؤتمر الوطني لا يحسنون المراجعة الصادقة لتجربة حكمهم لتبين قصورهم الذهني السياسي، ومفارقتهم لقيم الدين، واعتمادهم على الفهلوة كوسيلة لفرض آرائهم في صراع السلطة.
وآراء الرئيس المكلف لحزب الحركة الإسلامية هذي ليست جديدة فمعظم قادة، ومؤيدي، حزبه يتبنون وجهات النظر هذه بصورة متفق عليها. وبالتالي غدت هذه الاراء استراتيجية شاملة لتشويه الحقائق حتى لا يتحملوا المسؤولية كاملة عن إخفاقاتهم. والشواهد في هذا لا تحصى ولا تعد في العجز عن تحقيق تقدم في مجالات الحياة بشكل افضل من اللحظة التي فيها استولوا على السلطة.
الملاحظ أن ما من تابع لحزب المؤتمر الوطني إلا وقد رأى في ثورة ديسمبر مجرد مؤامرة خارجية على ما يسمونها شرعيتهم الدستورية. وبعضهم يلقي اللوم على أفراد منهم يرونهم خانوا العهد، وتواطأوا مع أحزاب محددة لإسقاط البشير. والحقيقة ان الإسلاميين حكموا بشرعية الأمر الواقع على نهج الاستبداد حيث لا تفويض شعبي. ولكنهم كانوا يصدقون أن سيطرتهم على السلطة كانت على حق، وأن انتزاعها سلمياً منهم كان تآمراً أكثر من كونه حراك ثورة كاملة الدسم على مشروعهم الحضاري الذي قادنا إلى هذه الحرب.
ومن ناحية أخرى يعد الإسلاميون الاختلاف الداخلي، أو الخارجي، معهم في نهج التطرف الذي اتبعوه إنما هو الحرب على الإسلام الذي رفضه الآخرون أن يكون حاكما وسط السودانيين، مثلما يدعون. فهكذا هم لا يرون أن النقد الذي يوجّه لهم بأنه نهج للممارسة البشرية في محاولة تمثلها للقيم السماوية، وليس بالضرورة هو نقد للإسلام.
ولكن على اي حال فإنهم يخلقون تطابقاً بين تفسيراتهم للدين وبين الدين للدرجة التي ينسون أن هناك مسلمين آخرين مثلهم من حقهم أن يملكوا رؤية مخالفة. ولكن على أي حال فهم بهذا يستبدون على الآخرين دينياً، ويعدون أنفسهم بأنهم الوحيدون المرتبطون بالله، أما غيرهم فضده. ولذلك جاء حديث إبراهيم محمود مع الجزيرة معتمداً على هذا النهج في لوي الحقائق الثابتة حول تبنيهم للدعم السريع لينوب في قتالهم ضد الذين تمردوا عليهم، وكذا حول سبتمبر التي لم تختلف حراكها عن كل الثورات في العالم.
إبراهيم محمود لم يكتف فقط بإنكار مسؤولية حزبه عن حرب دارفور التي قصدوها فتنةً ضد مكونها الاجتماعي. ولهذا تجاهل سياسة حزبه الفقيرة للحكمة في التعامل مع تحديات الحكم الشمولي. ومن ناحية أخرى ثنى الرجل هروب حزبه من مسؤولية تمدد الدعم السريع بتحميل الوزر لقوى إعلان الحرية والتغيير التي قال إنها مهدت المجال لتضخيم الدعم السريع، ومنحته الثروة الاقتصادية، وعززت علاقته الخارجية. وحينما ضغطه المحاور حول تقنين برلمان حزبه للدعم السريع، ودور البرهان في تمديد قوته، صرح بأن الأخير كان مضغوطاً من جهات خارجية!
كثيرون توقعوا بأن فرصةً عظيمة للإسلاميين لاحت بعد فطامهم من السلطة لإعمال النقد الذاتي الصادق، والشفاف، لتجربتهم في الحكم. ولكن يبدو من نهج المغالطة للوقائع الذي اعتمده إبراهيم محمود وآخرون ظلت الجزيرة تستضيفهم باستمرار أن هؤلاء الجماعة لا يرون أنفسهم سوى ضحايا لمؤامرات حيكت ضدهم، وبالتالي حجبت عنهم فحص الأسباب السياسية التي أوجدت هذا التآمر لو صح وجوده أصلاً. وإذا وافقنا إبراهيم محمود بأن الحركة الإسلامية كانت مستهدفة من العلمانيين الذين تعاونوا مع دول الاستكبار لإسقاط نظام حكمهم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أولم يتآمر الإسلاميون على النظام الديمقراطي بليل، وأوقفوا التداول السلمي للسلطة، ومن ثم حققوا للاستبداد شرعية مزعومة؟
ليس من المبالغة القول إن أياً من قادة الحزب المنحل لو واجه أسئلة الأستاذ أحمد طه التي تهرب منها إبراهيم محمود بإنكار المعلوم بالضرورة فإنه سوف يستخدم ذات المنهج في التدليس، والتهويش، والتغبيش.
المصدر: صحيفة الراكوبة