الطيب خميس
في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطن السوداني، وتحت وطأة الانهيار المؤسسي، يبرز مطلب شعبي واضح ومشروع: إلزام الوزراء والمسؤولين الحكوميين بتقديم كشف ذمة مالية قبل أداء القسم، وتحديث هذا الكشف كل ستة أشهر، على أن يُعرض علنًا عبر وسائل الإعلام الرسمية.
هذا الإجراء، وإن بدا بسيطًا، يمثل ركيزة أساسية في مسار الشفافية، ويعكس جدية الدولة في محاربة الفساد واسترداد الثقة المفقودة بين الحكومة والشعب. فالمواطن السوداني من حقه أن يعرف من يدير شؤونه، وما يملك قبل وبعد استلام المنصب، حتى يُميز بين المسؤول النزيه والفاسد.
غياب المجلس التشريعي يزيد أهمية المطالبة
وبما أن السودان، حتى هذه اللحظة، لا يملك مجلسًا تشريعيًا رقابيًا سواء كان منتخبًا أو معينًا يمارس سلطته في مراقبة الأداء الحكومي، فإن هذه المطالب الشعبية تصبح أكثر إلحاحًا. فغياب المجلس يعني غياب المساءلة الرسمية، وبالتالي تقع مسؤولية المراقبة والمساءلة على الشعب نفسه، ومن هنا تأتي ضرورة إبراء الذمة العلني والدوري كوسيلة لممارسة هذا الحق.
ترشيد الصرف وتقنين الامتيازات
إلى جانب إبراء الذمة، يطالب الشارع السوداني أيضًا بضرورة تقنين امتيازات الوزراء والمسؤولين التنفيذيين، والحد من الصرف غير الضروري.
ينبغي أن يُخصص لكل وزير سيارة واحده فقط لأغراض العمل الرسمية، بالإضافة إلى منزل في حدود المعقول، إذا لم يكن لديه منزل يتناسب مع طبيعة منصبه دون إسراف أو ترف.
كما يجب إعادة النظر في النثريات الضخمة التي تُصرف على مكاتب الوزراء، والسفريات الخارجية التي تُستغل في غير محلها، حيث أصبح بعضها بابًا واسعًا للهدر المالي.
ويُقترح كذلك أن يُمنع أي وزير من التصرف أو التصديق في أي شأن يمس المال أو الحق العام إلا بموافقة خطية ومباشرة من رئيس الوزراء، لضمان عدم اتخاذ قرارات فردية قد تُرهق ميزانية الدولة أو تُستغل لمصالح خاصة.
عرض خطة الوزارة أمام الشعب
ولأن الشفافية لا تقتصر فقط على المال، بل تمتد إلى الرؤية والأداء، فإن من المهم أيضًا أن يُلزم كل وزير بعقد مؤتمر صحفي في بداية توليه المنصب، يعرض فيه خطة وزارته كاملة، وأهدافه خلال فترة عمله، وطرق قياس الأداء.
هذا الإجراء سيتيح للمواطنين معرفة ما ينتظرونه من كل وزارة، وسيمكنهم من تقييم الأداء ومساءلة المسؤولين بناءً على وعود واضحة ومعلنة.
الشفافية في المشاريع والاتفاقات القومية
ولا تقتصر المطالب على الذمة المالية والصرف فقط، بل تمتد لتشمل طريقة إدارة المشاريع والاتفاقات القومية. إذ يجب أن يُلزم أي مسؤول بأن يُعلن تفاصيل الاتفاقات الكبرى أمام الشعب، عبر التلفزيون القومي، مع قراءة نص الاتفاق بالكامل. فالسودانيون يريدون أن يعرفوا ما الذي يُوقَّع باسمهم، وما الذي يُصرف من أموالهم.
كل ستة أشهر… على الهواء مباشرة
إبراء الذمة لا يجب أن يكون لحظة رمزية تُقدَّم عند استلام المنصب فقط، بل يجب تجديده كل ستة أشهر، وأن يُعرض على التلفزيون القومي أمام الشعب، تأكيدًا لمبدأ الشفافية المستمرة، لا الموسمية. فالمسؤول الحقيقي لا يخشى المحاسبة، بل يرحب بها.
لا نهضة بدون محاسبة
إن بناء السودان الجديد يتطلب أدوات جديدة، ومفاهيم حديثة للحوكمة الرشيدة. وعلى رأس هذه الأدوات: الشفافية، والمساءلة، وضبط الصرف، وحرية الاطلاع على المعلومات، ومشاركة المواطنين في رؤية الدولة. فما لم تكن هناك رقابة فعالة، تبقى أبواب الفساد مفتوحة.
المال العام أمانة. والمناصب مسؤولية. والثقة تُكتسب بالأفعال لا بالأقوال.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة