اخبار السودان

أ تصحو أم فؤادك غير صاحِ السودانية , اخبار السودان

خالد فضل

 

أ تصحو أم فؤادك غير صاحِ

خالد فضل

   عشيّة همّ صحبك بالرواح ..  

و الإستهانة بحياة الناس، عار يكلل أداء الحكومات العسكرية في السودان، لأنّ القتل مهنة العسكر ، عليها يتدربون جسديا ومعنويا، هذا من صميم عملهم وأداء واجباتهم المهنية . أمّا  في المجتمعات التي تحضّرتْ وأزدهرت ؛ تتحكّم القوانين، ويسود الإنضباط لدرجة لا يصبح القتل مجرد نزهة ، بل عمل محكوم بالقانون وأي تجاوز له يدخل  مباشرة في حيّز الجريمة التي يتم المحاسبة عليها بصرامة . لذلك نسمع كثيرا عن إحالة جنود وضباط  للتحقيق في كبريات الجيوش في البلدان الديمقراطية  ولم نسمع عن سيادة ثقافة الإفلات من العقاب كرافعة لتولي القيادة، مثلما هي الطريقة المُثلى لمن يريد أنْ يؤتى به في شاشات الأخبار بطلا قوميا مغوار . تغني له المغنيات وتمجّده الحكّامات، وتهتف باسمه الحشود، تتدافع لتصافح يديه وربما تقبّلها من شدّة التعلق باستار القتلة .

هذه سكة وجع عويصة وماساة غميسة، مشتها أجيال وأجيال على أرض هذه البلاد التي لم تحظّ بجمّة قصيرة من  زمجرة أنهار الدم  . كل جيل يسلّم الجيل التالي قوائم الشهداء، ليتمسّكوا بها،  والقتلة هم هم، لا يتبدلون، فقط يرتدون الجلابية بيضا ومكوية يلفون فوق رؤوسهم العمائم السويسرية الفاخرة، يشيلوا على المرحوم الفاتحة ويقلدوا أباه . ويهرع لملاقاتهم جمهرة المعزين في الديوان أو الصيوان، ثمّ يُفسح لهم في المجلس ريثما يستقرون على الكراسي، يتآنسون ويهمسون ويبتسمون ، وأكواب الماء البارد والشاي والقهوة تتراص أمامهم، ويعزمونهم بالطلاق على مائدة الفطور . نفس الزول .

وقصة الألم طويلة طويلة، بلاد ليست لأهلها ، أرض يملكها من ينهبها ، سلطة يتسيدها من (يقلبها) ولو بغطاء التصحيح !! نفس الزول .. وجموع هادرة تهتف ملء حلاقيمها المزوّرة، وعلى الوجوه في الخيام البائسة قترة، والشفاه الظمأى تستحلب مطر السماء الرحيم ولا خريف .. والجوع ممض و ممرض للأبدان ، مهلك للأرواح .. والحًرّة لا تأكل من ثديها ، يتقعّر الحديث ، وأصداء البعيد يتردد صداها ، أنْ حيّ على الفداء .. حيّ على الجهاد ..حيّ على الوطن !!

ويرتد الصدى  شظايا براميل متفجّرة ، وزخّات دانات منهمرة ، وسياط عذاب مسلّطة تلهب القفا ، وعجوز تتلوى ، وسيّدة تتضرع،  لكنها في عُرف الزبانية مجرمة طالما مدّت بيد مرتعشة كوب ماء للعدو.. وشيخ يترنح من هوان إذ هو في شرعة القتلة فلول .. يا رب ما هذه القيادات المنافيخ التي تشكو فراغا في المخيخ ..

والمذياع والوسائط وكل من خط حرفا بليغا ومن عمّر ساعة حوار تلفازي ماسخ، يتأرجح في مقعد الأستديو ليعظ المشاهدين عن الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية والكرامة الوطنية، وعندما تضع الوطنية خارج القوس لتضربها في مستحقاتها، تذوب المفردة بين اللواعج واللواكن والمفاوات الغبية . ولا يصحو الفؤاد عشية همّ صحبه بالرواح، فالقلب مشغول بعدّادات اللايكات على اللايفات، وحصاد الدولار . والنهر يتلوى دولة قبالة البحر، وسبائك الدهب، ومناجم توهب عطايا لمن يحسن التشوين للمجاهدين .. و يتحكّر البعض بدقينة خفيفة، أو سروال طويل، يلهج بالثناء على .. نفس الزول .. لأنّه قاد الناس إلى الفناء، والأمم المتحدة .. تقاريرها مضروبة ونوايا موظفيها استعمارية فلا جوع بل غول هبط من السماء ونبت في الصحراء بروس .. وتجقلب إذ همّ صحبك بالرواح،  من قاتل إلى قاتل المآب، يا هذا الموغل في الحسرات، صدف أنّك إنسان في هذي الأرض المخضبة دوما بدمك بأنهار الدماء .. وتصبحون على حلم بوطن . إلا ورا القبر ورا القبور يا بلد القبور .والعسكري المغرور .

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *