أي علاقة لهجوم 7 أكتوبر بسقوط نظام الأسد؟
أثار السقوط السريع والمفاجئ لنظام بشار الأسد ارتدادات واسعة النطاق على الصعيدين الإقليمي والدولي، كاشفًا عن تراجع أدوار القوتين الرئيسيتين اللتين حافظتا على صمود نظامه طوال 13 عامًا.
وحتى بعد الإعلان عن تشكيل حكومة سورية مؤقتة، تستمر التحليلات في محاولة فهم أسباب هذا السقوط الدراماتيكي وتأثيره على دول المنطقة ومسارات الصراع فيها.
وضمن المحاولات العديدة لفهم ما حصل، اتجه بعض المحللين إلى تطبيق نظرية “تأثير الفراشة” على الأحداث الأخيرة.
تأثير الفراشة ” حدث صغير يؤدي إلى نتائج كبيرة”
يُقال إن حركة بسيطة، مثل رفرفة جناحي فراشة، قد تتسبب في إعصار ضخم في أقصى بقاع العالم. وهذا بالطبع تعبير مجازي يرمز إلى أن الأحداث الصغيرة قد تكون لها تأثيرات كبيرة إذا تداخلت مع الظروف المحيطة.
وتأثير الفراشة أو The butterfly effect هي نظرية فلسفية فيزيائية طُرحت لأول مرة في عام 1963 من قبل إدوارد لورينتز وهو عالم رياضيات وعالم أرصاد جوية أمريكي. وهي جزء من نظرية الفوضى تفيد بوجود روابط خفية بين الأحداث المختلفة وأنه لا وجود للصدف على الإطلاق.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
وعلى سبيل المثال، دفعة بسيطة في حجر دومينو واحد قد تتسبب في سقوط جميع الأحجار بشكل متتال. يعكس هذا التأثير فكرة أن الكون ديناميكي للغاية، فحركة صغيرة ومحدودة جدا في البداية قد تترتب عنها نتائج ضخمة وسلسلة من التغيرات المترابطة، تماما ككرة ثلج صغيرة تتدحرج من قمة جبل بشكل مفاجئ وسريع فتحدث انهيارا هائلا.
وما حدث في سوريا يُعد مثالاً على ذلك، بحسب محللين.
فما هي أبرز أسباب سقوط نظام الأسد؟ وهل يمكننا التنبؤ بما قد يحدث في المنطقة نتيجة لهذه التغيرات المتسارعة؟
تبعات 7 أكتوبر
استنادًا إلى نظرية “تأثير الفراشة”، يقدم المحلل السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي السابق، مائير كوهين، تحليله لأسباب السقوط المدوي للنظام السوري. ويربط بداية هذا السقوط بتبعات هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويقول في تصريح لبي بي سي : ” كان الهدف من الهجوم الذي قاده السنوار وإيران من ورائه هو فرض طوق ناري مع حزب الله لتدمير إسرائيل، ولكن هذا الطوق أصبح الآن يطال إيران نفسها. لا شك أن انهيار المحور الإيراني، الذي تمثله كل من حماس وحزب الله، يشبه كرة الجليد التي تتدحرج بقوة. وقد انتهت تداعياتها بسقوط النظام في سوريا، وستؤدي في النهاية إلى انهيار النظام في إيران”.
يرى مائير أن الوقت قد حان لوضع رؤية مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية بشأن مستقبل المنطقة مضيفا أن “هذه الديناميكية ستؤثر بشكل كبير على إيران، حيث تظهر آثار ذلك في المظاهرات التي بدأت هناك، وكذلك في الضفة الغربية حيث تتزايد المطالب بإسقاط محمود عباس. كما أن هناك مخاوف من تهديد النظام في الأردن، مع إمكانية استغلال الإخوان في مصر للأحداث الجارية”.
تداعيات غير مقصودة وأثر نفسي عميق
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
تتفق الباحثة بالمجلس الأطلسي بواشنطن والكاتبة المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط، علياء ابراهيمي، مع ما ذهب إليه مائير باعتبار أن هجوم 7 أكتوبر كان حدثا محوريا في انهيار نظام الأسد، إلا أنها تعطي وزنًا أكبر للتداعيات النفسية والعسكرية التي أدت إلى تصاعد قوة المعارضة السورية.
تقول: “يمكننا رسم خط مستقيم بين هجوم حماس وسقوط الأسد. رغم وجود عوامل أخرى مهمة، مثل الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري وتأثيره على معنويات الجيش السوري، وتدخل روسيا في أوكرانيا، ونفاذ صبر تركيا تجاه الأسد، فإن تدهور القوة الإيرانية بعد السابع من أكتوبر كان العامل الحاسم.”
وتكمل قائلة: “الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا تركت الأسد مكشوفًا تمامًا، في وقت كان فيه معارضوه أكثر تماسكًا وانضباطًا وتصميمًا من أي وقت مضى.”
وتعتبر ابراهيمي أن تأثير الفراشة الذي بدأ في 7 أكتوبر قد أشعل سلسلة من الأحداث غير المقصودة وتمضي شارحة: ” لا بد من الإشارة إلى التأثير النفسي. فقد أظهرت حماس بشكل دراماتيكي أنه حتى أكثر القوى هيمنة لديها نقاط ضعفها، وأن ميزان القوى مهما كان يميل لمصلحة طرف فإن قلبه ممكن. وقد استلهم المقاتلون السوريون هذه الفكرة، التي قد تشعل أجزاء أخرى في المنطقة”.
التأثير متبادل في منطقة الشرق الأوسط
رغم تأكيده أن سقوط الأسد لا يمكن فصله عن تبعات 7 أكتوبر، يعترض المحلل السياسي والكاتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، يوآف ستيرن، على استخدام فكرة “تأثير الفراشة”، معتبرًا أنها لا تعكس بشكل دقيق الترابط المباشر بين أحداث سوريا وبقية دول المنطقة.
ويشرح: “ما يحدث في أي بقعة من المنطقة يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على بقية المناطق. لا يمكن فصل الأحداث في سوريا عن تلك التي تقع في إسرائيل، أو لبنان أو فلسطين، وغيرها. هناك ترابط وثيق وعوامل مشتركة بين اللاعبين الرئيسيين في هذه المناطق، مثل إيران وتركيا والدول العربية وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة. جميع هذه القوى تلعب دورًا في كل مكان تقريبًا، ما يجعل المنطقة بأكملها كيانًا مترابطًا ومعقدًا”.
ويكمل أن “مفهوم تأثير الفراشة يُستخدم عادةً في سياقات تكون فيها العلاقة بين الأحداث غير واضحة وغير مترابطة، بينما في الشرق الأوسط، الصلة بين الأحداث قريبة ومباشرة، وتأثيرها يمتد بوضوح إلى دول الجوار والمناطق المجاورة”.
سقوط تدريجي
لا يغفل خطار أبو دياب الأكاديمي والباحث اللبناني المتخصص في العلاقات الدولية والجيوسياسية التأثير الكبير لأحداث 7 أكتوبر وتبعاته في انهيار نظام الأسد، إلا أنه يرى أن السقوط لم يكن لحظياً، بل جاء نتيجة تراكمات بدأت منذ الانتفاضة المدنية في 2011 والتي تحولت إلى حرب معقدة.
يقول: “القوى المتمركزة في إدلب منذ 2020 كانت تستعد لهذه اللحظة، وتزامن تحركها مع تغيرات داخلية وإقليمية ودولية زادت من ضعف النظام السوري. فبدلاً من إصلاح الأوضاع، اختار الأسد تعزيز حكمه، متورطًا في تجارة المخدرات التي حولت سوريا إلى مصدر رئيسي للكبتاغون، بينما تدنى راتب الجندي السوري وتفاقمت أزمة المفقودين والمعتقلين، مما أسهم في سقوطه المدوي.”
تضارب المصالح بين داعمي الأسد
ويضيف الباحث اللبناني أن “الولايات المتحدة لعبت دورًا غير مباشر في تعزيز بقاء الأسد عندما تخلى الرئيس السابق باراك أوباما عن تنفيذ تهديده بعد استخدام الأسد الأسلحة الكيميائية في عام 2013، مفضلاً التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي. هذا التساهل منح روسيا دوراً أكبر في سوريا. كما أن إسرائيل رأت في نظام الأسد خيارًا أقل تهديدًا مقارنة ببدائل أخرى، نظرًا لالتزامه باتفاقية فك الاشتباك في الجولان منذ عام 1974، وفضلت التعامل مع الأقليات على حساب الأكثرية السنية في المنطقة. لكن مع انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وتراجع قوة المحور الإيراني، ظهرت فجوة أمنية في سوريا”.
استمر نظام الأسد في اللعب على التناقضات الإقليمية والدولية لضمان بقائه في السلطة، بحسب أبو دياب الذي أشار إلى أن “الرئيس السوري السابق حاول الموازنة بين علاقاته مع إسرائيل وإيران، لكنه واجه لحظة حاسمة عجز فيها عن اتخاذ القرار.”
وفي سياق آخر، كشفت التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط عن تحولات جذرية في التوازنات الإقليمية والدولية، حتى بين أبرز داعمي الأسد. فرغم التعاون الوثيق بين روسيا وإيران لدعم نظامه، ظلت التباينات بين الطرفين قائمة. ومع قدوم إدارة أمريكية جديدة راغبة في حل الأزمة في أوكرانيا، تراجعت حاجة روسيا لإيران في هذه الساحة ما أعاد تشكيل التحالفات ووضع نظام الأسد في موقف حرج.”
سيناريوهات متعددة وتركيا أكبر الرابحين
أما اليوم، وبعد إسدال الستار على حكم استمر 55 عامًا، عاد أحمد الشرع، المعروف سابقًا بلقب أبو محمد الجولاني، ليظهر بثوب جديد يختلف عن صورته السابقة كزعيم لحركة جهادية ارتبطت بتنظيم “القاعدة”. وتولى الشرع منصب القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، متصدرًا المشهد السياسي وموجهًا رسائل تطمينية إلى الداخل والخارج.
تشهد دمشق حراكا دبلوماسيا مع الإعلان عن الحكومة الانتقالية واستقبال وفود من دول الجوار. كما عادت شخصيات بارزة إلى المشهد، أبرزها فاروق الشرع، نائب الرئيس السابق، الذي غُيّب عن الساحة السياسية في السنوات الأخيرة من حكم النظام المخلوع.
وتبرز الآن أسئلة تتعلق بالمستقبل تبدو أكثر إلحاحاً وأصعب توقعا، ومنها: ما السيناريوهات المحتملة؟ وهل سيقتصر النفوذ الأجنبي في سوريا على تركيا والغرب مع تدخلات إسرائيل، أم ستتاح الفرصة لحضور عربي قوي في المستقبل؟ وما هو وضع إيران وحلفائها في هذا السياق؟ أم سنشهد بداية “شرق أوسط جديد”؟
سيناريو عراقي
“إذا فقدنا سوريا، فلن نتمكن من الحفاظ على طهران”، ينظر لهذا التصريح الذي أدلى به مهدي طائب، مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني في 2013 باعتباره توصيفا دقيقا لعلاقة إيران بسوريا وحجم خسارة طهران من سقوط الأسد.
ويؤكد المحلل الإسرائيلي، يوآف ستيرن، النقطة ذاتها، إذ يشير إلى أن التأثيرات السلبية على “محور المقاومة” في المنطقة كانت كبيرة بعد سقوط الأسد. وكانت ممرات الإمداد عبر سوريا تشكل شريان الحياة لهذا المحور، ومع إغلاق هذه الممرات، أصبح من الصعب على إيران إرسال الأسلحة والمساعدات إلى حزب الله.
وبناء على ما سبق، يصف يوآف انهيار نظام الأسد بأنه إزالة تهديد استراتيجي كبير لإسرائيل، مشيراً إلى أن تدمير القدرات العسكرية السورية مؤخرا، بما في ذلك سلاح البحرية، حقق هذا الهدف.
ويتوقع المحلل الإسرائيلي أن تسير سوريا نحو سيناريو مشابه لما شهده العراق، مضيفا أن الدول التي تتميز بتعدد طائفي وعرقي مثل سوريا والعراق واليمن، تواجه صعوبة كبيرة في إقامة نظام حكم جديد مستقر، مرجحا أن تؤدي التنافسات الإقليمية والتدخلات الدولية إلى تعقيد الوضع الداخلي.
سوريا لن تكون أفغانستان
أما خطار أبودياب فيرى أنه من الصعب في الوقت الراهن التكهّن بما سيحدث في سوريا أو المنطقة.
ويستدرك “من دخل دمشق لم يكن الشرع، بل قوة أخرى من الجنوب. رغم ذلك، يمكن القول إن الشرع هو من أطلق الديناميكية عبر ما بدأه في إدلب. لذا من المستبعد أن تتمكن هيئة تحرير الشام من حكم البلاد بمفردها، فسوريا بلد يتميز بتنوعه الكبير، سواء على صعيد القوى السياسية أو تركيبتها الطائفية والمذهبية والعرقية”.
ويتابع ” قد نشهد تعيين حكومة جديدة بحلول مارس/آذار، وربما إعلانًا دستوريًا وإجراء انتخابات لاحقًا، لكننا أمام بداية مرحلة انتقالية معقدة وحساسة، مليئة بالألغاز لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بنتائجها.”
ورغم التعقيدات التي تصاحب المراحل الانتقالية، يؤكد أبو دياب أن سوريا لن تتحول إلى نموذج مشابه لأفغانستان.
المصدر: صحيفة الراكوبة