أيام للنسيان السودانية , اخبار السودان
عشناها رعباً في الجزيرة: أيام للنسيان
خالد فضل
وحدهم الدراويش/ات من أبناء وبنات القرية من كانوا خارج تغطية شبكة الرعب التي شملت القرية الآمنة من قرى ولاية الجزيرة تبعاً لعملية الاجتياح واسعة النطاق التي قامت بها مفرزة مسلحة من عناصر قوات الدعم السريع، لقد تمنّت إحدى السيدات لو أنّها كانت طفلة قبل مرحلة الإدراك، فيما غبطت أخرى الآباء الذين توفوا قبل هذا اليوم، أمّا الأطفال في سن الإدراك فقد بدا الرعب على عيونهم البريئة وهم ينحشرون داخل البيوت رفقة أمهاتهم وحبوباتهم، فالدعامة يجوبون أزقة القرية، وأصوات زخات الرصاص تشق صمت السماء، وأسراب الحمام والطيور تهرب من وكناتها صوب الفضاء المطلق، يا الله!! الأطفال يعودون للمشاجرات حول بقايا لعبة قديمة عند انقشاع الرعب قليلاً، أما الكبار فهم في خانة الرعب يعمهون، الأصوات هامسة، نهبوا سيارة فلان، دخلوا بيت ناس علان، إنّهم يبحثون عن الغنائم ولا شأن لهم بالفلول، وعندما يطرق الباب طارق من الأهل، يتوجس الجميع وبدون سابق ترتيب يتمتمون سرّاً بقصيدة محجوب شريف عليه الرحمة مريم محجوب: قلبك كلما باب الشارع دقّ يدق ربنا يستر إمكن هم.
سكان القرى ريفيون في غالبيتهم الغالبة، رغم سمات التمدن التي غزتهم في السنوات القليلة الماضية؛ فثمّ بوتيك يعرض الكريمات، ودكان للملابس يجاور الكناتين التي تبيع التوابل والضروريات وبالتجزئة طبعاً، حديثهم في لين القطن على حد وصف محمد المكي إبراهيم في قصيدة قطار الغرب، خبرة الأجيال الراهنة منهم لا تتجاوز ذكريات أيام الجهادية التي توارثوها عن الأجيال السابقة، وتغنّت فرقة عقد الجلاد، جهادية سيف وراية شدّوا جمالهم جونا قدمنا ليهم سمسم السمسم ما كفاهم جلبنالم سعية! الآن السعية سيارات، والراية تقول جاهزية سرعة حسم، والقرية مرعوبة يتخللها الخوف حتى المشاش، أ فلمثل هذا نهض الدعم السريع منافحاً عن الديمقراطية أو مدافعاً عن نفسه من غدر الفلول؟ هكذا يتساءل الناس وهم محقون، ليس لديهم الوقت أو القدرات التحليلية الوافرة أو المعلومات الدقيقة عن مجريات الأمور، هم منهمكون في زراعتهم ومياه الري الشحيحة والأتاوات والضرائب الحكومية الباهظة وأسعار المدخلات الزراعية الغالية والعمالة القليلة والسعية وتكاليفها و و و غيرها من أوجه حياة بشر يعمرون قراهم بالتعاون والعون الذاتي وبعض الوعود الحكومية الكذوبة، فهل في وعي الدعم السريع مثل هذه الأدبيات ومفارزه العسكرية تجتاح البلدات، بعض فقراء الريف في الجزيرة لم يشبعوا في اللحم الضأن إلا في مناسبة عيد الأضحى فهل في أفراد القوة الباطشة من لم يتذوقه لاسبوع؟ إنّهم بسطاء مثل من يجتاح ديارهم الآن، وفوق هذا وذاك هم في أغلبهم (شعب كل حكومة) بايعوا البشير مثلما لم يكفوا عن مناصرة الهندي حسين والصادق المهدي عليهما الرحمة، وربما غذداً يبايعون حميدتي نفسه إن جاءهم للحكم سلطان، وفي كل الأحوال لا يأمنن أحد بيعتهم فهي مسايرة ليس أكثر ولا أقل، وهذه من تفاصيل الريفية الموغلة أحياناً في السذاجة، فبأي آلاء طبع الناس يجتاح العسكر البيوت!!.
إنّها الحرب يا صاح، ولعنة الحرب تجتاح كل السودان بعد أن عصفت لعقود بالأطراف، ولأن المشروع الوطني العظيم لم يتبلور بعد فإنّ الصورة الذهنية للمجموعات السودانية المتساكنة بحكم الأمر الواقع فقط تجاه بعضها بعضاً ما تزال مشوشة وباهتة وغير جيّدة في العموم، هنا جلابة وغرابة ودخلاء وعملاء وعرب وزرقة إلخ تعبيرات الغبائن المتبادلة، فهل في وارد الدعم السريع تعميق الهوة؟ والصورة المرسومة عنه في تلك المخيلة تقع في دائرة السخرية والاستخفاف، كونهم رعاع، جهلاء، نهابة،… إلخ وبل يبلغ الاستخفاف مداه عند رصفائهم في جيش الحكومة وحكاية السحق في ست ساعات، هذه واحدة، الصورة الثانية تقع في دائرة الشك والريبة في النوايا، كونهم يسعون للسيطرة بالقوة على السلطة، وأنهم بلا مشروع سياسي واضح المعالم وكل ما يزعمون مجرد إدعاءات، الصورة الثالثة في تقديري هي الامتعاض والاستهجان لسبط الانتهاكات الواسعة التي ارتبطت بهم، إنّ المتضررين من تلك الانتهاكات الجسيمة ليس في وسعهم التفكير العقلاني وهم في ذروة الغضب حول السلوك العدائي للقوات العسكرية السودانية ضد شعبها على مر الحقب الوطنية وفي مختلف المناطق والمناسبات، ليس في وسع الناس فعل ذلك عليهم بالحاضر بالماثل أمامهم وبما يتملكهم من رعب من الدعم السريع، فهل تدور مثل هذه الخواطر في خلدهم يا ترى، وحتى مفهوم الغنيمة الذي يتردد صداه أ هو ممارسة صحيحة ودوننا منظومة جقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ووو يستمر النزيف السوداني تستمر أفواج النزوح واللجوء وتصبح قرى الجزيرة غير آمنة وسكانها قلقون ما المصير، لعن الله الحرب ومن تسبب فيها وأشعلها لعنة الله عليهم أجمعين.
لا للحرب نعم للسلام. ولنا عودة إن كان في العمر بقية، فالحرب لها أوجه ثقافية عديدة وربما المزايا تكون في طي البلايا ربما!!.
المصدر: صحيفة التغيير