كامل إدريس

بكري الصائغ

الخبر الذي نشر اليوم الاثنين ٤/ اغسطس الحالي بصحيفة “الراكوبة” وجاء فيه ان “الحكومة المصرية اجلت استقبال رئيس الوزراء المُعيّن من قِبل قائد الجيش السوداني، كامل إدريس، بعد الإعلان عن زيارته للقاهرة اليوم الاثنين”، هو خبر لم يهتم به الكثيرين في السودان، علي اعتبار ان زيارة كامل للقاهرة لو قدر لها ان تتم، كانت وحتما ستكون مثل كل الزيارات السابقة التي دابت الحكومات السودانية طوال الـ(٥٦) عام الماضية بدء من زمن حكم النميري وانتهاء بالحكومة الحالية في بورتسودان ارسالها للقاهرة، ولا احد منها استطاع تحقيق ولو انجاز واحد حقيقي.

رفض القاهرة استقبال كامل معناه وبكل وضوح، ان القاهرة قد سئمت بالفعل من زيارات البرهان المتعددة والتي كانت كلها بلا استثناء تحصيل حاصل، وملت من قدوم الوفود الرسمية التي عادت من القاهرة تماما كما جاءت، وسئمت ايضا من اللقاءات الفاشلة التي تمت عشرات المرات مع رؤساء الحكومات السودانية السابقين، وكانت اخر اللقاءات مع بكري حسن صالح بكري، ومعتز موسي، ومحمد طاهر ايلا، وعبدالله حمدوك، وان الوفود السودانية الرسمية التي زارات القاهرة خلال الفترة من عام ١٩٦٩ الي يومنا لم يكن عندها الجدية في طرح المواضيع الهامة والعاجلة التي تهم مصلحة البلدين، بقدر ما كانت وفود حاولت بقدر الامكان الحصول علي اكبر قدر من الدعم والمساعدات والاعانات المصرية.

وهنا نطرح سؤال هام، لو افترضنا جدلا ان كامل زار القاهرة، فما هي الاجندة التي معه ويناقش بها الحكومة المصرية؟!!، والاجابة هي، ان كامل لن يحمل معه اي موضوعات هامة وعاجلة تتعلق بعلاقات النظام الحاكم في بورتسودان مع الحكومة المصرية، ولا عنده مقترحات ليناقشها مع المسؤولين المصريين، فالغرض من الزيارة اولا وقبل كل شيء تقديم نفسه للرئيس المصري/ عبدالفتاح السيسي، وقبول التهئنة منه بالتعيين في السودان!!، واما المواضيع الاخري الهامة ستاتي لاحقا في المرات القادمة!!ما من شك في ان زيارة كامل للقاهرة لو قدر لها ان تتم، ما كانت تتحق اي نوع من النجاحات بسبب وجود ثلاثة عقبات كبيرة تقف في وجه الزيارة.
اولي هذه العقبات تتمثل في رأي القاهرة، الذي صرحت به من قبل علانية وافادت ان النظام في السودان والواقع تحت سيطرة “الحركة الاسلامية” هي التي تدير البلاد وتتحكم في مقاليد الحكم، وتحدد طريقة التعامل مع مصر، وان القاهرة قد سبق لها توجيه نقد شديد اللهجة عدة مرات للبرهان حول علاقته بجماعة الإخوان العابرة للحدود ومنها مصر، فما كان من البرهان بعد سماعه النقد الساخط، الا وان قام بالسفرالي القاهرة في يوم الجمعة الاول من مارس/ عام ٢٠٢٤ لتبديد التوجّسات من علاقته بالإخوان.
نشرت صحيفة “العرب” اللندنية في يوم ١/ مارس ٢٠٢٤ خبر له علاقة بالهجوم المصري علي البرهان جاء فيه: (حاول قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال زيارته إلى مصر الخميس تبديد مخاوف رئيسها عبدالفتاح السيسي من تنامي الحديث حول علاقته بجماعة الإخوان العابرة للحدود؛ ذلك أن لقاءه مع مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني في طرابلس قبل أيام أثار شبهة وجود علاقة متينة بينه وبين الإخوان، ورهْن توجهات الجيش بحسابات الجماعة، سواء منها الحسابات السياسية الداخلية أو الإقليمية. وسعى الجنرال البرهان إلى تقديم تفسيرات لما تردد بكثافة حول هذه العلاقة الخفية، التي تصطدم بموقف القاهرة الحاسم من تيار الإسلام السياسي بمختلف أطيافه، وفي مقدمتها فرع الإخوان؛ إذ خاضت الأجهزة الأمنية المصرية معارك طاحنة لكسر شوكة الجماعة وفلولها في مصر وغيرها خلال السنوات الماضية.). انتهي
العقبة الثانية امام نجاح زيارة كامل للقاهرة، تتمثل في انه لن يناقش مع المسؤولين المصريين الا ما هو مفروض عليه فرضا من البرهان، ولن يناقش كامل معهم اي مواضيع لا تتعلق بالدرجة الاولي بدعم مصر للحرب في السودان، وان كل ما يتعلق بموضوعات اخري مثل التعمير واللاجئين السودانيين في مصر وسد “النهضة”، واتفاقية “الحريات الأربع ” هي موضوعات غير جديرة بالاهتمام حاليا!!العقبة الثالثة في عدم نجاح الزيارة ان قدر لها ان تتم ، ان كل مناقشات كامل مع المسؤولين المصريين لن تكون جديدة عليهم ، فقد سبق ان تمت مناقشتها عشرات المرات في السنوات الماضية مع حكومات: بكري حسن صالح، ومعتز موسي، ومحمد طاهر ايلا، وعبدالله حمدوك، وان الوفود السودانية الرسمية التي زارات القاهرة خلال الفترة من عام ١٩٦٩ الي يومنا لم يكن عندها الجدية في طرح المواضيع الهامة والعاجلة، بقدر ما كانت وفود حاولت بقدر الامكان الحصول علي اكبر قدر من الدعم باشكاله المتعددة والمساعدات والاعانات.
لو فرضنا ان كامل وصل للقاهرة والتقي بالصحفيين وطرحوا عليه اسئلة حول موضوع “سد النهضة، وعن علاقة القوات المسلحة بالاخوان والاسلاميين، ولماذا لم يتم اعتقال السياسيين المطلوبين القبض عليهم وفروا من سجن كوبر؟!!، هل عنده اجابات جاهزة عليها؟!!، ام سيتهرب منها كما تهرب البرهان في مرات كثيرة زار فيها القاهرة، وامتنع عن لقاء الصحفيين والمراسلين الاجانب؟!!في زمن الرئيس المخلوع ، تدهورت العلاقات كثيرا بين نظام البشير والقاهرة عندما طلب السيسي من البشير اكثر من مرة ان يكون واضحا في رأيه حول قضية سد “النهضة”، وان مسك العصا من منتصفها لن يفيد الدولتين ، فكان رد البشير ان أدلى بعدها بعدة تصريحات حول عدم وجود أية أضرار يحملها السد على الجانبين المصري والسوداني، وأنه لن تتأثر حصة البلدين جراء إقامة هذا السد، وأن الدراسات الفنية أكدت أن آثار السد الإيجابية تفوق بكثير آثاره السلبية.
بل ذهب لأبعد من ذلك، بقوله إن سد النهضة سوف ينظم النيل الأزرق ويمنع فيضاناته التي تغرق السودان سنويا حتى الخرطوم… ولكن البرهان وطوال سنوات حكمه لم يعلق سلبا او ايجابا علي مشكة سد “النهضة” حفاظا علي الا يفقد صداقة الدولتين.من تابع بدقة سير العلاقات الرسمية بين السودان ومصر منذ الاستقلال وحتي يومنا هذا، يجد ان كل اللقاءات السابقة كانت فاشلة ومخيبة للامال بسبب عدم جدية هذه الوفود في طرح اجندتها بصورة واضحة، لهذا لم يكن بالغريب، ان الجميع في السودان توقعوا وبنسبة (١٠٠%) ولم تخيب توقعاتهم ، في ان رئيس الوزراء الجديد لنج الدكتور/ كامل ادريس لن تكون زيارته الاولي للقاهرة ناجحة باي حال من الاحوال، ولكن لا احد توقع ان يكون رئيس الوزراء كامل شخص غير مرحب به في نظر السلطة الحاكمة في مصر، او ما يسمي في العرف الدولي (بـ “بيرسونا نون غراتا” “Persona non grata”، وهو مصطلح لاتيني يعني حرفياً “شخص غير مرحب به” أو “شخص غير مرغوب فيه”.
ويُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى دبلوماسي أو أي شخص أجنبي يتم حظره من دخول أو البقاء في بلد معين من قبل حكومة ذلك البلد، وغالبًا ما يكون هذا الإجراء بمثابة استهجان دبلوماسي.
كامل ادريس يحتاج الي درس عصر بكثرة وتكثيف شديد، فالمهام امامه بالغة التعقيد وهو عديم الخبرة وتم اختياره ليكون ضعيف امام البرهان، ومن الصعب عليه ان يختار بين استقلالية الحكومة الانتقالية التي يتراسها، او الخضوع التام للاسلاميين والبرهان وكرتي وسناء حمد!!، كل الاحتمالات تؤكد ان الدكتور/ كامل سينجاز لمعسكر الاسلاميين والا لحق الدكتور/ حمدوك.
لا تظلموا القاهرة في رفضها زيارة الدكتور/ كامل ادريس وعدم رغبتها في استقباله، فالعلاقات بين النظام الحاكم في بورتسودان مع الحكومة المصرية شبه معطلة وتسير ببطء شديد.
مرفقات: قضايا سودانية معلقة مع مصر:١/ مثلث حلايب وشلاتين: توجد عدة قضايا معلقة بين السودان ومصر منذ عام ١٩٥٩ حتي الان اغلبها لم تجد طريقة للحلول، أبرزها قضية مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه، وتطالب كل من السودان ومصر بالسيادة على هذه المنطقة الغنية بالموارد.
وتعتبر منطقة حلايب وشلاتين من أهم القضايا العالقة بين البلدين.
بدأت المشكلة عام ١٩٥٨ عندما أرسلت مصر قوات إلى المنطقة، وكادت أن تتطور إلى نزاع مسلح، تخضع المنطقة حالياً لسيطرة مصرية، لكن السودان يرفض هذا الأمر وسبق أن قدم شكوى لمجلس الأمن ضد مصر بسبب إجراء انتخابات في المنطقة، تطالب السودان بالتحكيم الدولي لحسم القضية، لكن مصر ترفض ذلك.
وكلا البلدين يملكان حجج وادلة علي حق الملكية.
٢/ قضايا المياه: تعتبر قضية توزيع مياه النيل من القضايا الحساسة بين البلدين. تعتمد مصر والسودان بشكل كبير على مياه النيل في احتياجاتهما المائية.
يأتي الخلاف حول بناء سد النهضة الإثيوبي ليزيد من تعقيد هذه القضية. تطالب مصر والسودان بضمان حقوقهما في مياه النيل والحفاظ على حصصهما المائية.٣/ قضايا الحدود: بالإضافة إلى حلايب، هناك قضايا عالقة تتعلق بترسيم الحدود بين البلدين.
تطالب السودان بمراجعة بعض الحدود المتفق عليها في الماضي، والتي تعتبرها غير عادلة.
٤/ اتفاقية الحريات الأربع: وقعت مصر والسودان اتفاقية “الحريات الأربع” عام ٢٠٠٤، والتي تمنح مواطني البلدين حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك في أراضي الطرف الآخر. يشكو السودان من عدم التزام مصر ببنود هذه الاتفاقية، حيث تفرض تأشيرات على السودانيين. اتخذ السودان إجراءات مماثلة بفرض تأشيرات على المصريين ردًا على ذلك، اتفاقية “الحريات الأربع” التي وقعتها مصر مع السودان عام ٢٠٠٤، نصت على حرية التنقل والإقامة والعمل.
٥/ العلاقات السياسية والاقتصادية: تأثرت العلاقات السياسية بين البلدين بالعديد من التوترات والخلافات. تطالب السودان مصر بضرورة احترام سيادته واستقلاله في اتخاذ القرارات السياسية. يطالب السودان مصر بتبني نهج قائم على المصالح المشتركة بدلًا من محاولة السيطرة عليه.
٦/ في الوقت الحالي: تستمر جهود الوساطة بين البلدين لحل هذه القضايا العالقة.
تسعى مصر والسودان إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات وتجاوز الخلافات. يبقى ملف حلايب وشلاتين من أكثر الملفات صعوبة وتعقيدًا في العلاقات الثنائية.
المصدر اعلاه من ١ الي ٦/ موقع “google”

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.