أولوية وضرورة تكوين أوسع جبهة لإيقاف الحرب «6 7»
أولوية وضرورة تكوين أوسع جبهة لإيقاف الحرب «6 7»
صديق الزيلعي
أرسل لي عدد من الزملاء والأصدقاء مقالا للدكتور احمد عثمان عمر بعنوان: ” الخلاف بين قوى التغيير الجذري وقحت استراتيجي وليس تكتيكي”. وقصدوا من ارسال المقال انني من دعاة تحالف كل القوى المدنية الداعية لإيقاف الحرب، ويجب أن انتبه للخلاف مع قوى قحت. سأكتب مجموعة من المقالات في حوار مع المقال، ليس فحسب، بل ومع الخط السياسي الذي يتبناه المقال وعدد مقدر من الشيوعيين واليساريين. تأتي أهمية ذلك من تحديات المرحلة المصيرية التي تمر بها بلادنا، التي تستدعي حوارا جادا وعقلانيا، بين كل قوى الثورة، في سبيل الوصول للرؤية المشتركة، التي تساعدنا في هزيمة مخطط من أشعلوا الحرب، والذين يريدون مواصلتها على أنقاض بلادنا، ومن اجل مواصلة واستكمال مهام الثورة. ستكون مساهمتي في الحوار سبع مقالات، يعالج كل منها واحدا من المواضيع التي وردت في مقال الدكتور أحمد. الهدف من ذلك هو تركيز النقاش، وطرح الرأي حول مسألة محددة. لكن المقالات يجمع بينها خط واضح وتجانس، داخلي، في المحتوى وتواصل في نقد اطروحات دعاة التغيير الجذري، لان الدكتور أحمد عثمان هو أبرز منظريهم. تبدأ المجموعة بمقال عن قضية العدو الاستراتيجي، يعالج المقال الثاني قضية الشراكة، يتمحور المقال الثالث حول مفهوم الهبوط الناعم، المقال الرابع يعالج قضية الاقتصاد والموقف من البنك الدولي ومؤسساته، أما الموقف من الحل السياسي فهو موضوع المقال الخامس، المقال السادس سيناقش الموقف من الحرب، وستكون الخاتمة هي المقال الأخير.
كتب الصديق والدكتور المثابر أحمد عثمان عمر، ما يلي:
) مفاد ما تقدم ، هو ان هثاك تنااقض جوهري بين مشروع وبرنامج قوى التغيير الجذري و مشروع وبرنامج (قحت)، فالأولى برنامجها ثوري ، والثانية برنامجها اصلاحي. والبرنامج الثوري هو برنامج التفكيك والانتقال من دولة التمكين الى دولة كل المواطنين، والبرنامج الاصلاحي هو ابقاء على التمكين مع العمل على اصلاحه وهو غير قابل للإصلاح (هذا هو الهبوط الناعم). لذلك الان وفي ظل هذه الحرب اللعينة، وبالرغم من رفع قوى التغيير الجذري و (قحت)لشعار لا للحرب، الا انهما لا يتفقان على متطلبات هذا الشعار. فشعار “لا للحرب”، مرتبط ارتباطا لا فكاك منه مع ما يكمله من تصور لما بعد الحرب، حيث لا يمكن فصل ايقاف الحرب عن كيفية ايقافها وانتاج بديلها. وقوى التغيير الجذري تكمل الشعار ليصبح “لا للحرب، نعم للثورة”، و (قحت) تجعله “لا للحرب، نعم للإصلاح “.
لذلك تنادي قوى التغيير الجذري بتكوين جبهة قاعدية لإيقاف الحرب وطرد الطرفين المتحاربين من المعادلة السياسية مع اعادة هيكلة الجيش وحل الجنجويد ومحاسبة المجرمين، في حين تنادي (قحت) بتكوين جبهة ضد الحرب ومن اجل السلام، لا تنادي بطرد الطرفين المتحاربين من المعادلة السياسية، بل تنادي علنا بالعودة الى العملية السياسية (استكمال الاتفاق الاطاري المفروض على شعبنا بواسطة الدول الاستعمارية)، اي بالعودة لشراكة الدم، وبدمج الجنجويد في الجيش بدلا من حل هذه المليشيا المجرمة. وهذا يعني ان (قحت) مازالت راغبة في مشاركة طرفي اللجنة الامنية للإنقاذ حتى بعد انقسامها في السلطة!! فكيف يمكن ان تتحالف مع من يرفض شراكة الدم ويطالب بدولة مدنية خالصة؟ وحتى لا يقول قائل ان الشراكة تكتيك باعتبارها مؤقتة، يجب توضيح ان الشراكة تحالف يقوم على برنامج متفق عليه، وهي مع التكتيكات والادوات الاخرى تشكل الخط السياسي اللازم لإنجاز المشروع، لذلك هي وثيقة الصلة بالاستراتيجية وبمشروع المرحلة. وعليه تصبح الدعوة لوحدة بين قوى التغيير الجذري و (قحت)، من باب الامنيات القائمة على حسن النية، ولكن الطريق الى جهنم معبد بالنوايا الحسنة. (
الرفاق في تيار التغيير الجذري، وفي مقدمتهم الصديق والمفكر الشاب أحمد عثمان يصرون على أشياء في دماغهم، بعيدة عن الواقع، ويبنون تحليلاتهم عليها. فمثلا، حسب المقتطف أعلاه، يصف دكتور احمد انهم يريدون تفكيك التمكين، بينما تعمل قوى الحرية والتغيير على اصلاح التمكين. وبناء على تلك المعلومة يمضون في بناء تحليلات ومواقف ويرفضون التحالف، حتى من أجل إيقاف الحرب اللعينة.
فلنقرأ معا ما ورد في الوثائق الرسمية والورش حول قضية التمكين ولجنتها وأهدافها:
أسست لجنة تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو وبناء دولة القانون والمؤسسات من أجل:
(تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو 1989، في كل مؤسسات الدولة، وإزالة التمكين في الخدمة المدنية واسترداد الأموال العامة للدولة ومواردها التي نهبت وثرواتها التي حازت عليها فئة محددة متنفذة في الدولة بدون وجه حق ولا مسوغ قانوني، وذلك عبر علاقات حزبية أو أسرية أو وفق مصالح متبادلة طابعها المنفعة الخاصة.)
لتأكيد ومراجعة ذلك الموقف من إزالة التمكين، أقامت رئاسة مجلس الوزراء ورشة في يومي 19 و20 سبتمبر 2021، بالتعاون مع لجنة التفكيك واسترداد الأموال العامة وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال، حول تحسين ممارسة اللجنة، وأصدرت عددا من التوصيات، اقتطف بعضها فقط لإعطاء صورة حقيقية:
• ضرورة العمل على الدفع بعملية الإصلاح القانوني والتشريعي بتعديل القوانين الحالية واللوائح الخاصة بالخدمة العامة وإزالة التشوهات وسن القوانين الجديدة التي تعمل على اصلاح الخلل البنيوي في أجهزة ومؤسسات الدولة السودانية الموروثة من العهد البائد.
• اصلاح مفوضية الاختيار للخدمة العامة.
• البدء فورا في الإعلان عن الوظائف العامة عبر مفوضية الاختيار للخدمة العامة سواء لملء الفراغ الوظيفي الناتج عن عمليات التفكيك والاحلال او بالنسبة للوظائف الجديدة. ومنح فرص متساوية لشغل الوظائف العامة اعمالا لمبادئ تكافؤ الفرص والعدالة، والنزاهة، والشفافية، والاستقامة.
• ربط وتزامن عملية التفكيك بعملية الإصلاح الهيكلي والمؤسسي لأجهزة الدولة.
• مراجعة القوانين والتشريعات الولائية ذات الصلة بالإصلاح المؤسسي للدولة.
• ضرورة ان يشمل التفكيك كل أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة النظامية لإحداث التحول الديمقراطي)
أما القول بان قحت تعمل للعودة للاتفاق الاطاري المفروض على شعبنا بواسطة الدول الاستعمارية، والذي يتضمن الشراكة مع اللجنة الأمنية. لدي عدة ملاحظات:
• رغم الدور، غير الديمقراطي، الذي قام به نقيب المحامين المكلف (الأستاذ قيلوب) في أسلوب عرض المسودة وتهميش بقية أعضاء لجنة النقابة، وكذلك منهج قحت في العمل الفوقي وعدم الحوار مع الاخرين، الا ان المسودة عرضت في اجتماعات تمت الدعوة لحضورها لمختلف القوي وأصحاب الخبرات.
• هناك نواقص وثغرات في المسودة كان من الممكن إصلاحها في حالة مشاركة بقية القوى السياسية، ولكن منهج الحرد والمقاطعة عطل فرصة انجاز ذلك التحسين.
• أما قضية انه مفروض على شعبنا من القوى الاستعمارية، هو طرح اعتقد انه جانب الصواب.
• علينا العمل بجدية لتأسيس منهج الحوار والعقلانية، فمثلا وثيقة الاطاري نقدم حولها دراسة حسب نصوص بنودها ونقترح بدائل أفضل من تلك النصوص، ونقدم ذلك لشعبنا، لأنه الفيصل والحكم.
• الاتهام بأن العملية السياسية سترجعنا لتحالف اللجنة الأمنية مع قحت يناقض ما نص عليه الاتفاق الاطاري. حيث ورد فيه نصا واضحا:
(السلطة الانتقالية سلطة مدنية ديمقراطية كاملة دون مشاركة القوات النظامية.)
أؤمن جازما، بان الأسباب التي قدمت لرفض التحالف مع قحت لإنهاء الحرب، هي أسباب غير مقنعة، والرفض هو امتداد طبيعي للخط اليساري الذي صار الخطاب السياسي المهيمن للجذريين.
في ظل حرب مجرمة دمرت كل شيء، نعم كل شيء، في كل مجالات الحياة الخاصة والعامة، والتي تصر الفلول المهيمنة على الجيش ان تستمر، ليزداد الدمار ونفقد الوطن. في مثل هذه الظروف نرفض التحالف مع قوى جادة في انهاء الحرب، بحجج غير مقنعة، بل ومصطنعة. أما الحديث عن جبهة قاعدية، فلا يوجد توضيح له وكيفية تكوين تلك الجبهة، وامامنا القوى السياسية والمدنية التي تمثل قطاعات واسعة من شعبنا. والاهم لم تتم أي اتصالات جادة وجلوس معا لتحديد نقاط الاختلاف ونقاط الالتقاء، ثم النظر في إمكانية التحالف أو عدمها، واخطار شعبنا بتفاصيل ما تم، وأسباب ونقاط الاتفاق أو جوانب الاختلاف، في شفافية واحترام للرأي العام لشعبنا.
[email protected]
المصدر: صحيفة التغيير