اخبار السودان

أوضاع شعب في كنف الحرب

خالد فضل

تاريخنا هو تاريخ للحروب الوطنية المستمرة , من جملة سنوات الإستقلال التي تدنو من السبعين لم تهدأ أبواق الحروب وطبولها ورصاصها وأوجاعها ومآسيها وانعكاساتها إلا لهدنة قصيرة مدتها عشر سنوات فقط , خلال ما عرف بإتفاقية أديس أبابا 1972_1983م والتي أنهت حربا وطنية مسرحها المديريات الجنوبية سابقا , تلك الحرب كانت قد انلعت شرارتها الأولى قبيل إعلان إستقلال البلاد ؛ يناير1956م بنحو 4أشهر . بعد ذلك لم تتوقف الحروب تماما و في جميع أرجاء البلاد حتى اليوم , والمسألة ليست عصية على الحصر ويعيش في كنفها ملايين السودانيين/ات وعاش عمرهم كله من توفاهم الله ولم يهنأوا بسلام مستدام من حلفا لكاودا ومن بورتسودان إلى الجنينة .

يمكن ببساطة توصيف أوضاع السودانيين منذ العام 1956م وحتى تاريخ اليوم الذي نقرأ فيه هذه الكلمة بأنها أوضاع شعب عاش ماضيه ويعيش حاضره في أتون حروبات داخلية مستمرة , تتعدد تواريخ الإندلاع , وتتأخر مواقيت الإطفاء , تتوزع الجغرافيا وتتمدد الرقعة الأرضية التي يشغلها الصراع والنزاع المسلح والحرب , الأسباب تبدو متشابهة حد التطابق , الدفوعات التي تقدمها التنظيمات السياسية المسلحة التي تنخرط في الحروب , كأنها نسخة (فوتو كوبي) هذه من تلك , الطرف الدائم الحضور في مواجهة هذه التحركات المسلحة من جانب مجموعات وجهات سودانية عديدة هو الجيش السوداني , الذي تمرّن سنوات الإستقلال كلها على حروبات الداخل السوداني , ترقى ضباط ونالوا أرفع النياشين لبسالتهم في هذه الحروبات , قضى من قضى بمئات الآلاف عددا ممن امتهنوا الجندية , مقتولين بأيدي سودانية مثل من قتلوا من أسف . لقد ظلت الدولة الوطنية من يوم الإستقلال توجه عنفها وقمعها وميزانياتها وحشودها وإعلامها وخطابها الدعائي وبرامجها السياسية تجاه القضية الدائرية ( الحروب الداخلية) , لمرّة واحدة توجهت البنادق لجماعات مسلحة خارجية (إثيوبية) ؛ حدث ذلك إبان الفترة الإنتقالية القصيرة التي رأس فيها د. عبدالله حمدوك مجلس الوزراء 2019_2021م , وحدث تهديد وتجريك للجيش دون الخوض في مواجهة إبان فترة رئاسة محمدأحمد المحجوب لمجلس الوزراء منتخبا في ستينات القرن المنصرم لفترة قصيرة جدا , وكانت الوجهة المنذرة هي الجيش المصري ,غير ذلك وعلى طول مكوث الجيش في السلطة والحكم , كانت حروبه كلها ضد (المتمردين) السودانيين المستدامين , حتى أنّ صفة متمرد لم تعد تحمل أي دلالات ,لقد بهتت من كثرة ما تمّ لوكها ومضمضمة الشفاه بها !!

في كل فترة نردد عبارة باتت هي الأخرى باهتة , (تمر بلادنا بمرحلة حرجة ) ومترادفاتها , مفترق طرق , تهديد وجودي , حافة الهاوية , مرحلة خطيرة , غير مسبوقة … إلخ , وفي كل مرّة (تنترم) الجُرّة , أصبحت (مشرتمة) من تعدد الترمات , ودولتنا لم نصل بعد إلى توصيفها , أ هي دولة البعض أم الجميع ؟ أ هي دولة البراء وإقامة الدين وقيادة الناس إلى الجنّة أم نعيم (ورا القبر) , أ هي دولة حميدتي الديمقراطية ؟ نحتاج صراحة إلى إعمال العقل الجاف جفافا لا يدع للعاطفة مجال ¸لأن العواطف هي التي ساقتنا كل هذه العقود , نقع في هاوية يقال إنّ الإسلام هو المخرج , نغوص في الوحل أكثر فيقال بل الإشتراكية والتأميم هي المصل الشافي , بل الليبرالية , بل وبل وبل , والتفاوض خير من (البل) !

شعب في كل مرّة يتقلب بين أحضان الجنرالات , هذا كويس خالص وذاك في روحو تمام لكن بطانته , والآخر مولانا عدييل وحوارييه صحابة لكن لكن لكن , والأخير زاهد ويحقق حلم أبوهو , وبتاع الخلا دا شن نفرو شغال ذكاء اصطناعي , تكبر مدن وتتكرش العاصمة من أفواج النازحين والفارين من الحرب في الأقاليم , تكبر جبرونا وغصبونا وردمونا وجهجهونا , ويشكو وسط المدينة من الزحام وأطرافها من انعدام الأمان , والشعب يزداد انسحاقا , تتورم حسابات بنكية من الريع العام ومن العمولات والمضاربات والدولار وتنطح العمارات السحاب فيما الدم يسيل ركب في بعض أنحاء السودان الكبير !! هولاء شعب وأولئك برضهم شعب (السودان) لكن الإحساس مختلف .

الحرب الراهنة بين جنرالي الإنقلاب , نتيجة حتمية لطبيعة الدولة الغشمة , في تقديري عبور هذه الدولة لبناء دولة جديدة هو ما يحقق السلام والإستقرار والتنمية والرخاء ..إلخ , دعونا نعبر الحرب إلى ما بعدها , فهي نتيجة وليست سببا , كل الجروح بتروح إلا التي في الروح , وغدا إن شاء الله سيولد سودان السلام الحقيقي والمستدام , هذه هي خلاصة تاج الحروبات الكثيرة , لفقد ضربت المركز نفسه , لم تعد هناك الآن خرطوم !!

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *