أنماط طرائق التفكير السوداني «3»

عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي

طرائق التفكير بين الاستاذ محمود محمد طه والحركة الإسلامية السودانية

يُعَدُّ الأستاذ محمود محمد طه (١٩٠٩ ١٩٨٥) من أبرز المفكرين السودانيين الذين سعوا إلى تجديد الفكر الإسلامي وتحرير العقل من القيود التقليدية. ركز الاستاذ محمود محمد طه في مشروعه الفكري على استخدام العقل وطرق التفكير النقدي لفهم النصوص الدينية وتطبيقها بما يتناسب مع متطلبات العصر.

انطلق الاستاذ محمود محمد طه من مبدأ أن الإسلام دين يتطلب التفكر العلمي والتدبر، وأن العقل هو الوسيلة الأساسية لفهم مقاصد الشريعة. ودعا إلى تجاوز التفسيرات التقليدية الجامدة للنصوص، مؤكدًا أن الجمود الفكري يؤدي إلى التخلف والانغلاق. رأى أن تطوير التشريع الإسلامي يجب أن يستند إلى فهم عميق للقرآن والسنة، مع مراعاة التطور التاريخي والاجتماعي للبشرية.

يمثل القرآن المكي “الرسالة الثانية” للإسلام، في الفهم الجديد للإسلام عند الاستاذ محمود محمد طه، حيث تحمل الرسالة الثانية القيم الإنسانية العليا كالحرية والمساواة، بينما جاء القرآن المدني بتشريعات مرحلية لمجتمع المدينة. لذا، فقد دعا الأستاذ محمود محمد طه إلى العودة للقيم المكية لتطوير التشريع الإسلامي بما يتناسب مع العصر الحديث والتفريق بين ايات القران المدني والمكي مما انعكس على منهجه في تفسير النصوص الدينية. واستخدم الأستاذ محمود محمد طه التأويل لفهم المعاني العميقة للقرآن، معتبرًا أن الظاهر لا يكفي وحده للوصول إلى المقاصد الحقيقية للشريعة.

وفي كتابه “تطوير شريعة الأحوال الشخصية”، دعا الاستاذ محمود محمد طه إلى إعادة النظر في مكانة المرأة وحقوقها، مؤكدًا أن التشريعات التي كانت مناسبة في القرن السابع لم تعد تلائم متطلبات القرن العشرين.

كما انتقد الاستاذ محمود محمد طه الفهم التقليدي للإسلام الذي يعتمد على التلقين دون تفكير نقدي علمي. ورأى أن ذلك الفهم القديم للإسلام يعيق تقدم المجتمعات الإسلامية، فدعا إلى إعادة النظر في التراث الديني بعقلية منفتحة تعتمد على التحليل العلمي والتدبر والتأكيد على الحرية الفردية،

وشدد الاستاذ محمود محمد طه على أهمية الحرية كقيمة أساسية في الإسلام، معتبرًا أن الإنسان مسؤول أمام الله بشكل فردي، وأن الحرية هي السبيل لتحقيق التطور الروحي والأخلاقي.

من خلال هذه المنطلقات، سعى الأستاذ محمود محمد طه إلى بناء فكر إسلامي جديد يعتمد على العقل والتفكير النقدي والعلمي، بهدف تحقيق نهضة شاملة تتماشى مع متطلبات العصر، مع الحفاظ على جوهر القيم الإسلامية. تلك النظرة العلمية للإسلام والمنفتحة على العصر جعلت بعض مفكري الحركة الإسلامية يتبنون أفكار الأستاذ محمود محمد طه التجددية علي استحياء رغم انتقادهم لأفكاره وتجرئهم على تكفيره، بل وتورطهم في اعدامه.

أثارت أفكار الأستاذ محمود محمد طه استنكار العديد من القوى الإسلامية التقليدية، بما في ذلك الإخوان المسلمين، الذين اعتبروها خروجًا عن الإسلام لعدم استيعابهم وفهمهم لها وعدم استخدامهم العقل كوسيلة للمعرفة. ثم بدأ بعض الاسلاميين السودانيين، بعد إعدامهم الاستاذ محمود محمد طه، يدركون أن افكار الاستاذ محمود هي الجسر الوحيد الذي يربط بين الاصالة والمعاصرة، مما جعل بعض رموز الإخوان المسلمين، تنكب على مراجعة بعض أفكاره بمرونة أكبر. وقد ظهر ذلك في شكل اهتمام متزايد بقضايا التجديد والإصلاح الفكري التي طرحها، خصوصًا فيما يتعلق بالديمقراطية، المساواة، ودور الدين في السياسة.

رغم أن الإخوان المسلمين كانوا من أشد المعارضين لمحمود محمد طه في حياته، إلا أن المرحلة التي تلت إعدامه شهدت تغيرات لافتة. إذ أن بعض القيادات داخل الحركة الإسلامية أدركت أن أفكار الاستاذ محمود محمد طه المتعلقة بتطوير الفهم الإسلامي قد تقدم إجابات لبعض التحديات المعاصرة. كالديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة ان الاستاذ محمود محمد طه يدعو إلى نظام سياسي يركز على الحريات الفردية، وهو ما تبنته بعض الشخصيات الإسلامية لاحقًا كرد فعل على الانتقادات الدولية والإقليمية التي واجهتها ولم تجد لها مخرجا الا في تبني افكار الاستاذ محمود محمد طه التجديدية. إذ كانت أحد مبادئ الاستاذ محمود محمد طه الأساسية تحقيق المساواة الاجتماعية، وهو ما أثار اهتمام الإسلاميين في محاولتهم التوفيق بين العدالة الإسلامية ومتطلبات العصر. وقد اسهمت افكار الاستاذ محمود محمد طه وفهمه الجديد للإسلام في دفع البعض إلى التفكير في الحاجة إلى تجديد الاجتهاد، بعيدًا عن الجمود الفقهي التقليدي.

ويمكن القول إن الإخوان المسلمين في السودان، رغم اختلافهم العميق مع ما قدمه الاستاذ محمود محمد طه من افكار متينة تدعو الي تجديد الفكر الاسلامي، إبان طرحها في كتبه وخلال الندوات العامة والمحاضرات واركان النقاش، الا ان الاخوان المسلمين قد تأثروا جزئيًا بأفكاره بعد انتقاله، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحرية والتجديد. ومع ذلك، فإن هذا التأثر ظل محدودًا ولم يصل إلى تبني واسع أو تغيير جوهري في منهج الحركة الإسلامية. وقد انعكست محدودية تبني تلك الافكار التجديدية على واقع التحديات التي تواجه الحركات الإسلامية في التعامل مع فكر التجديد ومواكبة العصر دون التخلي عن هويتها التقليدية..

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.