حسن عبدالرضي الشيخ

عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي

شجرة الدليب التي ترمي بعيد: نعطي أفضل ما فينا لغيرنا السودانيون أصحاب حكمة، ورأي، وفكر، وتاريخ ضارب الجذور في الفعل والقول. ترك لنا أسلافنا حضارة عريقة نفخر بها ونفاخر، فاقت حضارات دول الجوار، وتشهد عليها آثارهم، وإرثٌ ثقافيٌ غنيّ بالحكم والأمثال، التي أصبحت مصدر فخرنا للأنس، فحسب، لا للاقتداء.
الناظر إلينا يرى أننا قومٌ نفخر ببناء أوطان الآخرين، ونتجاهل خراب وطننا!في مطارات الخليج، على أرصفة المدن الأوروبية، في مشافي الرياض ودبي، في جامعات قطر والكويت، وفي مشاريع التنمية بإفريقيا… يقف السوداني شامخًا، يعمل بإخلاص، يُشاد به في المحافل، وتُطلب كفاءته في الميادين، ويُمدح في أخلاقه وجديته، حتى صار مثالًا في النزاهة، والصبر، والانضباط.
لكن، حين تعود الطائرة إلى مطار الخرطوم، رده الله إلى سيرته الأولى، تتبدد هذه الصورة فجأة، ويعود نفس السوداني الذي يبني دولًا وينهض بمؤسسات إلى واقع مأساوي: دولة تتآكلها الحروب، ويدمرها الفساد، وتضيع فيها الخدمات، وتنهار فيها القيم الوطنية؛ باسم الوطنية أحيانًا، وباسم التدين أُخرى. فخر في الخارج… خزي في الداخل
نفتخر عندما يقول الخليجي: “عندنا السوداني ما في زيه”، ونُسَرّ حين يصف الأوروبي السوداني بـ “الشخص القابل للتعلُّم والعمل”.
ونُباهي أن المستشار، والطبيب، والمهندس، والمدرب، والمعلم، والخبير… سوداني!لكن، لماذا لا يتحول هذا الفخر إلى حافز لبناء وطننا عندما نعود وزراء أو مدراء، مسؤولين حكوميين أو رؤساء لمنظمات وطنية؟لماذا نعطي أفضل ما فينا لغيرنا، ونبخل به على أنفسنا؟لماذا لا نستحي من أن تكون دولتنا مهددة بالتفكك، بينما نظل نُلمّع تجاربنا في الخارج، كالقانونيين، وواضعي الدساتير، أو فقهاء دستوريين، أو خبراء في التنمية الدولية بشتى ضروبها؟وطن بلا عقد اجتماعيالمشكلة ليست في الفرد السوداني، بل في بنية الدولة نفسها. نحن نعاني من غياب المشروع الوطني الجامع، من انقسامات قبلية وجهوية، من فساد مزمن، ومن دولة تحكمها النخب الفاشلة والمليشيات، لا القانون ولا المؤسسات.نحن ضحايا دولة لم تُبنَ على أسس تعليمية وتربية وطنية عادلة، ولم تُؤسّس على المواطنة، ولا تؤمن بقدرة الإنسان السوداني إلا إذا كان خارج حدودها.فلا بد لنا من الخروج من حالة جلد الذات إلى صحوة وطنية. كفانا جلدًا للذات من جهة، وتغنّيًا بأمجاد فردية خارج الوطن من جهة أخرى. يجب أن نتحول من مرحلة التمجيد بالخارج، إلى مرحلة المواجهة في الداخل. من الطبيعي أن نفتخر بإنجازات السودانيين في الخارج، لكن من العار أن يكون هذا الفخر هو البديل عن إنجاز حقيقي في الداخل.السوداني الذي يُصلح نظم التعليم في الخليج، قادر على إصلاح التعليم في القضارف ونيالا والدمازين.السوداني الذي يُدير مؤسسات مالية كبرى في أوروبا، قادر على محاربة الفساد في وزارة المالية.لكن ذلك يتطلب شرطًا واحدًا: أن نُعيد الاعتبار لفكرة الدولة. أن نقيم دولة عادلة، تتسع للجميع، وتؤمن بحق كل مواطن في أن يكون فاعلًا، لا تابعًا.نعم، نفخر بأننا بنينا مع الآخرين.
لكن، حان الوقت لنسأل أنفسنا بصدق: لماذا لا نبني نحن وطننا؟
الخراب ليس قدرًا، بل نتيجة تراكمات سياسية وثقافية و”غُبائن” اجتماعية، يمكن تجاوزها إذا توفرت إرادة جمعية، تبدأ من نقد الذات، ولا تنتهي إلا بقيام الدولة السودانية التي نستحقها، من خلال طرائق تفكير جديدة.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.